الأمتحان الصعب … والمؤهل.. له..؟

د.عبد الجبار العبيدي
——————————————–
سَئلنا التاريخ فقال لنا : لا تعاشروا خائناً .. ولا فاقداً لوطنيته..فالخونة هم من تجردوا من قيم الحياة المقدسة ..واشاعوا نظريات الفساد والتعامل معه بأعتباره شطارة على المواطنين وان كان لهم ماضٍ مجيد..هؤلاء سقطت قدسية الحياة والنضال عنهم لذا اصبحوا خارج نظرية العدل الانساني فلا تأمنوهم …ولن ينجحوا سواءً عادوا للمعارضة ام لم يعودون ؟ لانهم أغبياء ليست لديهم قابلية دخول الامتحان ثانية واجتيازه .. بل عاشروا اصحاب نظرية الحق ..فهو ثابت لا يتغير ولا يتبدل.. والحق مقدس لا يتطرق اليه الرجس ..وهو أزلي متأصل في اعماق الزمن ..لذا فهو باقٍ الى الابد يتعايش مع الحياة.. وهو تعبير عن العدالة المطلقة التي تتناقض مع الباطل ..وهو صالح لكل زمان ومكان ..هكذا قرأناهُ في كتب السماوات والارض وجاء تطبيقاً لوعد الله ..حتى سمي الله “بقوله هوالحق الأنعام 73”.
ولكن من يستطيع تطبيق نظرية الحق ولا يخاف من معارضٍ فاشل وخائن ؟ هو من تجرد من الخوف وآمن بالحق وبالشعب دون تردد.. ومن تجرد من مصالحه الشخصية وفضل مصلحة الناس عليها هكذا كان المصلحون الذين يدعون من يحكمون الوطن اليوم بهم باطلاً..فهل من قائد يستطيع تطبيق النظرية..عليه ان يَقدم..
من يملك هذه الصفات توضع فيه امانة الوطن ولا يستحقها غيره وخاصة في هذا الزمن الرديء الذي اصبحت المنافع المادية تعلو على القيم. فهل يستطيع من يملك زمام السلطة في وطني الكظيم ان يتصف بهذه الصفات وان جابه كل عواصف التحديات والزمن..؟لا اعتقد فقد ذهب عصرالأحرار..وجاء عصر العبيد والأقنان..وآكلة المال الحرام.
الحكماء من اصحاب الحق ، ادركوا كيفية نشوء المجتمعات وكيفية معرفتهم بأدارتها لأنهم كانوا كباراً في نفوسهم ، وكيفية نقلها للاجيال لتعيش فيها بأمن وامان وكيفية معرفة الحقوق..اي بناء المجتمع ألانساني ألاكثر أمنا وأستقرارا وألاقدر على توفير اسباب الرخاء او ما يسمى اليوم بالسعادة للبشر..من هنا بدأت المجتمعات المتقدمة برجالها الأفذاذ تدرك اسباب ربط الظواهر الحياتية حتى انتجت لنا نظريات متعددة ومتنوعة طالبتنا بمعرفة الاصح لاتباعها في التطبيق العملي لواقع الحياة الانسانية ..من لم يستطع ان يكون بهذه الصفات عليه ان يتخلى عن مسئولية الانسان والوطن وينزوي في زاوية الذل والمهانة كماهم اصحاب نظرية التغليس عن الحق…
من هذه النظريات المتعددة هي النظرية الاجتماعية المبنية على نظرية الافكار الحديثة التي بواسطتها يستطعيع المواطن ان يوقف الظلم ويرد السلطة عن هواها وهي ما نسميها بأرادة الامة.. البعيدة عن نظريات القوة والقداسة الوهمية والمتمسكة بنظرية القانون والعدالة الاجتماعية ..ومستشهدة بنظرية التاريخ التي مكنت البشر من معرفة دراسة المكتشفات المصيرية التي اوصلتها الى قمة الحياة الحضارية المطلوبة..كما في اليابان والصين..اليوم.
من هنا قسم العلماء المجتمعات الى متحضرة التي لها قيمها الروحية الرفيعة في اساليبها المتطورة في مواجهة الحياة والطبيعة مثل المجتمع الياباني .
أما المجتمعات غير المتحضرة فهي التي لم تتجاوز الطور البدائي في قيمها الروحية واساليب حياتها العلمية والعملية والطبيعية والتي لم تفهم نظريات الحق والعدل المجتمعي..وان ظهرت متحضرة في مظهرها الانساني ..فالمظهر ليس كالجوهر..وهي التي وقفت وتقف اليوم عاجزة عن مواجهة الصعاب والتحديات التي تواجهها ..لعدم قدرة انسانها على تجاوز هذا التحديات فتقابلها بنظرية التغليس.. ولأن الباطل صار يتعايش معها ،كما في المجتمعات العربية ويقف العراق الذي تنازل حكامه عن نظرية الحق وتطبيقاتها ..وتمسكوا بنظرية المظهر الفارغة في المقدمة بعد ان ضاعت حقوق الجماهير بينهم حيت تفردت الكتلة النيابية ، والاحزاب الدينية بينهم .
وحين نقول العراق اليوم وليس الامس لان انسانه الحاكم قد فقدَ الحس الحضاري في الحق الذي يخلق التاريخ وحياة التطور..اي هو الذي يعمق ويجذر انتماء الانسان للوطن ،ويجعله يموت من اجل الدفاع عن الوطن والشرف والكرامة..والذي يجعله ايضاً يؤمن بأن الغاية الشريفة لا يجوز ان يصل اليها الانسان الا بوسائل شريفة..هنا تصبح العقيدة او الآيديولوجية الفكرية هي الاساس في التوجيه الانساني لتنقله من حالة التردي الى حالة التحضر..بعد ان زرعت الثقة في النفوس بقدرة الامة حتى استطاعت ان تنجز الطاقات لديها..فظهرت العبقريات التي ساهمت بعملية التقدم ..هنا تعتمد الدولةعلى رجال من اهل الحق والعلم والتدقيق والثقة من اي لون كانوا .هذا التوجه فقدناه نحن العرب والمسلمين من زمن رغم اننا ورثناه من التراث.. لكن هناك محاولات جادة اليوم لاعادة الثقة بعد ان عزلوا عن الجماهير..بينما ظهر في بداية النقلة الاوربية التي ظهرت في بداية التغيرات السياسية التي قادتها الثورة الامريكية 1774 والثورة الفرنسية 1789 والتي نادت “بالحرية والاخاء والمساواة” .
المؤرخون ليس من واجبهم دائماً العثورعلى الحقيقة.. بل من واجبهم عرض القضية بوضوح والمواطن يستنتج ويحكم بعد ذلك بموجب نظرية الحق الذي قرأه في كتب الديانات والتاريخ..وبعكس هذا التوجه التربوي يتحول نظام حكم الدولة الى غنائم وارباح حياتية بعيدا عن نظريات العدالة الأجتماعية..هنا نحن لا نقول لحكام العراق الذين أوغلوا في نظرية الباطل والخطأ ان تعيشوا في غاية التقشف..بل راعوا حرمة الناس والوطن في الحق والعدل ولربما هذا الاحساس بدأ يظهر اليوم في بعضهم …وتحضرني كلمة قالها حيدر العبادي الفاشل سياسياً نكتبها بتصرف : “ان من يحكمون اليوم تعودوا على حياة مترفة لا يستطيعون التنازل عنها بعد..” كارثة اخلاقية هذا الذي تفوه به العبادي أبن الأصول.. وهذا لا يحقق دولة مواطن..بل يتحقق بأختيار الامة لحاكمها وتحديد مسئوليته في الرقابة المالية ومدة خلافته وسلطته الأخلاقية كي لا يتجاوز نظرية الحق والقانون..هنا كان مقتلنا بعد 2003 عندما اسـتأثر البعض بالسلطة تجاوزا على الوطن والمواطن بنظرية القوة والطائفة والحزب لا بنظرية حكم القانون..والا لا يمكن وبكل المقاييس ان تكون دولةمثل العراق فيها أكثر من 200 حزب يعيش منتسبيه من المتخلفين على الدولة دون مردود منهم… لها.
والحق الذي يجب ان يقال ان نوع حياة الحاكم الذي جاء بفعل المحتل الذي لا يهمه الوطن والمواطن صرفه عن التفكير بشكل خطرعن مفهوم نظرية الحق.. وليس في الدنيا اخطر من العيش بدون تفكير.فكيف وهو الحاكم بقانون القوة … لا بقوة القانون..؟
يبدو من خلال معايشتنا للوضع العراقي بعد التغيير..اننا نعيش في سلطة وليست دولة ولا نظام حكم..لذا أنحل مبدأ وحدة الأمة الى مجرد شروط غير قابلة للتحقيق .. الوزراء والمدراء الأكفاء المخلصين حتى لو كانوا منفذين لشيء أو أمر لا مفوضين بالتصرف ..او مسموح لهم بسرقة المال العام دون رقيب او حسيب…حتى اصبحت شروط تعيين الرئيس والوزير شروطاً لأي موظف محلي لتحقيق المصلحة الخاصة..هنا التبست الفروق والمهام فضاعت المسئولية في الوطن…ولم تعد الثوابت الوطنية تتعايش في روؤسهم ..فأنعدم المفهوم العام للعمل بكامله..لذا لابد من نهاية لهذه الفوضى الادارية التي اوجدها المرافق للاحتلال دون النظر في مصلحة الوطن والمواطن..لذا نقول لكم ايها الغاصبون للسلطة..كفاية في اهمال القواعد التي تحدد – بالقانون – سلطات المسئول ..اما القول بالتمسك بالنص الديني دون تطبيق فهذا ليس بتشريع.
وحين جاءت الثورة الصناعية في اوربا بدأت الدولة الحديثة تتجه نحو تطوير مناهج التعليم الذي هو اساس كل تقدم ،حين بدأ واضعوا المنهج الدراسي يفكرون بشئون الكون على اساس من الفكر غير المقيد بنص معين..فكان العقل المتعطش للمعرفة الفلسفية اساس البحث العلمي الجديد المبني على التجربة التي هي اساس كل كشف صحيح..ورغم قلة العلماء والمفكرين ..لكن عقولهم وما انتجت من منهج صحيح بهرت عقول المتطلعين للتغيير.. وبعد ان اثبتوا ان العلم الطبيعي هو قاعدة العلوم..هنا تغيرت المعادلة..؟فأين نقف نحن اليوم من هذا التوجه الصحيح..؟ولا شيء..؟
هذا كله احدث انقلابا في الفكر الجديد المعتمد على تقدم التعليم المقونن بالقانون..من هنا بدأت نظريات ارسطو تنكمش وتضمحل تجاه العلم الجديد بعد ان كان المنطق الارسطوطاليسي هو المعتمد في التغيير..من هنا اقول وبقوة ان البحث والتجربة والمنهج التعليمي الجديد الخالي من التوجهات المثيولوجية العقيمة هي التي اوصلت الانسان الى العلم الصحيح..فبدأ العلم يحمي العقل البشري من الشكوك التي زرعها المفكر الديني الذي لا يؤمن بالصيرورة الزمنية في رأس الانسان فأوقف بنصه الجامد اللا متحرك عقل الانسان وتفكيره بعد ان ابعده عن الفكر الروحي الذي ظن به ان الانصراف عنه الى دراسة العلم العقلي انما هو مضيعة للوقت وصرف الانسان عن عبادة الله..وكانهم هم وكلاء الله في الارض ، هنا كان ولا زال مقتلنا في امة العرب والمسلمين..وهذا ينطبق على حال الوطن العراقي اليوم حين اصبحت سلطة الدين توجه العلم والتعليم والقانون.
يبدو من دراسة افكار العلماء الاوربيين وكأننا نلمس ان التفائل بهذا التوجه العلمي الصحيح المبني على العلم والتجربة هو الذي ينقلنا من حالة التخلف الى حالة التحضر الفكري الجديد ….وانا اعتقد جازماً بدون هذا التوجه وعزل الفكر الديني عن الفكر العلمي لن نصل الى ما نرغب ونريد.
ومالم يعمل علماء المناهج العربية التعليمية في الربط بين العقل والتفكير بطريقة منطقية عقلية واحترام القانون .. سنبقى مستسلمين للافكار غير العملية التي تقودنا الى التوقف دون حراك..اي ان الصيرورة الزمنية ستتوقف عندنا كما احدثها اصحاب المذاهب الدينية الميتة التي تركتنا عظاما نخرة لا نقوى على الحراك…نعم علينا وخاصة الطبقة المثقفة التي تدعو للاصلاح الى نقل مركز الثقل في العلم من الخيال الى الواقع ومن النظري الى العملي وخاصة في بناء المنهج الدراسي العلمي الصحيح ..لنحدث التفكير الانساني في روح الامة ومضونها الحضاري منذ الصغر.
فاذا ما توصلنا الى قناعة المنطق بموجب هذه النظرية..سيكون الجزاء على قدرالمواهب والجهد المبذول ومستوى ذلك الجهد في الدقة وعدمها ونصيب العلم والخبرة في العمل،وان تكون للانسان العراقي حرية التصرف والتعاقد ليكون له الحق في الامان على النفس والمال ،وان يكون هذا الحق مكفولاً بنص القانون والعرف الاخلاقي للأمة..بعدها سنكسب المعركة في النهاية…بسلطان الضمير..بعد ان نحترم الحقيقة أو بعضها…
لنوقف نظرية الخطأ والتخلف التي ينفذها الحاكم في الوطن بمساعدة رجال الدين المتخلفين وذلك..بتطبيق نظرية الضد النوعي لنهزمه دون متاعب وعراقيل..
هذه المهمة الوطنية الصعبة موكولة دائماً في الكاتب الحقيقي الذي تخلقه العواصف والتحديات..وان يكن صوته خافتاً في البداية ..فأنه يمكن ان يوقظ أمة .. بكاملها في النهاية..نأمل ان يكون الرهان على المخلصين ناجحاً..
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here