تأملات في القران الكريم ح423 سورة نوح الشريفة

للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام : من كان يؤمن بالله ويقرأ كتابه لا يدع قراءة سورة إنا أرسلنا نوحا إلى قومه فأي عبد قرأها محتسبا صابرا في فريضة أو نافلة أسكنه الله مساكن الابرار واعطاه ثلاث جنان مع جنته كرامة من الله وزوجه مأتي حوراء وأربعة آلاف ثيب إن شاء الله تعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{1}
تستهل السورة الشريفة ( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً ) , تأكيد وتصديق على بعثته “ع” , ( إِلَى قَوْمِهِ ) , الجهة التي بعث لها قومه , فكل رسول يبعث الى قومه تحقيقا للحجة , ولا يمكن ان يكون حجة على غير قومه , عدا أصحاب الرسالات العامة يكونون حجة على قومهم وغيرهم , ( أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ) , وظيفته “ع” الانذار , ( مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) , يحذرهم قبل ان ينزل بهم عذاب شديد الايلام , لا يدفع الا بالإيمان .

قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ{2}
تروي الآية الكريمة على لسانه “ع” مخاطبا قومه ( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) , معرفا نفسه , مؤكدا وظيفته بالإنذار الواضح .

أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ{3}
تستمر الآية الكريمة متضمنة المبادئ الاساسية لكل الرسالات :
1- ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ) : وحدوه جل وعلا , توجهوا له وحده بالعبادة .
2- ( وَاتَّقُوهُ ) : خافوا وتجنبوا عذابه بطاعة اوامره واجتناب نواهيه جل وعلا .
3- ( وَأَطِيعُونِ ) : في ما امركم ونهاكم عنه , فطاعة الرسول والنبي من طاعة الله تعالى .

يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{4}
يستمر خطابه “ع” في الآية الكريمة موضحا مضيفا ( يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ ) , ان آمنتم , فالإسلام يجب ما قبله , لكن هناك بعض الذنوب المتعلقة بحقوق الاخرين , لا تغفر الا بإدائها الى اصحابها , ( وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) , يؤجل او يرفع العذاب عنكم الى حين انقضاء آجالكم , شريطة الايمان والطاعة , ( إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ ) , ان أجله جل وعلا لا يؤخر , فبادروا بالإيمان والطاعة وكل ما من شأنه تأخيره عنكم , ( لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) , لو كنتم تعلمون ذلك , لأمنتم وأطعتم .

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة متوجها الى الله تعالى ( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ) , أي دعواتي لهم مستمرة , في ليل او نهار .

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6}
تستمر الآية الكريمة ( فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً ) , لم يؤمنوا بي , بل زادتهم دعوتي اعراضا وبعدا عن الايمان والطاعة .

وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ) , الى الايمان , ( لِتَغْفِرَ لَهُمْ ) , ليكون سببا لنوالهم المغفرة , ( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ) , كي لا يسمعوا دعوتي , ( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) , استتروا بثيابهم , ( وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً) , اصروا على الكفر , وعزموا ان لا يسمعوا شيئا , تكبرا عن الايمان .

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة ( ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ) , دعوتهم بصوت مرتفع .

ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة مضيفا ( ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ) , أي اني دعوتهم مرارا وتكرارا , جهرا وسرا , باي صورة ممكنة .

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة مضيفا ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) , عن الكفر والعصيان , ( إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ) , انه جل وعلا كثير المغفرة للتوابين .

يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة مضيفا ( يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ) , كان قد اصابهم الجفاف , وحبس عنهم الغيث , فيظهر من كلامه “ع” ان الاستغفار موجبا لنزول الغيث .

وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً{12}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة مضيفا ان من موجبات الاستغفار ايضا بالإضافة الى الغيث :
1- ( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) : بعد نزول الغيث , تكثر الخيرات وتعم البركات , فتزداد اموالكم وتتكاثر اولادكم , مما يروى في هذا الخصوص , ان الله تعالى حبس عنهم الغيث اربعون سنة , وأعقم ارحام نساءهم , فكان هذا الكلام وعدا منه ان آمنوا ان تعود عليهم الخبرات .
2- ( وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ) : ومما يتعلق بنزول الغيث ووفرة الماء , نمو المزروعات والبساتين .
3- ( وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ) : ومما يتعلق به ايضا , تشكل الانهار التي تشربون منها انتم ومواشيكم , وكذلك تسقون منها مزروعاتكم .
يستفاد من الآية الكريمة , ان الذنوب مصدر البلاء , وان الاستغفار مفتاح الخير والبركات وخير دافع له .

مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً{13}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة موبخا لائما ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ) , لا تخافون عظمة الله جل جلاله .

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً{14}
يستمر كلامه “ع” في الآية الكريمة محققا ( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ) , فيها ننقل رأيين على اختلاف اراء المفسرين :
1- ( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ) : اختلاف الاهواء والرغبات والاذواق .
2- ( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ) : مراحل خلق الانسان , من التراب ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما , ثم خلقا اخر .
فأن في ذلك دلالة على قدرته وكمال حكمته جل وعلا .

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here