كرسي الحكم وخراب البلد

كفاح محمود كريم

احتار العراقيون بين الاحتفال بسقوط نظام صدام حسين وبين إهماله على خلفية إن الإسقاط كان بيد الأمريكيين وليس العراقيين، وان ما حصل بعده كان أسوء مما مضى، كما احتار العرب في عمان والقاهرة ودمشق وبيروت والجزائر وصنعاء بين كونه قائد عروبي قدم لهم خدمات كثيرة وبين دكتاتور آذى شعبه مقابل تلك الخدمات، وبين هذا الرأي وذاك يمتد زمنا من الثامن من شباط 1963م وحتى التاسع من نيسان 2003م، تلك الحقبةٌ الزمنية ونظامها الذي لم يعرفه عرب تلك العواصم ولا كثير من الذين كانوا يهرولون وراء مزايا وامتيازات العمل معه، حقبة ضمت أحداثاً ومآسياً؛ وحروباً وعمليات إبادة غيبت مئات الآلاف من الكورد والعرب، وأوهمت الناس بمستقبلٍ زاهرٍ فإذ بهم في بحر من الظلمات، خدرت ملايين العرب بشعارات وردية وصورت لهم وطناً افتراضياً يمتدُّ من المحيط إلى الخليج، فإذ بهم أصحاب الحقبة السوداء يئدون أول وحدة بعثية قبل ولادتها بين دمشق البعثية اليسارية وبغداد البعثية اليمينية حسب تصنيفهما لبعضها الآخر.

كذابون مُتاجرون مُزايدون متلونون متأرجحون، من الكويت محافظة عراقية إلى اعتبار احتلالها خطأ قاتل، ومن العدو الفارسي الصفوي إلى الجارة العزيزة ايران وأثمانها على عشرات الطائرات العراقية، منافقون ومراوؤن، في الصباح مع السوفييت والسهرة مع الأمريكيين، لا عهد لهم ولا وعد، اتفقوا مع الكورد وخانوهم، ومع الشيوعيين فأبادوهم، ومع القوميين العرب والمستقلين فأذابوهم في بوتقتهم.

قتلوا الرضع والأطفال والنساء والرجال، ودفنوا ألاف مؤلفة وهم أحياء، عبثوا بمفاتيح الغرائز واستعبدوا البشر بإيديولوجية مقيتة، إنها حِقبة لا ينافسها في التردي والسوء إلا من جاء بعدها من الفاسدين واللصوص والقتلة الأوغاد الذين حولوا العراق إلى افشل دولة في العالم، إنهم عصابة حكمت حقبة ملوثة أرادوا فيها أن يحولوا العراق إلى قرية وعشيرة وليس وطنا وشعبا، تارة باسم العروبة وأخرى باسم الاشتراكية وثالثة باسم الحملة الإيمانية، فرضوا الحزب على الجميع دونما استثناء من تلاميذ الابتدائيات

وحتى الجامعات والعساكر، فلا مدرسة ولا جامعة ولا وظيفة بدون تزكية من منظمات حزبهم، حولوا المؤسسة العسكرية والأمنية إلى ميليشيا إرهابية، فأصبح العراق برمته مجرد فرع من فروع حزبهم، باستثناء القلة القليلة التي رفضت الانتماء لهم وعاشت ضنكها بين الاستدعاء والمراقبة والحرمان والاعتقال والهجرة، بسبب رفضها الانتماء لهم أو العمل معهم لأي سبب كان، إنهم عصابة توالت على حكم البلاد وارضخت الجميع إلى قوانينها وتعليماتها، وحينما شعرت أن بعضا منها يرفض ذلك فتكت بهم شر فتكا!.

وبين الفرح بسقوطهم أو الأسى، يمتد هذا التاريخ الدموي وخلاصته؛ قسم صدام حسين الذي وعد فيه أن يجعل العراق حفنة من تراب لمن يريد إزاحته من على كرسي الحكم، وما حصل ويحصل من نيسان 2003 ولحد اليوم في عراق البعث وصدام حسين يدرك جيدا حقيقة الواجهات والعناوين التي عملت تحتها وورائها منظمات وأحزاب وحركات وشخصيات وما تزال تعمل ليل نهار في تهديم العراق وإفشال إي محاولة للخروج من نفق ذلك النظام!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here