اخلاقنا المنفتحة لمحبة الاخرين، شارة سامية !

(*) د. رضا العطار

صفاء الاخلاق تتمثل في الاخلاق المفتوحة التي تقوم على المحبة وهي صادرة عن نزوع سام نحو القيم الاخلاقية العليا، بينما تعبر الاخلاق المنغلقة عن خضوع الفرد لسيطرة الجماعة – – – الاخلاق المفتوحة تعبر عن استجابة المواطن لنداء الحياة الصاعدة، فنحن هنا بازاء اخلاق انسانية تدعونا الى تجاوز حدود الجماعة والتعلق بواجبات سامية تجهلها الاخلاق الاجتماعية السائدة، كالمحبة والتضحية وبذل الذات وما الى ذلك. وليس الفارق بين الاخلاق الاجتماعية والاخلاق الانسانية مجرد فارق في الدرجة بل هو فارق في الطبيعة اذ بينما تتجه الاخلاق الاجتماعية نحو حماية الجماعة من عدوان خارجي نجد ان الاخلاق الانسانية تنزع نحو العمل لصالح البشرية قاطبة، وتجعل مثلها الاعلى هو (المحبة) و (الكمال الخلقي).

الاخلاق المفتوحة تقوم على اكتاف عظماء البشرية من الانبياء والمصلحين وغيرهم من العباقرة الذين هم ليسوا مجرد رموز للوثبة الحياتية بل هم ايضا دعاة (المحبة) و (الايثار) ورسل القيم الروحية في كل زمان ومكان منذ حكماء اليونان وانبياء العهد القديم وغيرهم، وكل هؤلاء العباقرة هم ادواة اصطنعتها وثبتهم لتحقيق مقصدها الجديد، ألا وهو تكوين جماعات جديدة مفتوحة واقامة اخلاق دينامية تعلو فوق مستوى العمل.

وعلى حين ان الاخلاق المنغلقة لا تنتشر الا عن طريق ( الدفع من الخلف )، نجد ان الاخلاق المنفتحة تنتشر عن طريق ( الجاذبية من الامام ) لانها في صميمها اتجاه مجدد ينزع دائما نحو المستقبل، فنحن هنا بازاء اخلاق حركية مفتوحة لا تنتشر الا عن طريق محاكاة الافراد لنموذج فردي يعجبون به وينجذبون اليه، ومعنى هذا ان الاخلاق الانسانية لا تقوم الا على الاستجابة لنداء النخبة. والنخبة تؤثر على ارادتنا تاثيرا مباشرا لانه لا يخاطب منا العقل، بل هو يخاطب الحساسية كما انه لا يجتذب بالحجة بل بالقدوة.

وحينما يتحدث برجسون الفرنسي عن اولئك الابطال الذين نستجب اليهم ونعمل تحت تاثيرهم فانه لا يقول عنهم انهم (الصفوة المختارة) التي تحقق للحياة حركتها الصاعدة، بل هو ينسب اليهم ايضا قدرة خاصة على الاحساس بانفعالات جديدة لا عهد للناس بها من قبل. وهذه الانفعالات الجديدة هي الاصل في شتى ضروب الابداع سواء أكان ذلك في مجال الفن او في مجال العلم او في مجال اخر من مجالات الحضارة ابشرية.

· مقتبس من كتاب المشكلة الخلقية لمؤلفه د. زكريا ابراهيم، استاذ الفلسفة في جامعة– القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here