أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٥)

نـــــــــــــــزار حيدر
{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
هل يُستثنى أَحدٌ من هذه الآية؟!.
أَبداً، فكلُّ ما سخَّرهُ الله تعالى في هَذِهِ الحياة الدُّنيا إِنَّما هو مُشاعٌ لكلِّ النَّاس وفِي كلِّ مكانٍ وفِي كلِّ وقتٍ، بغضِّ النَّظر عن أَيِّ شَيْءٍ كالخلفيَّة!.
فلماذا، إِذن، يجوعُ ناسٌ ويعرى آخرون؟!.
الجواب؛ هو بسبب ظُلم النَّاس بعضهُم لبعضٍ، أَمَّا الله تعالى الخالق المُتعال فلقد سخَّر كلَّ شَيْءٍ في هذا الكونِ للنَّاسِ كافَّةً وهي تكفي لهم جميعاً إِذا أَحسنُوا التصرُّف والإِدارة والتَّوزيع وسادت العدالة وسادَ الإِنصاف في النُّظم التي تُدير ما سخَّرهُ الله تعالى لعبادهِ!.
يقول تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
إِنَّ المشكلةَ في السِّياسات الظَّالمة التي ينتهجها الإِنسان، في الإِحتكار والجشع ومُحاولات الإِثراء الفاحش على حسابِ قوتِ الآخرين، والتي تُنتج الفساد كما في قوله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
والأَسوأُ من كلِّ ذلك هو احتكار الفُرص والحيلولة دون استغلالِ الآخرين [القادرين والمتمكِّنين] لها، فكلُّ الفُرصِ تستحوذُ عليها زمرةٌ صغيرةٌ في هذا العالم أَو في البلد ولَم تترك شيئاً للآخرين، بل إِنَّها تُحاربهم لتمنعهُم من أَيَّة فرصةٍ مُمكنةٍ وعلى أَيِّ مستوىً كانت!.
فَلَو تساءلنا مثلاً؛ لماذا تتَّسِع يوماً بعد يومٍ الفجوة بين الأَغنياء والفُقراء في العراق؟! هل لأَنَّ خيرات البلاد قليلةٌ لا تكفي إِلَّا للسياسيِّين والأَحزاب الحاكِمة؟! هل لأَنَّ البلد فقيرٌ لا تكفي خيراتهُ ومواردهُ لكلِّ النَّاس؟! أَم أَنَّها تتقلَّص يوماً بعد آخر فتتَّسع الفَجوة بين الأَغنياء والفُقراء؟! أَم أَنَّ الفُرص قليلةٌ ونادرةٌ ولذلك فهي بالكادِ تسدُّ حاجة الزَّعيم وأَولادهُ وزبانيتهُ وأَبواقهُ؟!.
أَبداً؛ فليس من كلِّ ذلك شيءٌ، فالخيراتُ التي حباها الله تعالى للعراقيِّين كثيرةٌ جداً، كما أَنَّ أَموال العراق طائلةٌ والفرصَ كثيرةٌ جداً! ولقد سخَّر الله تعالى كلَّ ذَلِكَ لكلِّ العراقيِّين! لو أَحسنت الدَّولة التصرُّف والإِدارة والعدالة لعاش العراقيُّون في بحبوحةٍ وكرامةٍ وعزٍّ، لم نر طفلاً فقيراً يبحثُ عن لُقمة عيشِ أُسرتهِ في مزابلِ المدينةِ! ولما رأَينا الأَطفال من كِلا الجنسَين ينتشرُونَ في تقاطُعات الشَّوارع وفِي السَّاحات العامَّة يمدُّون أَيديهم للمارِّين بسيَّاراتهم طلباً لفلسٍ يسدًُّونَ بهِ رمقهُم!.
لو كانت الفُرص مُتاحةً للجميع بلا تمييزٍ واحتكارٍ ومُحاصصةٍ لوجدنا أَنَّ المُتفوِّقين والكفوئِين والنَّاجحين والمُتمكِّنين يملؤُون كلَّ المواقع في الدَّولة بما يُحقِّق النَّجاحات والإِنجازات المطلوبة!.
ولكلِّ ذَلِكَ أَشار وحذَّر أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فقال؛ {وَإيَّاكَ وَالاْسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ} و {أَلاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ} و {إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الاَْغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ} و {مَا رأَيتُ نِعمَةً مَوفُورةً إِلَّا وإِلى جانبِها حقٌّ مُضَيَّع} و {وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الاَْرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لاِِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ}.
عندما حاصصُوا واحتكرُوا الفُرص وتمَّ تقسيمها حسب المكوِّن والدِّين والمذهب والعشيرة والمنطقة والكُتلة والحزب والوَلاء للقائدِ الضَّرورة! إِنهارت النُّظم الإِداريَّة وخاست معايير النَّجاح وقاعدة [الرَّجُل المُناسب في المكانِ المُناسب] حتى وصلنا إِلى ما وصلنا إِليهِ وأَسوأُ!.
٩ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Twitter: @NazarHaidar2
‏Skype: nazarhaidar1
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here