فنون العراق الجميلة، خصائص الموسيقى في العصر العباسي

* د. رضا العطار

في الحديث عن خصائص الموسيقى في العصر العباسي لا بد لنا من الافاضة والشرح الدقيقين. وربما لا توفرها هذه الصفحات، غير اننا سنحاول ما وسعنا الجهد والامكانية في ان نلم بموضوع الموسيقى في ذلك العهد.

من المؤكد ان الايقاعات القديمة لم تتغير عن الايقاعات التي كان معمولا بها في العصر الاموي وقد وصفت هذه الايقاعات وصفا كاملا ودقيقا في ( رسالة في اجزاء خبرية الموسيقى) للكندي المحفوظة الان في متحف برلين – – – ولعل الفرق الظاهر الوحيد في نظام الايقاعات هو استبدال الرمل الطنبوري بخفيف الخفيف وهذا يتسم بوزن امثل ويؤلف مع الصوت البشري الغنائي روحية مدهشة الجمال،

لقد تعلمت شعوب الشرق الاخرى ايقاعات العرب وان لم تاخذ هذه الشعوب ايقاع الرمل الا في عهد هارون الرشيد – – – وقد لحّن اسحاق الموصلي صوتا استرعى انتباه الامير ابراهيم بن المهدي فكتب الاخير يسال عنه، فرد عليه اسحاق بشعره وايقاعه ومجراه وبسيطه واصبعه وتجزئته واقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير ادواره واوزانه – – – وهي من وجهة النظر الموسيقية تعد عرضا رائعا لاصلاحات ذلك العصر الخصيب.

والبسيط هو من اجزاء الايقاع، ويرجع اصل الكلمة المطلقة على اجزاء اللحن او الايقاع الى (جزأ) . وهذه الكلمة ربما كان لها علاقة في اصل كلمة (جاز) الحديثة. وللمقاطع وصف مفصل في الايقاعات التي ذكرها الكندي، والادوار تبني على الجنس (التتراكورد) الاول من احد الاصابع (النغمات) والجنس الثاني من الاخر وكانوا يؤدون تغييرات السلم المسماة (طبقات) ويقول اسحاق الموصلي انه قضى عشرة اعوام في تعلمها وكانت هذه الطبقات تشبه تغيرات مفتاح الصول الحديث.

وفي بغداد تبين ان العراقيين استخدموا انواعا شبيهة بانواع الاغريق القدماء اذ كانت الوحدة التي بنيت عليها الموسيقى العربية هي الجنس (التتراكورد) وكان داخلا في امتداد اليد على العود.
ويطلق الاغريق على هذه الوحدات المختلفة الاجناس اسماء ( الدياتوني اي القوي والكروماتي اي اللون والهارموني اي التوافقي ) وعرفها العرب. كما عرفوا الوحدات المختلفة الاجناس في القرن العاشر باسم القوى والخنثوي والراسم ومن المحتمل ان العراقيين استخدموا هذه الانواع في موسيقاهم.
وكما يدلنا عليه اسحاق الموصلي ( كانت صنعته محكمة الاصول ونغمته عجيبة الترتيب وقسمته معتدلة الاوزان وكان يتصرف في جميع بسط الايقاعات، فاي بساط منها اراد ان يتغنى فيه صوتا، قصد اقوى (قوي) صوت جاء في ذلك البساط لحذاق القدماء فعارضه وقد كان يذهب مذهب الاوائل ويسلك سبيلهم ويقحم طرفهم فيبني على الرسم فيصنعه ويحتذي على المثال فيحكيه، فتاتي صنعته قوية وثيقة يجمع فيها حالتين : القوة في الطبع وسهولة المسلك وخنثا ( = خنثوي ) بين كثرة النغم وترتيبها في الصياح والاسجاع فهي بصنع الاوائل اشبه منها بصنعة المتوسطين من الطبقات. (

* مقتبس من كتاب حضارة العراق لعادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here