لماذا معظم السويديين لا يحملون شهادات جامعية؟

إيهاب مقبل

تشير الدراسات الأكاديمية السويدية أن نحو خمسين بالمئة فقط من طلاب المدارس الثانوية ينهون دراساتهم في هذه المدارس، وأن نحو ثلاثين بالمئة فقط من هذه النسبة يواصلون تعليمهم إلى الكليات والجامعات السويدية. على سبيل المثال أن كانَ عدد طلاب المدرسة الثانوية نحو ألف شخصٍ، فإن خمسمئة منهم فقط من ينهون دراساتهم في هذه المدرسة، ومن هؤلاء الخمسمئة نحو مئة وخمسون طالب فقط من يفضلون الإستمرار في تعليمهم إلى المرحلة الأكاديمية. فما هو السبب يا ترى؟!

هناك العديد من الأسباب تقف خلف عزوف الطلاب عن الدراسة الجامعية في السويد، وفي مقدمتها الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية.

على الجانب الاقتصادي، يعاني الطالب السويدي من عدم توفير له موارد مالية كافية لمواصلة تعليمه الاكاديمي، بسبب قلة أجور والديه. كما لا يفضل الذكور والأناث على حد سواء الإقتراض لمواصلة الدراسة، حيث يعلل الذكر منهم سبب ذلك هو لعدم كفاية هذه القروض لمتطلبات الحياة اليومية، بينما تعلل الأناث ذلك لانها تخشى من الإقتراض بحد ذاته.

وعلى الجانب الاجتماعي، يعاني الطالب السويدي من عدم وجود حافز لديه لمواصلة تعليمه الاكاديمي، فلا يحضى بتشجيع نفسي أو دعم تعليمي من الوالدين، لكون كلا الوالدين لا يحملان شهادات جامعية. ولذلك لاحظت الدراسات الاكاديمية السويدية أن هناك علاقة وثيقة بين الطلاب وخلفياتهم الاجتماعية، فغالبًا يكون الطلبة من الطبقات الاجتماعية العليا والمتوسطة أصحاب الحظ العظيم لمواصلة التعليم الاكاديمي.

وعلى الجانب التعليمي، لا يحقق نصف عدد طلاب المدارس الثانوية السويدية شهادات النجاح بمواد السويدية والانجليزية والرياضيات، والتي بدونها لايمكن مواصلة التعليم الأكاديمي. كما أن المدارس الثانوية مُقسمة إلى برامج مهنية ثانوية تؤدي إلى مهن مثل التمريض والبناء ورعاية الأطفال وغيرهم، وبرامج تحضيرية ثانوية للجامعات تؤدي إلى مهن مثل الطب والهندسة والتعليم وغيرهم، فالطالب الذي ينهي البرنامج المهني يحصل على شهادة مهنية تؤهله للعمل مباشرة بمستوى وأجر منخفض، بينما الطالب الذي ينهي البرنامج التحضيري يواصل تعليمه الاكاديمي في محاولة منه بعد ذلك للحصول على عمل بمستوى وأجر مرتفع.

وعلى الجانب السياسي، يلاحظ السويديون أن الكثير من سياسييهم (قدوتهم) لا يحملون شهادات جامعية، مثل وزيرة الخارجية مارغوت فالستروم ورئيس الوزراء ستيفان لوفن ووزير الدفاع بيتير هولتكفيست وغيرهم. كما أن الحكومات السويدية المتعاقبة لاسباب “السياسة الاقتصادية” شجعوا بإنتظام وبطرق مباشرة وغير مباشرة على عدم مواصلة التعليم الاكاديمي، فالمطلب في هذه السياسة أن يكون المواطن أداة تحكم اقتصادية بيدّ الحكومة. وهذا الدور الذي تلعبه الحكومات السويدية المتعاقبة ليس بجديد، فقد عملَ القساوسة منذ القرن السادس عشر الميلادي وحتى ظهور أول مدرسة – مدرسة الشعب – في السويد عام 1842م على اعاقة تعليم أطفال الطبقة العاملة في المنازل لضمان السيطرة عليهم، إلى درجة حرمانهم من الكتابة، والأكتفاء بالتعليم الشفهي، وضمن حدود “التعليم المسيحي”.

ولعل اللافت للانتباه أن بعض الدراسات الاكاديمية الحديثة اشارت إلى وجود علاقة مترابطة بين درجة التعليم والتمييز العنصري، فمعظم الطلاب اللذين لا ينهون المدارس الثانوية يخشون من “إستيلاء المهاجرين” على وظائفهم العادية في مجالات التنظيف والعمالة وما شابه، في وقت باتت فيه الأعمال التقليدية تعاني من الإندثار أمام زحف التكنولوجيا الحديثة، ولهذا السبب ازدادت جرائم الكراهية ضد المهاجرين خلال السنوات الأخيرة.

https://c.top4top.net/p_1204dy8ja1.jpg

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here