كلش خربانه

سمير داود حنوش

اجابة سوداوية لرجل سبعيني سألته عن واقع العراق اليوم، “كلش خربانه” اجابة ملخصة لمحنة شعب لم ولن تنتهي.
نفق مظلم نحبو فيه بتعثر دون أن نرى الضوء الذي يقولون عنه أنه في نهاية النفق، حلم مزعج لا ندري متى نستيقظ منه، سنين خاوية وأيام جوفاء مرت علينا ولم يتبق من العمر أكثر من الذي مضى.
ثمان سنوات عشناها بحرب غبية صنعتها نزوة حاكم، كنا مرعوبين من رنة هاتف او طرقة باب خوفا من سماع خبر فقدان أحد ما، تجرعنا مشاهد (صور من المعركة) ونحن نرى الجثث والاشلاء المتناثرة والمشوهة التي خلقها الله في احسن تقويم.
انتهت الحرب وابتدأت صفحة تجويع شعب اختلط خبزه بالحصى ونوى التمر، شعب كان ستره الوحيد هي مفردات الحصة التموينية كانت تختبء وراء ضحكات أطفاله الآف الدموع.
ايام صعبة عاشها هذا الشعب تحت ضغط الحصار وقلة الحيلة لم يتردد في أن يبيع ابواب وشبابيك بيته لكي تدوم معه الحياة، كان يردد في سره اغنية (يمتة الفرج ياربي)، كان الصالحون منا يصبروننا بكلمات قرآنية (أن مع العسر يسرا) واستمر العسر طويلا اثنا عشر عاما حتى بانت بوادر الفرج واشرق علينا اليسر وسقط النظام وفرحنا وقالوا لنا “لقد جلبنا لكم الديمقراطية وافرحوا لقد تخلصتم من الطغاة”. كنا نظن اننا سنرتاح مع الديمقراطية لكننا كنا واهمين فهي لم تجلب لنا سوى القتل والتشريد والجوع، قصص وكوابيس عشناها ونعيشها أحياء او اموات لا فرق تحكي معاناة شعب عجز صبر أيوب عن تحمل صبره.
مأساة لا تريد أن تنتهي وليال سوداء لا تريد أن تنجلي بأنتظار الفرج من الله الذي دعوناه أن يخلصنا من الطغاة حتى ولو سلط علينا الشيطان فأستجاب الله لنا وسلط علينا الشيطان.
لم يبق لنا من العمر بقية نختتم بها حياتنا بلحظة فرح نسجلها قبل المماة.
ادركتني هذه الذكريات وتركت العجوز السبعيني يهذي بكلمات لم افهمها وأكملت طريقي بابتسامة ساخرة مخلوطة بحزن وقلت صحيح “كلش خربانه..!”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here