سياسات ترامب العرجاء المثيرة للجدل

نعيش في الوقت الراهن فترةٌ متوترة في الكثير من الاحيان و نشهد جُملةً مِن المُتغيرات الاستراتيجية الدولية والإقليمية المُتسارعة التي تعصف في العالم الآن وهو على شفير نار محرقة، يجابه رئيسا خرق جميع الحصون الدبلوماسية وهدم جميع جدرانها وتراجع عن جميع القوانين الدولية هو دونالد ترامب، وقد أكد الكاتب البريطاني المشهور روبرت فيسك في مقال نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانية بعنوان “كلما زاد جنون ترامب أخذه العالم على محمل الجد “أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصرفاته العدائية والمجنونة تشكل خطرا على العالم برمته.

وفعلاً فقد اخذت المشكلات منذ زمن توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في زيادة والتعرجات الكبيرة التي احدثتها هذه السياسة القلقة المثيرة للاشمئزاز والمتسرعة والعنصرية والمبنية على استنزاف الدول الحليفة لها اقتصاديا ( تحت عنوان الحماية ) تجعل الدنيا على شفا حفرة من الحروب الخطيرة ؟وما خلقته من فجوة في النظام العالمي التقليدي و المعهود منذ أمد بعيد و أجبر كثيرا من الدول، الصديقة منها و العدوة، إلى إعادة النظر في حساباتها من جديد مغيرة بذلك استراتيجياتها بطرح سيناريوهات جديدة لتتماشى مع هذا التغيير،وقد ظهرت مجموعة امريكية أعلنت عن رفضها للسلوك السياسي المتهور لترامب ومستشاريه، مثل جيمي كيمل وجون ستيوارت وماتلاور وكونان أوبراين .. وغيرهم، مدعومين من القطاعات الإعلامية الحرة في المؤسسات الإعلامية والصحفية الممارسة لفن الخطابة والتوجيه والنقد والمتابعة لهذه التصرفات العشوائية الخاطئة .

ومن هنا تأتي العديد من التساؤلات التي تشكل مجتمعة طريقاً للدراسة والبحث من مخاطر مثل هذه التصرفات خوفاً من انفلات الامور ، و تأتي فى مقدمة هذه التساؤلات تساؤل رئيسي و هو، الى اين ذاهبة السياسة الخارجية الأمريكية فى عهد ترامب خاصة بعد ان انْهَزَمت في سورية والعِراق واليمن وأفغانستان، وسيُهزَم مَشروعها في ليبيا ايضاً وفنزويلاً وتلحقها صفقة القرن ، ومُحاوَلة بومبيو تجميل وجهها القَبيح، ورَشْ العَسَل على هذه الهزائم في محاوَلةٌ مَكشوفَةٌ ومحكومَةٌ بالفَشَل مقدمة .. والأيّام بيننا ستكشف الكثير من الامور .

الرئيس ترامب بعث برسالة واضحة مفادها أنّ سياسته في الشرق الأوسط تقوم على إحياء التحالفات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة والحدّ من خوض تجربة سنوات من سبقه مثل بوش وأوباما.” بعبارة أخرى”، إنها تتمحور حول التعامل مع العالم كما هو والسعي فقط إلى جعله أفضل كما هو يدعي ولكن البراهين تؤكد انه ذاهب الى الاسوأ والحقيقة مرة كما يقال . ولغاية الآن، يبدو أن انطلاقته في هذا المجال غير مفهومة ولا تعتمد على اسس صحيحة ومرتبكة .كما أن خطابات ترامب تتسم بنوع من عدم الوضوح وتحتوي على عدد كبير من التناقضات في المضمون في أكثر من موضع ليس هذا وحسب بل إن هناك عدداً لا بأس به من المغالطات والتناقضات في خطاباته، كما أن جانباً كبيراً منها يتسم بالحدة وذات الطبيعة الهجومية الفاحشة في عدد من القضايا غير محسوبة العواقب ، مما سببت تراجعاً في السياسة الدبلوماسية لواشنطن بشكل ملفت لأن تاريخه الطويل في التجارة و في مجال الأعمال جعلته يكون بهذه الظاهرة الغريبة على السياسة لهذا يندفع إلى تقديم المصالح على المبادئ والحدة على الدبلوماسية . وكان جلياً وواضحاً في مواقفه اثناء حملته الانتخابية ، وركز على مصالح امريكا اولاً أي أنها في المُقدَّمة على أي مبدأ. فمكنته من الربط بين مصلحة الولايات المتحدة ووقف اي توسع لدول اخرى في منطقة الشرق الاوسط كما يتعامل في ابقاء سيادة الولايات المتحدة الامريكية ، وبين مبدأ التعامل مع الإرهاب بمعيار واحد.

ان هذه السياسة جعلت النِظام الدولي يتجه صوب الانفِتاح على علاقات التأَثير المُتعدِدة، مبتنية على عزل هذه السياسة وإعادة انتشار مكوِنات قوة دولياً تعمل على استنهاض قطبية جديدة تحل محل ما هو قائم، كما أَنَّ العلاقات الدولية المُعاصِرة لم تعد علاقات بين الدول فقط وإنما أصبحت علاقات عالمية نظراً لدخول أطراف أُخرى فاعِلة في النظام الدولي مِن غير الدول المعروفة ولعل التقارب الروسي ، التركي ،الصيني ، الايراني واللقاءات المستمرة بين هذه الدول هو النموذج الاصح في البين .لقد ركز ترامب كثيراً في تصريحاته على الخطر من تعاظم النفوذ الايراني وضرورة وقفه وذلك اولا باعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران لأنه اتفاق كارثي، على حد وصفه، ولابد من إلغاء الاتفاق أو إعادة النظر فيه مرة أخرى لتعديله لأنه لا يمثل المصالح الأمريكية ويضر بأمن الكيان الاسرائيلي ومصالحها بشكل مباشر. و يجب تمزيق هذا الاتفاق .

ولم تتوقف الجمهورية الاسلامية الايرانية ساكتة ومكتوفة الايدي وجاء ردها سريعا في وقته على لسان المرشد الاعلى السيد علي الخامنئي عندما قال (عندما يمزق ترامب الاتفاق فاننا سنحرقه).وايران فرضت نفسها كقوة إقليمية لا يُستهان بها، بعد ان استغلت الظروف التي تمر بها المنطقة من فوضى وعدم استقرارخلقتها السياسة الامريكية المتهورة في ايجاد داعش والارهاب ، ومتحديةً للتوازنات الإقليمية والدولية والمصالح المتقاطعة في هذه المنطقة.وتمكنت من التخلص من العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها والتزمت بكل الشروط التي اتفقت مع المنظمة الدولية للطاقة النووية ونفذتها بكل حذافيرها بشهادة المنظمة المستمرة في بياناتها بين حين واخر ، وفتحت أبوابها للاستثمار أمام القوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة، سواء الشركات الروسية أو الصينية أو الأوروبية، وعززت إيران سياساتها وقدراتها العسكرية وأجرت اختبار صواريخ باليستية وصواريخ كروز بحرية ،كما كشفت في عام2017 عن مصنع تحت الأرض للصواريخ الباليستية كانت بنته في وقت سابق. كما أطلقت الصاروخ الباليستي «هرمز-2» ذات القدرةعلى تدمير الأهداف البحرية ، كما أطلقت 6 صواريخ أرض-أرض من نوع «ذو الفقار» متوسطة المدى من قواعدها في المنطقة الغربية ، ضد مقرات ومستودعات الأسلحة والمعدات الانتحارية والدعم اللوجستي لعصابات «داعش» بمنطقة دير الزور على الحدود السورية-العراقية وضفة نهر الفرات، كما أطلقت بنجاح قبلها في 27 يوليو 2017 صاروخًا فضائيا يحمل قمرًا صناعيا إيرانيا محلي الصنع.ومن الأمر اصبح لها مع الوقت أوراق ضغط في مواجهة الولايات المتحدة الان، فضلًا عن توسيع قدرتها الإقليمية ومد علاقاتها مع حلفائها الذين يمثلون خطرًا على مصالح الولايات المتحدة مثل حزب الله و حركات المقاومة الاسلامية المختلفة في العراق وسورية وفلسطين مثل حماس والجهاد الاسلامي والثورة اليمنية .

لا شك أن هذه التحولات قد هددت مركز الولايات المتحدة وحرمتها مع الوقت من التأثير في تفاعلات المنطقة، بل انعكست على قدراتها للتأثير في تحديد بوصلة السياسات في المنطقة ، وهو ما يعني إجمالًا إخفاقًا سياسيا كبيرًا لوشنطن . وقد كان اجتماع دول روسيا وتركيا وإيران في المباحثات في الشأن السوري لأجل مناقشتها في سبيل الوصول الى تسوية للقضية والتقاربات التي حدثت في مستوى المباحثات ومناقشة اعداد دستوربمشاركة اكثر الاطراف ضربة قاصمة لواشنطن، مع تجاهل كل دعواتها ، بل وإصرار إيران على عدم حضورها، ما ولدت جرحًا لمكانة الولايات المتحدة واستفزازًا لهيبتها دفعتها للتهور في تشديد العقوبات الاحادية الجانب التي لا يمكن ان تؤثر مادامت تفقد الشرعية الدولية إلا بشكل جزئي . ولا يمكن بعد الان لترامب للعب دور في الشرق الأوسط واستعادة الاستقرار دون مشاركة إيران التي تتابع التحركات البحرية للقوات الامريكية بكل دقة و بقدر من الحذر في الخليج الفارسي و الحوار يتم بعيداً عن المهاترات التي تطلقها بين حين واخر القيادة الامريكية وعلى لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو ودون شروط مسبقة هو مفتاح للتواصل معها . أن رجال السياسة يعرفون من ان السياسة الخارجية الأمريكية لا يحددها رئيس الدولة وحده، انما هناك مؤسسات مثل الكونجرس ومراكز اتخاذ قرار اخرى تؤثر على طبيعة العلاقات الأمريكية بالدول وترسمها . لذا فإن خيارات ترامب محدودة بالنسبة لمعالجة العلاقة مع إيران لا سيما الملف النووي الإيراني. وحتى في حال فشل ترامب في أن تكون العقوبات الاقتصادية على إيران أممية فإنه من الممكن أن ينجح في منع الشركات الأميركية من التعامل مع إيران فقط.لذا يتعين على ترامب أن يتخذ مواقف مناسبة بعيدة عن الغطرسة قبل الفشل بشكل كامل تجاه ايران لان المنطقة ستدخل في دوامة من الفوضى و انعدام الامن و امريكا سوف تكون اول المتضررين والخاسرين لا محال .و إن أحداً لا يُمكنه أن يضمن بأن يصبح المستقبل أفضل من الحاضربالعقوبات الفردية على الشعوب ، بل لا أحد يُمكنه تصوّر المآلات، والعواقب السالبة بعيدة المدى على الشرق الأوسط التي تدفع ب 60% من النفط والطاقة الى العالم وقد تبلغ اسعارها ما يقارب 300 دولار حسب رجال الاقتصاد في حالة حصول اي توتر ولا يمكن للشركات الاوروبية ان تكون متهورة في اتخاذ قرارات عدائية ضد مصالحها وسوف تعمل على حماية شركاتها

عبد الخالق الفلاح – كاتب واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here