هل يتكرر سيناريو خليج الخنازير؟

مرتضى عبد الحميد

في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، افتعلت امريكا سنة 1961 ازمة خطيرة، سميت بأزمة الصواريخ النووية، وقامت بغزو عسكري فاشل لجزيرة “كوبا” المتحررة توا من الهيمنة الامريكية، والتي اعلنت السير في طريق الاشتراكية. وقد حبس العالم انفاسه آنذاك خوف اندلاع حرب عالمية ثالثة تكون هذه المرة نووية، ومدمرة للحضارة البشرية.

تلك الاجواء المكفهرة، تتكرر اليوم في منطقة الشرق الاوسط، على خلفية المديات الخطيرة التي بلغها التصعيد الاخير بين الولايات المتحدة وايران، مع الفارق الكبير بينهما. فلا ايران بقوة الاتحاد السوفيتي، وعدالة قضيته، ولا امريكا ترمي بكل ثقلها كما فعلت في خليج الخنازير اوائل الستينيات من القرن الماضي.

لكن المخاطر التي تتعرض لها شعوب المنطقة ما زالت كبيرة، الى الحد الذي لا يستبعد احد الصدام العسكري بين الطرفين، رغم انه ليس الارجح بين الاحتمالات العديدة لهذا العداء الطويل والصراع التناحري بينهما.

لقد تخلى الطرفان عن الاساليب البراغماتية والطرق الديبلوماسية لنزع فتيل الازمة، بعد ان كانا منشدين اليها، ومتوافقين ضمنيا في الفترات السابقة.

وأحد الاسباب الرئيسة لهذه الازمة، هو رغبة الادارة الامريكية بقيادة “ترامب” في الهيمنة المطلقة على قلب العالم النفطي ومركز التصدير فيه، وما اقترن بها من جهود محمومة لإقامة تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي، او ما عرف اعلاميا بالناتو العربي، حيث وجدت استجابة ربما لم تكن تتوقعها بهذه السرعة والحماس من بعض الدول العربية، بذريعة تقديم الدعم والاسناد للشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه المسلوبة في اقامته دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس. وحقيقة الامر ان هذه

الدول ساهمت وتساهم بفعالية في ما يعرف بـ “صفقة القرن” وعرابها “ترامب” والهادفة اصلا الى انهاء القضية الفلسطينية.

ولضمان نجاح هذا المخطط الجهنمي، عمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة الى تحويل الصراع العربي التحرري ضد اسرائيل الى صراع ضد ايران، التي يرون فيها المنافس الاكثر قدرة للهيمنة على دول المنطقة والاستحواذ على خيراتها.

ما يهمنا كعراقيين، تجنيب بلدنا الذي ذاق الامرين من حروب “صدام حسين” والاحتلال الامريكي، حربا جديدة اذا ما اندلعت، فسيكون العراق ساحتها الرئيسة، لان الطرفين يمتلكان نفوذا سياسيا واقتصاديا وعسكريا كبيرا فيه، ويجيدان لعبة الحرب بالوكالة.

والطريقة المثلى لدرء الخطر عن عراقنا، هي التمسك بسياسة النأي عن الانحياز لاي طرف منهما، مهما كانت الضغوط المسلطة على الحكومة العراقية والقوى المتنفذة، سواء من قبلهما مباشرة، او من حلفائهما، والنظر الى العلاقة معهما بمنظار المصلحة الوطنية العراقية. شريطة ان تكون عدسات المنظار لامعة، لا تلوثها اية شوائب، مع مواصلة الجهود الطيبة لترطيب الاجواء بين الدولتين، حتى وان كانت بصيغة ساعي بريد لا وسيط.

ولا تستطيع الحكومة ان تلعب هذا الدور بكفاءة ومقدرة، الا اذا حظيت بدعم سياسي وجماهيري من الشعب العراقي، وهو ما يمكنها الحصول عليه بسهولة اذا استطاعت تقديم انجازات ملموسة على صعيد الخدمات ومكافحة الفساد، والبدء باصلاح العملية السياسية، بدلا من المراوحة في منطقة رمادية سداها ولحمتها الوعود المعسولة التي شبع المواطن منها، وباتت تصيبه بالغثيان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here