هل تندلع شرارة الحرب من العراق؟

ساهر عريبي
[email protected]

تحبس منطقة الشرق الأوسط أنفاسها منذ ان تصاعد التوتر بين بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية بعد إنسحاب الإدارة الأمريكية من الإتفاق النووي الذي وقعته دول مجموعة 5+1 مع ايران في عهد إدارة الرئيس اوباما في العام 2015, وبعد ان فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على ايران. لقد وصل التوتر الى مستويات غير طبيعة, وكما عبّر قائد الحرس الثوري الإيراني الذي اعتبر أن“ حساسية الظروف التي تمر بها إيران غير مسبوقة“ وأن أمريكا دخلت ساحة المواجهة بكل ما تملك من قوة وأن بلاده في مواجهة من العيار الثقيل مع امريكا.

فالولايات المتحدة أرسلت من جانبها حاملة الطائرات ابراهام لينكولن الى منطقة الخليج فيما حطت قاذفات B52 في قاعدة العيديد القطرية لتنضم الى الأسطول الخامس الأمريكي الذي يتخذ من البحرين مقرا له, فيما اعلنت دول الخليج اعلان إعادة إنتشار القوات الأمريكية في المنطقة في اجواء تعيد التذكير بالإستعدادات التي سبقت غزو العراق في العام 2003.

وصاحب كل ذلك سحب الولايات المتحدة لعدد كبير من منتسبيها في العراق ودخول قواتها في حالة تأهب قصوى, دخلها الجانب الإيراني هو الآخر حتى بات شبح الحرب مخيما على المنطقة أكثر من أي وقت مضى, وبإنتظار الشرارة التي تشعل فتيل مثل هذه الحرب التي لا تعرف مدى تداعياتها على المنطقة بل وعلى العالم. ومع الأخذ بعين الإعتبار أن الجانب الأمريكي هو من يلوّح بالحرب فمن المؤكد انه يبحث عن أي ذريعة لشن هذه الحرب التي تهدف بالمقام الأول الى تقليص نفوذ إيران في المنطقة على أقل التقادير إن لم تكن هناك أهداف أكبر تتعلق بالصراع الحضاري وفي احكام السيطرة على هذه المنطقة من العالم , حيث يعيش سكانها واحدة من أسوأ مقاطعهم التاريخية.

لكن الحكمة الإيرانية كفيلة بسد الذرائع على الولايات المتحدة لشن مثل هذه الحرب, فايران تمارس ومنذ زمن ليس ببعيد سياسة ضبط النفس في ساحات المواجهة وخاصة في سوريا, إذ لم تبد أي رغبة لتطوير الصراع ليتحول الى مواجهة شاملة مع اسرائيل في سوريا, بالرغم من الإعتداءات المتكررة التي نفذتها اسرائيل على الأخيرة. وتبدو الإدارة الأمريكية مدركة لهذا الواقع ولذا فإنها تعول على إرتكاب حلفاء إيران في المنطقة لحماقة تشعل نار الحرب وكما أعلنت عن ذلك بكل وضوح.

وعند النظر الى حلفاء ايران في المنطقة أو المحسوبين عليها فيبدو أن أكثر المرشحين لإشعال فتيل الحرب هم حلفاؤها في العراق! فالحليف اللبناني أي حزب الله هو الآخر يتمتع بالحكمة اللازمة لعدم الإنجرار في هذه المحرقة سواء في لبنان او سوريا. واما في اليمن فإن حركة أنصار الله (الحوثيين) وإن وضعت في الخندق الإيراني فإن مهاجمتهم لبعض الأهداف السعودية او الإماراتية في هذا الظرف الحساس, لايبدو مقنعا لشن الحرب على ايران لإن اليمن تخوض حربا مع السعودية وحلفاؤها وهي تمارس حق الرد منذ فترة طويله, سواء عبر مهاجمة الأراضي السعودية أو عبر قصفها بالصواريخ.

ومن ناحية أخرى فإن استهداف السعودية لا يعتبر استهدافا لأمريكا , إذ اعلنت الإدارة الأمريكية بانها سترد على أي استهداف لمصالحها في المنطقة سواء قواتها العسكرية او بعثاتها الدبلوماسية أو شركاتها العامله في المنطقة. ولذا فليس من المرجح ان تندلع الحرب على يد هؤلاء الحلفاء, إلا ان الخطر الأكبر يتمثل في حلفاء إيران في العراق أي الفصائل المسلّحة!

فهذه الفصائل وإن كانت إيران قادرة على ضبط ايقاع معظمها إلا ان عملا متهورا واحدا منها كاف لإشعال المنطقة. إذ تعي الولايات المتحدة بأن مصالحها قد تتعرض الى الخطر في العراق وخاصة بعد التهديدات التي تصدر بين الحين والآخر من تلك الفصائل للقوات الأمريكية في العراق والتي يبلغ تعداها 50 الف منتسب اذا ما أضيف لها الدبلوماسيون والعاملون في الشركات الأمريكية وخاصة النفطية منها. وهو مايفسر التحذيرات التي اطلقها وزير الخارجية الأمريكية جورج بومبيو خلال لقائه المفاجي برئيس الوزراء السيد عادل عبدالمهدي.

إلا انه وبالرغم من ان لهجة خطاب معظم تلك الفصائل كانت بعيدة عن التصعيد خلال الآونة الأخيرة إلا أن احتمال إقدام منتسبيها على ارتكاب عملية ضد المصالح الأمريكية في العراق تبدو عالية. ويعود ذلك أولا الى الشحن العاطفي ضد أمريكا الذي تغيب عنه لغة العقل والى صعوبة السيطرة على منتسبي هذه الفصائل فضلا عن الإختراقات التي تكفي لإشعال نار الحرب. وبالنظر الى ان الساحة العراقية لاتزال رخوة فإن أي عمل مدبر بهدف إطلاق شرارة الحرب سيتم تنفيذه بسهولة. وأما الأخطر من كل ذلك فهو بعض الجماعات المنحرفة في العراق التي تحبذ وقوع مثل هذه الحرب لإعتقاد هذه الجماعات بانها ستعجل في ظهور الإمام المهدي! ولذا فلايستبعد إرتكاب مثل هذه الجماعات لحماقة تحرق الأخضر واليابس.

إن شرارة الحرب العالمية الأولى التي كلفت العالم 16 مليون قتيل و 21 مليون جريح أطلقها شاب صربي ضائع عندما قتل ولي عهد النمسا فرانز فرديناند. فكم لدينا في العراق أمثال هذا الشاب الصربي ممن لايجيد سوى التدمير ولا يعرف عن البناء شيئا, وممن لايجيد سوى القتال الذي أصبح أحد سمات المجتمع الأساسية. واما الأمراء فهم كثر اليوم وخاصة بعد أن وضعت الولايات المتحدة كافة أفرادها في المنطقة بمصاف الأمراء محذرة من أن اي اعتداء عليهم سيواجه برد حاسم! فكيف إذا إستهدف قصر الأمراء الواقع في الخضراء! أو قاعدتهم العسكرية في عين الأسد!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here