قصص مصرية من برديّة وستكار ( الجزء الرابع/ ولادة الملوك)

بقلم: عضيد جواد الخميسي

ولادة الملوك / الحكاية الخامسة
لا تنسب هذه القصّة لأيّ راوٍ لها ، لأن صاحبها شخص غير معروف . والحكاية هي عن قصّة ولادة الملوك الثلاثة من السلالة أو الأسرة الخامسة :” أوسركاف ، ساحور ، و كاكاي ” .
في يوم من الأيام ، ذهبت ريديدت زوجة كاهن الإله رَعْ ( إله الشمس) في مهمة شاقّة ، وهي حامل في شهرها الأخير، فجاءها المخاض بعد عودتها المنزل ، و خلال مخاضها أخذت تتوسل الإله رَعْ بأن يساعدها في ولادتها .
سمع رَعْ دعواتها وصلواتها إليه ، فاستجاب لها عندما بعث كل من ( إيزيس ، و نفتيس ، و مشخينيت ، و حكيت ، وخنوم ) لمساعدتها . تحول هؤلاء الرسُل إلى جوق موسيقي راقص ، ثمّ ذهبوا جميعاً إلى منزل ريديدت ، حيث كان زوجها الكاهن “ريوسر” مستاء من حال زوجته . عرضت الراقصات خدماتهنّ على الكاهن ، وعندما أخبرته إيزيس ( إلهة الولادة ) ، هي ورفيقاتها ، باستطاعتهنّ مساعدة زوجته في ولادتها لما يمتلكن من المعرفة والخبرة في هذا المجال ، قبل الكاهن بذلك وبدون تردد ، وأعلن ترحيبه لهم .
تستمر الحكاية بميلاد ولادة الملوك الثلاثة. ويُعتقد أن تلك الحكاية قد نقلت صورة حقيقية عن الإجراءات الشائعة عند ساعة الولادة في مصر القديمة و دور القابلات فيها ، كما جاء في الوصف التالي :
( دخلن الغرفة بوجود ريديدت فيها . ثم أغلقن الباب عليها وعلى أنفسهنّ . كانت “إيزيس ” أمامها ، و” نفتيس ” و ” حكيت ” خلفها ، فقمن بالولادة ، وتمّت الولادة . تهمس إيزيس إلى الطفل ، وتقطع الحبل السري ومن ثم تنظفه . بعد ذلك تضعه على الوسادة) .
توصف ولادة الصبيين الآخرَين بنفس الطريقة ، وفي كل مرة تمنح إيزيس اسماً لكل واحد من الأولاد الثلاثة .
القابلات الثلاث خرجن من الغرفة الواحدة تلو الأخرى بعد ولادة جميع الأطفال بيسر ، ثم أخبرت ايزيس الكاهن زوج ريديدت ، بأن زوجته وأولادهما بخير . ابتهج الأب كثيراً وامتلأ قلبه بالفرح والسعادة لهذه الاخبارالسارّة . فكرّ الكاهن “ريوسر” في أن يقدم مكافأة إلى أفراد الجوق عرفاناً بمساعدة زوجته في الولادة ، وذلك بأن يهديهم كيساً من الشعير لصنع الجعّة .
غادر المبعوثون الخمسة منزل الكاهن ريوسر ، وبعد ابتعادهم لمسافة قصيرة عن المنزل ، فاجأت إيزيس الآخرين قولها : ” ما هذا ، أننا نعود أدراجنا دون صنع أعجوبة لأولئك الصغار ؟ ” . بقدرات الآلهة السحرية ، خُبأت ثلاثة تيجان ملكيّة في كيس الشعير الذي أهداه الكاهن لهم . ثم بعد ذلك وعن طريق السحر ايضا افتعلوا عاصفة مطرية كبيرة كذريعة في العودة إلى منزل الكاهن ، اذ طلبوا منه أن يحتفظ بكيس الشعير لديه في المنزل مؤقتاً ، كي لا يتعرض للبلل وهم في رحلتهم ، على أمل أن يستردونه في طريق عودتهم . استجاب الكاهن لطلبهم ، فوضع الكيس في عنبر المنزل .
تعافت ريديدت بعد أسبوعين من الولادة ، وأمرت خادمتها بتنظيف وترتيب المنزل استعداداً للعيد القادم . أخبرتها الخادمة بأن كل شيء على ما يرام ، باستثناء الجعّة ، إذ لا يوجد حبة شعير واحدة في العنبر ، ما عدا الكيس الذي أهداه ريوسر الكاهن إلى الجوق الموسيقي الراقص الذي قام بالولادة .
سمحت ريديدت للخادمة باستخدام الشعير الذي في الكيس ، على أن تملأه بحبوب جديدة قبل عودتهم في المرة القادمة .
عندما ذهبت الخادمة إلى الغرفة ، سمعت أصوات موسيقى صاخبة ورقص وهرج ، ولم تكن تعرف مصدر تلك الأصوات . جرت الخادمة بسرعة وأخبرت سيدتها عمّا سمعته ، وعلى الفور، ذهبت السيدة إلى الغرفة ، عند ذلك ، اكتشفت بأن تلك الأصوات قادمة من كيس الحبوب ، و أن ثلاثة تيجان ملكيّة في داخلها تعود لصغارها المولودين .
شعرت ريديدت بسعادة غامرة وشكرت الإله رَعْ على الحظ السعيد . وبعد انقضاء النهار ، قصّت ريديدت على زوجها عن الذي حصل بالتمام ، ثم أقفلت على الكيس في مكان آمن من المنزل ، خشية أن يعرف الملك خوفو عن ابنائها الملوك ، عندئذ لن يكون مطمئنّاً .
بعد بضعة أيام ، حصلت مشادّة كلامية بين ريديدت و خادمتها ، وعندما نهرتها ، غضبت الفتاة وغادرت المنزل بعد أن رفعت صوتها على سيدتها وهددتها بأنها سوف تذهب إلى الملك وتخبره عن قصة الكيس . و في طريقها عرّجت على منزل حيث يعمل شقيقها خادماً في درس الكتّان . فسألها عن سبب تركها المنزل الذي تعمل به وهي بهذا الحال ، فأخبرته قصتها . غضب عليها بسبب طريقة تعاملها مع سيدتها وخيانة ثقتها ، فضربها بسوط من الكتّان . خرجت الفتاة من عنده مسرعة وهي تبكي وتولول ، وعندما شعرت بالعطش اتجهت إلى بركة الماء القريبة لتروي ظمأها ، ولكن التمساح الجائع كان بانتظارها فالتهمها .
ذهب شقيقها إلى ريديدت كي يعتذر لها عن سوء تصرف شقيقته معها ، وسألها عن الذي حصل بينهما ، فأخبرته القصّة بأكملها ، وهي الآن خائفة من أن تبوح شقيقته بالأمر إلى الملك خوفو ، وبالتالي ينفضح أمرها ، والعواقب قد تكون وخيمة على العائلة بأجمعها . لكنّ شقيق الخادمة أخبرها بأن لا تقلق ، و كل شيء سيكون على ما يرام لأن شقيقته قد أكلها التمساح .. وعند هذه العبارة تنتهي الحكاية .
كان يُعتقد في الأصل أن المخطوطة قد تعرضت للتلف بعد هذا المشهد ، حيث أن اللفيفة تنقسم إلى أقسام ، ومثلما كانت البداية مفقودة ، فان النهاية هي كذلك حتماً . و بالاستنتاج لعدد من علماء الآثار ( يختهايم ، فيرنر ، وليبر) ، فإن المخطوطة كاملة ، وقد انتهت عند هذا الحد باعتقادهم .
وتُختتم المخطوطة بترك القارئ كي يفهم ، بأن سرّ الأولاد الثلاثة الذين سوف يكبرون ويعيشون آمنين بحماية والديهم ، سيتولون العرش ملوكاً على مصر ، ومن خلالهم ، ستستمر الأسرة أو السلالة الخامسة في بناء مصر ومجدها الحضاري …
” النهاية ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ديفيد روزالي ـ دليل الحياة في مصر القديمة ـ مطبعة جامعة أكسفورد للنشر ـ 2007 .
ميريام يختهايم ـ الأدب المصري القديم ـ مطبعة جامعة كاليفورنيا للنشر ـ 2006 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here