البيئة العقلية العربية الغائبة!!

المقصود بالبيئة العقلية توفر الظروف المساهمة في رعاية الإبداعات العقلية الحرة بأنواعها ومنحها الفرصة للتفاعل والعطاء الأصيل.

هذه البيئة الصالحة للإبداع والإبتكار والإختراع والإنتاج المتجدد لا وجود لها في معظم الدول العربية , وهي السبب الأساسي في هجرة العقول وترعرعها في المجتمعات التي توفر لها البيئة الصالحة للنماء.

فالمجتمعات المتقدمة كافة حققت تقدمها وإنجازاتها المعاصرة بتوفيرها البيئة العقلية الصالحة لعقول مواطنيها , وللعقول الوافدة إليها وفيها طاقات وقدرات الإبداع , كما هو الحال في الدول الكبرى المهيمنة على مصير الدنيا , والتي فيها عقول من كافة المجتمعات البشرية متفاعلة وعاملة في بيئة حاضنة ومؤهِّلة لقدراتها , وما فيها من طاقات خلق وإبتكار وإختراع.

فلو ذهبتم إلى أي مؤسسة في هذه البيئات لوجدتم فيها عقول الدنيا بأجمعها متفاعلة , وعاملة لبناء المستقبل وإستحضاره في ميادين بحثها ودراستها ومحاوراتها , وستجدون في معظمها عقول عربية مشاركة ومتميزة.

فالتقدم الحضاري المعاصر عولمي الطباع والخصائص , ويعتمد على توفر البيئة العقلية الملائمة للإبداع والإبتكار , وما يحصل في العالم من تطورات متجددة هو من إعمال وتفاعل عقول إنسانية متنوعة , تعطي إبداعاتها تحت راية الدولة الحاضنة لها , فما تقدمه الدول الغربية وأمريكا هو خلاصة عقول الدنيا الناشطة.

وما يميز الدول عن بعضها هو غياب أو حضور البيئة العقلية الحاضنة , فالدول العربية في معظمها خالية من هذه البيئة , وقد حاول المرحوم الدكتور أحمد زويل أن يبني بيئة علمية في مصر , وإذا تواصلت وتنامت فكرته برعاية الدولة فأن العقول المصرية ستنطلق بعطاءات متميزة , وربما ستكون حاضنة للعقول العربية وإستقطابها وتقليل النزيف العقلي العربي الدفاق.

ويعود سبب غياب البيئة العقلية الحاضنة في الدول العربية إلى عاملين مهمين هما كراسي السلطة , التي عجزت عن بناء نظام سياسي صالح للحياة الوطنية المعاصرة , والعامل الآخر هو العمائم المتاجرة بالدين , التي تحارب العقل وتستثمر بالتجهيل وإذلال العقل وتحويل البشر إلى قطيع.

هذان العاملان من أهم العوامل التي منعت العقل العربي من التعبير عن طاقاته المعرفية والعلمية والإبداعية في جميع المجالات , وهي التي شجعت على هجرته وإنطلاقه في المجتمعات الحاضنة للعقول والمستثمرة فيها.

ولهذا فالقول بأن العرب لا يشاركون في الحضارة الإنسانية المعاصرة فيه الكثير من الإجحاف والإعتداء على العرب , لأنهم في واقع الأمر يشاركون بصناعتها وتطورها في المجتمعات التي توفر البيئات الحاضنة لعقولهم.

ولو تأملتم أي مركز علمي أو نشاط إبداعي في الدنيا ستجدون حضورا للعقل العربي فيه , مما يدل على أن العرب يساهمون وبفعالية في الحضارة العالمية , فهم مبدعون في المجتمعات الغير عربية لأن العرب لا يوفرون البيئة الصالحة للعقول الحضارية الخلاقة الأصيلة العطاء.

فلا تقل أن العرب خارج الحضارة المعاصرة , وقل أن الكراسي والعمائم الفاعلة فيهم هي الخارجة عن العصر , ولا يجوز الخلط بين الحالتين , فالعرب حاضرون في الواقع الحضاري الإنساني , ولكي يستعيد العرب كرامتهم العقلية عليهم أن يتحرروا من الكراسي والعمائم المتاجرة بمصيرهم.

فهل من جرأة وإقدام على الإيمان بأن العقل هو العنوان؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here