الأمام موسى الكاظم ..الأطروحةَ العمليّة في مواجهة الظلم

أحمد الركابي
إن تاريخ الإنسانية قديماً وحديثاً حافل بالثورات الصاخبة التي قام بها المصلحون الاجتماعيون على حكام الظلم والطغيان من أجل إسعاد أبناء مجتمعهم، وإنماء أوطانهم، حتى عانوا في سبيل ذلك جميع ضروب الأذى، وأنواع التنكيل والتشريد والاضطهاد؛ وكان في طليعة هؤلاء المجاهدين والمكافحين عن كرامة المسلمين أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
فقد قدموا أروع التضحيات، وتحملوا أقسى ألوان الجهاد في سبيل الله من أجل إنقاذ المسلمين من الجور العباسي، والاستبداد السياسي الذي تمثل على مسرح الحكام الأمويين والعباسيين.
ومن هذه الزاوية السياسية فقد تميز عهد أمامة الكاظم – عليه السلام – بسيطرة الطغاة وبشكل محكم على الأمة الاسلامية ولم يتم للطغاة ذلك ألا بالارهاب وسفك الدماء حتى من أقرب المقربين من سدة الحكم الجائر، فلم يكن احدّ آمناً على نفسه من بطش الجبارين والمستبدين
حيث أستفاد الامام موسى الكاظم – عليه السلام – من منهج ابيه الامام جعفر الصادق – عليه السلام – باستيعاب العلماء والفقهاء وقادة الامة من خلال الدروس الاسلامية والسياسية والتوجيهية التي كان يدرس ويثقف ويغير بها عبر مدرسته والتي كان يحضرها المئات من العلماء والفقهاء والشخصيات الاسلامية والمذاهب الفقهية والسياسية في المجتمع أنذاك، حيث أستمر على نفس المنهج الذي سار عليه ابيه ، مع الحذر اكثر لطبيعة النظام الذي أعتلى السلطة حينها .
قدم الامام – عليه السلام – للأُمّة الاطروحةَ العمليّة في مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتّفق وظروف تلك المرحلة، وبما ينسجم مع مسؤوليّاته الرساليّة في النُّصح للأُمّة وتسديدها عند اشتباه الحقّ والتباس معالم الهدى والصلاح، فقابلته السلطة بالاعتقالات المتعددة، والمحاصرة، والتهجير، والسجن في الظلام الدامس مع التعذيب، والعزل عن الناس، وأختتموا سلسلة أجرامهم بوضع السم في طعامه وهو في السجن حتى اضحى شهيدا مظلوما صابرا محتسبا في 25 رجب عام 183 هـ.
ولعل هذه الصورة المأساوية الحزينة اوضحها المحقق الاستاذ الصرخي في بحثه الموسوم ( نزيل السجون )، وهذا مقتبس منه جاء فيه :
((السلامُ عليكَ يا سيدي ومولاي وإمامي وإمام العالمين، السلام عليك يا نزيلَ السجون، يا مُغيَّب في الطامورات، أشهدُ أنّك قد بلَّغتَ عن الله ما حمّلك وحفظت ما استودعك وحلّلت حلال الله وحرّمت حرام الله وأقمت أحكام الله وتلوت كتاب الله وصبرت على الأذى في جنب الله وجاهدتَ في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين، وأشهدُ أنَّك مضيت على ما مضى عليه آباؤك الطاهرون وأجدادُك الطيبون الأوصياء الهادون الأئمة المهديون، لم تؤثر عمىً على هدىً ولم تَمل من حقٍّ إلى باطل .
يا مولاي أنا أبرأ إلى الله من أعدائك وأتقرّبُ إلى الله بموالاتك فصلّى الله عليك وعلى آبائك وأجدادك وأبنائك وشيعتك ومحبِّيك ورحمة الله وبركاته .)) أنتهى
لقد سعى الإمام موسى الكاظم – عليه السلام – في تربية الأمة الأسلامية على أساس تقوية أواصر الاخوة والمحبة الايمانية فيما بينهم بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة أجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here