أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٠)

نـــــــــــــــزار حيدر
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.
ليسَ بالضَّرورةِ أَن يكتشفَ الرَّأي العام الحقائق المُتعلِّقة بأَمرٍ ما في نفسِ وقتِ حدوثهِ ووقوعهِ، فبعضُ الحقائق تتِّضح بسرعةٍ وبعضها بحاجةٍ إِلى وقتٍ، وبعضها الآخر بحاجةٍ إِلى عقودٍ من الزَّمن، كما هو الحالُ مثلاً مع قصَّة الإِتِّهام الخطير الذي تعرَّض لَهُ نبيَّ الله يوسف (ع) من قِبل إِمرأَة العزيز!.
ولذلك ينبغي أَن يتحلَّى صاحبُ الشأن بالصَّبر إِلى حينِ أَن يكتشفَ الرَّأي العام الحقائق، أَمَّا إِذا أَخذ الأَمرُ مِنْهُ مأخذهُ فقد يدمِّرهُ ويُنهي حياتهُ، كما يحصل لكثيرينَ عندما يتوقَّفُون عند شائِعةٍ خطيرةٍ تعرَّضوا لها أَو تُهمةٍ مدمِّرةٍ انتشرت ضدَّهم، أَمَّا يوسُف (ع) فلم ينشغلَ بكلِّ ذَلِكَ وإِنَّما انشغلَ بإِنجازِ مُهمَّاتهِ والنَّجاحات التي قادت الرَّأي العام للكشفِ عن كلِّ الحقائق التي ظلَّت غامضةً عليهِ مدَّةً طويلةً.
فما الَّذي يحدِّد الفترة الزمنيَّة التي يحتاجها الرَّأي العام ليكتشفَ حقائقَ الأُمور وخاصَّةً الغامضةَ منها؟!.
*الوَعي والبصيرة والفِهم، فالمُجتمع الواعي لا تنطلي عليهِ الحقائق إِلَّا لفترةٍ وجيزةٍ، فهو بوعيهِ وإِدراكهِ يكتشفَ الصحّ من الخطأ بسرعةٍ، أَمَّا المُجتمع الجاهل والغبي والأَحمق فتراهُ يصدِّق بكلِّ شائعةٍ بل تراهُ هو الذي ينشرَها على نطاقٍ واسعٍ حتَّى من دونِ أَن يتريَّث ويتساءل.
المُجتمعُ الجاهل هو الذي يمكِّن عدوِّهِ من نفسهِ بنشرِ الشَّائعات والأَكاذيب والإِفتراءات! فيسقِّطُ بها بعضهُ البعض الآخر! فلم يبقِ لأَحدٍ حُرمةٍ ولا لشيءٍ قيمةٍ واعتبارٍ!.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) محذِّراً {وَاللهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ ماضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ}.
ويُضيفُ (ع) {أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ، فَأَمَّا أَنَا فَوَاللهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ، وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالاَْقْدَامُ، وَيَفْعَلُ اللهُ بَعْدَ ذلِكَ مَا يَشَاءُ}.
ولذلك فإِنَّ من نِعم الله على مُجتمعٍ ما أَن يجعلهُ يفهم ليكتِشفَ الحقائق بسُرعةٍ ويحصِّن وعيهُ بالفَهم والفِطنة، كما في قولهِ تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}.
*حجم الجُهد المبذُول للكشفِ عن الحقائق، وهي الفكرة التي نستوحيها من قولِ الله عزوجل {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ}.
لا ينبغي للعاقلِ أَن يتصوَّر بأَنَّ المُجتمع يعرف كلَّ شَيْءٍ ولذلك فلا داعي للكشفِ عن الحقائق إِذا ما سعى العدوُّ مثلاً إِلى تضليلِ الرَّأي العام، أَبداً، فمِنَ الخطأ الإِعتمادِ على الوعي العامِّ فقط للكشفِ عن الحقائقِ فقد يغفلُ المُجتمعِ عن أُمورٍ وقد يُشوَّش ذهنهُ وقد تغيبُ عَنْهُ أُمورٌ، ولذلكفإِنَّ من الضَّروري جدّاً بمكانٍ أَن يبذلَ المعنيُّون جهودهُم للكشفِ عن الحقائقِ خاصَّةً في القضايا المصيريَّة التي يكتنفها الغموض أَو التي تبدو هكذا.
ويتَّسع حجم المسؤُوليَّة بهذا الصَّدد عندما يمتلك العدوّ وسائل التَّضليل التي تقلب الحقائِق في إِطارِ حربٍ نفسيَّة واسعةٍ ومتشعِّبةِ الإِتِّجاهات، فعندها يَكُونُ المُجتمع ضحيَّة التَّضليل إِذا لم يتحمَّل المعنيُّون مسؤُوليَّة الكشف عن حقائقِ الأُمور على أَكملِ وجهٍ لتنويرِ الرَّأي العام ومُساعدتهِ على الوقوفِ على حقائقِ الأُمورِ! وتلك مسأَلةٌ ترتبط بالأَمنِ القومي والسِّلم الأَهلي والمُجتمعي! فالغموض قد يجرُّ إِلى حربٍ مثلاً.
يصفُ أَميرُ المُؤمنين (ع) حال المُجتمع الذي يتعرَّض للتَّضليل بقولهِ {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
فالمُجتمعُ الجاهلُ بحقائقِ الأُمورِ الذي يُسيطرُ عليهِ التَّضليلِ يسهُل قِيادهُ من قِبَلِ الطَّاغوت والقائد الضَّرورة!.
أَلم يصف القرآن الكريم جَوهر الدَّعوة النَّبويَّة بقولهِ {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}؟!.
١٤ مايس [أَيَّار] ٢٠١٩
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Twitter: @NazarHaidar2
‏Skype: nazarhaidar1
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here