لازالت مياه الحكم في البحرين آسنة!

ساهر عريبي
[email protected]

سادت في الأيام القليلة الماضية موجة من التفاؤل المشوب بالحذر في البحرين بقرب وصول الأزمة السياسية الأخيرة التي تعصف بالبحرين منذ أكثر من ثمان سنوات , الى نهاية المطاف. وكان مبعث هذا التفاؤل سلسلة من القرارات التي أصدرتها السلطات لمعالجة تداعيات حملتها القمعية ضد البحرانيين الذين طالبوا بالتحول الديمقراطي في البلاد.

إذكانت أبرز تلك القرارات تثبيت جنسية أكثر من 500 مواطن أسقطت المحاكم جنسيتهم بتهمة الإخلال بالأمن, وطرح مشروع لإستبدال عقوبات بعض السجناء بتقديم خدمات إجتماعية. ومما عزّز تلك الآمال هي الزيارة التي قام بها رئيس وزراء البحرين خليفة سلمان آل خليفة الى رجل الدين البارز في البحرين السيد عبدالله الغريفي القريب من المعارضة السياسية البحرانية الممثلة بجمعية الوفاق الوطني.

ومع الأخذ بنظر الإعتبار الخطاب المعتدل الذي تبناه السيد الغريفي خلال الفترة الماضية والذي يعول على فتح أبواب الحوار مع العائلة الحاكمة في البحرين, ويضاف الى ذلك تصريحات قصر الأليزيه الفرنسي حول التطرق الى موضوع الحوار والمصالحه خلال لقاء الرئيس ماكرون بملك البحرين فضلا عن تغريدة نادرة لوزير خارجية البحرين دافع فيها عن الشيعة بعد التجاوز عليهم من قبل أحد المستشارين العاملين في البحرين, فإن الآمال انتعشت بقرب التوصل الى حل للأزمة التي تعصف بالبلاد.

ومما أنعش تلك الآمال أيضا هي التصريحات التي أدلى بها احد العاملين في سفارة البحرين في المملكة المتحدة للصحفي البريطاني الشهير بل لو والتي إدعى فيها أن اجراءات أخرى ستتخذها السلطات لتحقيق انفراج في البلاد ومنها إطلاق سراح بعض المعتقلين وفي مقدمتهم الحقوقي نبيل رجب. لكل ذلك فقد تصاعدت الأصوات المطالبة للمعارضة البحرانية لتذوق كأس ماء المصالحة الذي يحمله النظام ويقدمه لها.

وقد انقسم الشارع البحراني بين من يدعو لتذوق الكأس ولربما تجرعها وإن كان طعمها فيه مرارة. فهذا القسم يأخذ معاناة المواطنين في الحسبان في ظل إكتظاظ السجون بأكثر من أربعة آلاف سجين تعاني عائلاتهم من متاعب شتى , وفي ظل الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البحرين والتي تدفع ثمنها الأغلبية الشيعية التي تعاني من الإضطهاد الطائفي والتمييز في سوق العمل بحسب آخر تقرير للجنة الامريكية للحرية الدينية الدولية. فهذا القطاع من المعارضة يتعرض الى ضغط الشارع للتوصل الى حل للخروج من الأزمة ولذا فهو يبادر الى طرق أبواب الحوار حالما يرى اي بصيص من نور.

وأما القسم الآخر فقد حكم مسبقا بان كأس النظام مليئة بالسم الزعاف متسلحا بالتجارب السابقة المريرة مع النظام طوال العقود الماضية وآخرها تجربة ميثاق العمل الوطني التي انقلبت عليها السلطات ونكثتت بالعهود التي قطعتها فيه. ولذا فإن هذا التيار لايرى بديلا لحل الأزمة غير إسقاط النظام لإعتقاده بان هذا النظام عصي على الإصلاح ولايمكن الوثوق به.

لكن هذا الخيار يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن نظرا لإفتقار هذا التيار الى استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف, لكنه يعمل بالممكن واداء التكليف تاركا أمر الإسقاط لله سبحانه وتعالى وكما حصل مع نظام صدام حسين في العراق! كما وأنه يفتقر لإستراتيجية واضحة لرفع معاناة الناس المستدامة في البحرين الناجمة عن تبني هذا الخيار ورفض الخيارات الأخرى.

ولذا فقد حاول التيار الأول أن يتذوق كأس النظام عبر حضور عدد من قادة جمعية الوفاق اللقاء الذي جمع خليفة بالغريفي, لكن خليفة أبى أن يقدم لهم الكأس الا بعد يوم من اللقاء وعبر تصريح لمكتبه وصف زيارته للسيد بالبروتوكولية وردا على زيارة خاصة للسيد في مناسبة إجتماعية. وهكذا بدا ان المياه كانت آسنة في كأس النظام لتعود لأوضاع الى المربع الأول! وليفرح أنصار الإسقاط بخيارهم, وخاصة بعد ان أصدر الزعيم الروحي لشيعة البحرين آية الله قاسم بيانا أوضح فيه بان أقل سقف لأي حوار مع السلطات هو الأخذ بماهو متعارف اليوم في الأنظمة السياسية المتقدِّمة وهو سقف عال يتجاوز معالجة تداعيات الأزمة.

لكن التيار الذي يتبنى إصلاح النظام ربح المعركة أيضا! فلقد اثبت للشارع البحراني بانه حاضر لتقديم تنازلات صعبة من أجل رفع معاناة المواطنين لكن النظام قبض يده امام يد المعارضة المبسوطه! فلايلومن احد المعارضة, بل إن النظام هو من يتحمل وبشكل كامل مسؤولية استمرار الأزمة وتداعياتها.
وتبقى أسئلة بحاجة الى جواب ! ومنها هل يعقل أن زيارة رئيس الوزراء كانت مجرد زيارة إجتماعية؟ أم انها كانت تحمل رسائل سياسية؟ وهل كانت تلك الرسائل مخادعة أم انها كانت جدّية؟ وإن كانت جدّية فهل إنها سبّبت إزعاجا لبعض أركان النظام وفي مقدمتهم ولي العهد سلمان الذي لابد له من ركوب أي موجة مصالحة وليس عمّه, مما اجبر مكتب رئيس الوزراء على إصدار بيانه الأخير؟ أسئلة ستجيب عنها الأسابيع المقبله التي ستكشف إن كانت كأس النظام سمّا زعافا ام طرحا مرّا كمايقول البحرانيون!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here