الديمقراطية في المدرسة والحزب

-عملت في السويد كمدرس لمادة التربية الرياضية لمدة عشرين عام ونيف تعلمت خلال هذه الفترة الكثير جدأ ليس بمجال علوم التدرس والتربية فقط وأنما الكثير من علوم الحياة ومن هذه العلوم كانت الديمقراطية كمفهوم لأدارة الحياة المهنية الى جانب الحياة الأقتصادية والسياسية بالمجتمع كيف؟

*لدينا في المدرسة لجنة أستشارية تجتمع مرتين بالفصل الدراسي(أتوقع عموم المدارس لديها نفس الأسلوب)تتكون هذه اللجنة من ممثل لكل صف دراسي ويجري أنتخاب هذا الممثل من قبل طلاب الصف لفترة معينة وبعدها يترك المجال لغيره (يعني ماكو لزگه بالكرسي).مواعيد الأجتماعات تحدد في كل فصل بمعنى عند بدء العام الدراسي تضع أدارة المدرسة جدولا لكل نشاطات واجتماعات المدرسة للفصل الدراسي قبل بدء اليوم الأول لأجل التهيئة المسبقة لكل قضية .طلاب الصف يجتمعون -بأشراف معلمة الصف لتحديد النقاط التي يريدون أثارتها بالأجتماع – قبل موعد عقد أجتماع اللجنة الأستشارية والتي ذكرت بأنها تتكون من ممثلي كل صف وأحد المدرسين من الأدارة (مديرة ،معاونة) ولدينا في المدرسة مرحلة التحضيري (بمعنى المستمعين أعمارهم ست سنوات لأن طالب الصف الأول عمره يجب أن يكون سبع سنوات )حتى هؤلاء لديهم ممثل عنهم.

*ما يطرحوه من نقاط تتعلق بأحتياجات الطلبة سواء في الساحة وقت الأستراحات (كرات لعب ،حبل ،أقواس ،أقلام رسم على الأسفلت ……الخ)أو تتعلق بأثاث المدرسة أو الطعام(تقدم وجبة غداء مجانية لعموم الطلاب حتى الأعداديات) أو أي شيء موجود بالمدرسة .بعدها يجري تدوين محضر بالأجتماع ويوزع على كل الكادر التدريسي لأجل دراسة والأخذ بما يمكن منه وحسب مسؤولية كل فرد .طبعأ الغاية من عمل هذه اللجنة أشياء كثيرة :

1-تعليم الطلاب أهمية دورهم في المدرسة على أعتبارهم جزء مهم منها.

2-تعليم الطلبة الخطوات الأولى من الديمقراطية التي تتيح لهم الحوار مع أعلى سلطة بالمدرسة (الأدارة)وعدم الخوف من البوح بأفكارهم وارائهم.

3-تعليم الطلبة أصول الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة والعاملين فيها.

4-تعليم الكادر التدريسي كيفية أحترام والأخذ بأراء أي فرد يعمل معك حتى وان كان أصغر عمرأ وتجربة منك .

5-تنشئة جيل يفكر بأن وجوده بالمجتمع له أهمية كبيرة ومن خلال الديمقراطية يستطيع المساهمة بالكثير من القضايا التي تهم حياته والمجتمع وبالتالي يشعر بقيمة وأهمية هذه الديمقراطية ويسعى ليس فقط للحفاظ عليها بل كيف يطورها بأستمرار.

*تعالوا معي الأن الى مجتمعنا العراقي ولأني لا أستطيع التحدث عن تجربة مشابهة لهذه في أية مدرسة أو مؤسسة عراقية ولكني وجدت شبيهة لها في النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي حيث نصت المادة 12 الفقرة 1 (المجلس الأستشاري) :

-يتكون المجلس الأستشاري من أعضاء اللجنة المركزية ،سكرتاري اللجان المحلية ،مسؤولي لجان الأختصاص المركزية ،وأعضاء لجنة الرقابة المركزية.

-الغريب بممثلي هذا المجلس هو خلوه من تمثيل منظمات الخارج وهنا تطرح أسئلة عديدة

-المثل أعلاه( ألمدرسة)لم يستثن أحد بالمدرسة حتى طلاب الصف التحضيري وعمرهم ست سنوات لديهم ممثل عنهم ،الأ يستحق هؤلاء الرفاق في الخارج من يمثلهم وهم باعداد غير قليلة خاصة وان بعض المنظمات في بعض الدول يفوق عدد اعضائها الكثير من عدد اعضاء بعض المحافظات ؟

-الكثير من الرفاق بالخارج لديهم من الخبرات الحزبية والمهنية والفكرية يفتقدها الكثير من كوادر واعضاء منظمات الداخل لا بل حتى البعض منهم يفوق بقدراته عدد غير قليل من قادة الحزب .

-أغلبية هؤلاء لم ينقطعوا عن العمل الحزبي وبقوا بتواصل مستمر طيلة هذه السنين وواكبوا كل التطورات التي حصلت سواء على الحزب أو عموم الحركة الشيوعية وخاصة أنهيار تجربتها الأشتراكية أو بعموم العالم عكس أغلبية رفاق الداخل .نتيجة ظروفهم الخاصة ايام الحكم الدكتاتوري أبتعدوا بشكل كامل عن مجمل هذه التطورات مما أنعكس بشكل واضح على طبيعة قدراتهم لأستيعاب الأحداث المتلاحقة فيما بعد سواء بداخل الوطن وخارجه أو على صعيد الداخل الحزبي.

– الأ يمثل عدم تمثيل جزء مهم من جسم الحزب ،تجاوزأ على الديمقراطية من حيث أهمية مشاركة الجميع في الفكر والرأي وصولأ للرأي المشترك من قبل جميع أجزاء الجسم الحزبي ؟

*ماذا يعني عدم التمثيل هذا ؟

أول الأشياء هو العودة الى المركزية الديمقراطية بقوة وحصر الأمور بيد القيادة ومن تريده .

ثاني الأشياء هو تقزيم الديمقراطية وجعلها طيعة بيد من يتحكم بالقرار الحزبي وعدم تحولها الى أسلوب ومنهج للعمل الحزبي والتربوي لعموم الرفاق بحيث أن توافقت مع ما تريده القيادة فكان بها وأن لم تكن فيجري التجاوز عليها.

ثالث الأشياء هو الخوف من الكادر القادم من الخارج (هذا لا يعني الجميع ولكن الأغلبية)وما يمثله من نوعية مميزة من الرفاق تفسر وتفهم الأمور بطريقة غير التي يدركها رفاق الداخل وبالتالي ستنعكس مشاركتهم سلبأ على ما تريده القيادة من مقررات للمجلس الأستشاري .

رابع الأشياء هو الخوف من هذا الأختلاط المستمر بين رفاق الداخل والخارج وأنعكاس ذلك على منظمات الداخل التي تعيش أغلبها بواقع الصيغ التنظيمية القديمة لفترة ستينات وسبعينات القرن الماضي ولم تتطور الى أسلوب الحداثة بالعمل الحزبي وما تتطلبه الفترة الحالية من الأنفتاح على مجمل الافكار والاراء مهما أختلفت ومحاولة التعايش مع بعض (كثيرأ ما نسمع بأن رفاق الخارج لا يدركون وضع الداخل وهم بطرانين بطلباتهم الغير مناسبة لمجتمعنا ).

*الديمقراطية كنهج للحياة الحزبية لا تكفي بقرار يكتبه على الورق رفيق أو لجنة ،بل هو سلوك وممارسة حياتية يومية يسعى الجميع وبشتى الوسائل لتطبيقه وتطويره بين فترة وأخرى لكي يواكب الفترة الحالية حيث ما يصح لهذا اليوم لا يمكن بالضرورة أن يكون صحيحأ ليوم غد و أول ما يتطلبه هو القناعة الكاملة بهذا النهج ومحاولة جعله الركن المهم لكل قرار وعمل وليس العكس حيث يجري الأهتمام بالقرار والعمل أولأ فان توافق مع النهج الديمقراطي كان بها وان لم يحصل ذلك فمن الممكن تجاوزه وبالتالي نجد أنفسنا بعد فترة من الزمن نتجاوز على هذا النهج الديمقراطي في أكثر من قرار وعمل ويصبح أسلوبنا بأدارة حياتنا الحزبية بعيدة كل البعد عن النهج الديمقراطي ولكم أمثلة كثيرة الأن فيما يتعلق بالأبتعاد عن هذا النهج في كثير من القرارات المهمة لحياة الحزب .

*اذا كانت مدرسة لم تفرط برأي طفل صغير عمره لا يتجاوز ستة أعوام الأ يدعونا هذا الى التفكير كيف نسمح لأنفسنا بتجاوز أفكار وأراء رفاق يمتلكون من التجارب والخبرالشيء الكثير ومن بعد ذلك باية طريقة نريد أن ندير حياتنا الحزبية هل بالعودة للمركزية الديمقراطية (ومن ثم دكتاتورية الفرد والمجموعة الصغيرة )التي لم تزكها الحياة أم بالولوج في رحاب الديمقراطية وعالمها الواسع والرحب والمنفتح على كل الأفكار والأراء وتقبل بعضنا البعض مثلما نتمنى وندعو أن يكون عليه شعبنا وبلدنا حيث التنوع في كل الأشياء سواء الدينية أو القومية أو المذهبية أو السياسية أسوة بشعوب ومجتمعات الدول الديمقراطية التي تعيش بسلام وأطمئنان نتيجة أحترام بعضها البعض رغم تنوعها .

مازن الحسوني 2019-5-26

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here