الانفتاح الخارجي ومصالح العراق وشعبه!

محمد عبد الرحمن

لا اعتقد ان هناك من يعترض من حيث المبدأ على إقامة علاقات متوازنة متكافئة بين العراق ودول المنطقة والعالم، خاصة مع الجيران من الجهات الأربع. فالمطلوب كان وما زال ان تُجيّر هذه العلاقات لصالح شعوب المنطقة، بما يؤمن السلم والاستقرار والتعاون في المجالات المختلفة. بل ان هناك الكثير من القضايا التي يمكن ان تكون مجالا رحبا للتعاون، ومن ذلك طبعا القضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك، وقضايا مكافحة الاٍرهاب والتبادل التجاري والمشاريع الاقتصادية والثقافية والعلمية، وقضية المياه التي تتعاظم يوما بعد آخر اهميتها وضرورة التنسيق بشأنها بما لا يضر بأي طرف من الأطراف.

ومن المؤكد ان لمختلف الدول اهتمامها بمصالحها الخاصة وبأمنها الوطني، وهذا أمر طبيعي ومشروع ما دام في سياقه السليم وبما لا يلحق الضرر بالآخرين. ومن المؤكد ايضا ان تحقيق ذلك يرتبط بمجموعة من الشروط الواجب توفرها.

وطبيعي ان الاوضاع الداخلية تجد انعكاساتها على العلاقات الخارجية، وعلى اتجاه بوصلة مخرجات تلك العلاقات، والى أي طرف تميل. فاستقرار الاوضاع العامة في البلد، والحرص على استقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية، ومتانة الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، وطبيعة نظام الحكم ومدى تمثيله لمصالح الشعب واستعداده للدفاع والذود عنها، ودرجة الثقة المتبادلة بين الشعب والحكام، وقضية توحيد الخطاب الوطني، فضلا عن حرص القوى السياسية على ان تضع مصالح بلدها وشعبها فوق كل اعتبار.. هذه كلها وغيرها تعد من العوامل الداعمة، والمشجعة على إقامة العلاقات المتوازنة وصيانة حقوق البلد في ارضه ومياهه وحدوده وفضائه وثرواته.

في ضوء هذه المعايير والضوابط والشروط يتوجب النظر الى حالة الانفتاح التي يشهدها العراق على محيطه وفِي علاقاته الخارجية. وأخذا بالاعتبار المواقف الرسمية

الحكومية التي ما انفكت تؤشر السعي الدائم الى النأي بالبلد عن المحاور، وعدم انحيازه الى اَي محور من محاور الصراع المحتدم في المنطقة، والعراق في القلب من ذلك، فيما تسعى مختلف الاطراف المتصارعة، خاصة اليوم الولايات المتحدة الامريكية وإيران، الى كسبه الى جانبها، مع تداخل كبير للكثير من خطوط الصورة.

وإذا كان هذا هو الموقف المعلن للحكومة العراقية، فانه ليس بالضرورة ما تريده وتتمسك به وتعمل من اجله بعض القوى والأطراف والشخصيات العراقية، التي استعانت للاسف بالخارج في فترات سابقة وما زالت، لترجيح كفتها في التنافس السياسي الداخلي. وهذا ما سهّل للعديد من الاطراف الخارجية الإمعان في التدخل في شؤون بلدنا، حتى غدا هذا من العوامل المقررة داخليا والتي يحسب لها الحساب في كل صغيرة وكبيرة، من تشكيل الرئاسات الثلاث الى توزيع المسؤوليات الحكومية على اختلاف درجاتها مرورا بتشكيل الحكومة. والأمر الأخطر ان يتعلق الامر بقضايا الأمن والجيش والشرطة والجماعات المسلحة بتشكيلاتها المختلفة.

وان النأي بالعراق عن المحاور لا يعني باي حال من الأحوال ترضية مختلف الاطراف على حساب تحقيق مصالح بلدنا، خاصة وان الكثير من النقد قد وجه لبعض الاتفاقات التي جرى ابرامها مؤخرا، ومنها مثلا فتح أبواب العراق لمنتجات مستوردة عَلى حساب التوجه الجدي لتنمية الصناعة والزراعة العراقيتين، وما الذي سيحصل عليه العراق من إقامة مدن صناعية مشتركة، او ما يتعلق بمد أنبوب النفط الى العقبة وما قيل عن انه يسبب خسارة للعراق بالمليارات. كذلك ما يخص ترسيم الحدود مع ايران بالعودة الى اتفاقية ١٩٧٥ موضع الجدل! وايضا تأمين حصص مائية عادلة للعراق، وغير ذلك من القضايا التي اثارت اهتمام أوساط عدة.

ففي كل هذه الزيارات واللقاءات التي لا اعتراض عليها من حيث المبدأ، وما يتمخض عنها من اتفاقات، تتوجب الاجابة عن السؤال: اين مصلحة العراق وشعبه في كل هذا؟!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here