العراق وهذه الحرائق التخريبية

جاسم الشمري
8 يونيو 2019
تصاعدت، في ثاني أيام عيد الفطر، ألسنة اللهب لتلتهم حقولاً كاملة للحنطة في قرى غريب في ناحية العباسي في محافظة كركوك العراقية الشمالية. وهذه ليست الجريمة الأولى، فمع بشائر حصاد محاصيل الحبوب في العراق للموسم الحالي، اجتاحت الحرائق خلال الأسبوع الثالث من شهر مارس/ آذار مزارع الحنطة والشعير في محافظات ديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك، شرق العاصمة بغداد وشمالها.
أثارت الحرائق موجة غضب شعبي، لأنها مدبّرة وغريبة، ولم تقع في البلاد حوادث مماثلة إلا نادراً، ونشبت في عدة محافظات في الوقت نفسه. وتؤكد غالبية القوى والشخصيات الشعبية أنها وقعت بفعل فاعل، ذلك لأن المناخ في العراق هذه الأيام معتدل جداً، ولم تدخل البلاد بعد في موسم الصيف، المعروف بحرارته المرتفعة، ليقال إنها التي تسببت بالحرائق المدمّرة للمحاصيل الزراعية، ولجهود مئات العوائل التي كانت على وشك حصاد تلك المحاصيل.
أعلنت وزارة الزراعة العراقية، نهاية مارس/ آذار، أن “التوقعات الأولية تشير إلى زيادة كبيرة جداً في الإنتاج مقارنة بالعام الماضي وما قبله، واللذين لم يتجاوز فيهما المليونين و200 ألف طن، وأن إنتاج هذا العام سيسد الحاجة المحلية للبلاد، إذ من المتوقع أن تصل الكميات المسوقة إلى أربعة ملايين طن، لا سيما أن مساحة الأراضي المزروعة بالمحصول تجاوزت السبعة ملايين و200 ألف دونم، بعد أن تم إدخال المناطق الغربية والشمالية ضمن الخطة الزراعية للموسم الحالي”. منْ له، إذن، مصلحة في افتعال هذه الحوادث التي لا تقلّ عن ضرر الإرهاب الذي يستهدف حياة الإنسان، فيما الحرائق تستهدف قوته، وكلاهما يقودان في المحصلة إلى دمار الإنسان والوطن؟
أشارت أطراف عراقية، رسمية وشعبية، بأصابع الاتهام إلى إيران التي تعاني من حصار
“الأذرع الإيرانية في العراق هي المنفذة لهذه الحرائق” أميركي متجدّد، وترى في العراق المنفذ المنقذ لأوضاعها الاقتصادية المترنحة. وقبل أسابيع، أجرت طهران محادثات مع موسكو لشراء القمح الروسي لغرض معالجته وتجهيزه، ومن ثم بيعه إلى العراق دقيقا، في صفقة تتضمن توريد حوالي مائة ألف طن من القمح الروسي شهرياً إلى مطاحن الدقيق الإيرانية. وقد أفاد الجانب الإيراني بأن الصفقة يمكن أن تُنجز خلال شهرين، أما في الوقت الحاضر، فلم يتم الاتفاق بعد على بعض التفاصيل المالية.
وعليه، إن تم الاكتفاء الذاتي في العراق من الحبوب، وبالذات الحنطة، مع إمكانية طحنها محلياً لوجود مطاحن في غالبية المدن، فإن إيران ستكون من أكبر الخاسرين من مرحلة الاكتفاء الذاتي. ولهذا، يفيد المنطق التحليلي بأن أصابع الاتهام تذهب مباشرة إلى الطرف المستفيد من الجريمة، بحسب ما هو معروف في علم الجريمة، إيران.
كان الموقف الرسمي العراقي في التعامل مع الحرائق غريباً، لم تتّخذ أي خطوات فاعلة لإيقافها، وهي التي استمرت أكثر من أربعة أيام، وقضت على كل المحاصيل في الأراضي التي وصلت إليها. وكان يفترض بالحكومة الاستعانة بخبرات البلدان المجاورة في إخماد الحرائق، وبالذات الأردن وتركيا، لكنها لم تفعل، واكتفت بجهود الدفاع المدني العراقي البسيطة، والتي لم تتمكن من إيقاف هذه الكارثة الوطنية.
وقد دعت الجمعيات الفلاحية العراقية رئيس حكومة بغداد، عادل عبد المهدي، إلى التدخل
“أثارت الحرائق موجة غضب شعبي، لأنها مدبّرة وغريبة” وإيقاف الحرائق بحقول الحنطة والشعير في محافظة صلاح الدين، وقالت إن “هذه الحرائق المفتعلة جاءت لخلق أزمة اقتصادية وزعزعة الأمن الغذائي العراقي”.
وذكر وزير الزراعة، صالح الحسني، أن “آخر إحصائية مؤكّدة بينت أن مساحة الأراضي المتضررة من الحرائق بلغت 1185 دونما، وتتوزع على محافظات ديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك، فيما تبلغ المساحة المزروعة بالقمح أكثر من 1.250 مليون دونم”. وبعدها عَلّقت وزارة الزراعة العراقية على “النار المجهولة” متسائلة: هل هذه الحرائق متعمدة أم طبيعية؟ ثم لم تحسم الوزارة الإجابة.
خلاصة القول إن الأذرع الإيرانية في العراق هي المنفذة لهذه الحرائق، وعلى حكومة بغداد إجراء تحقيقاتٍ دقيقة في الموضوع وتعويض الفلاحين، والعمل على ضبط الأمن الداخلي الذي أثبتت الأيام السابقة أنه في مهب الريح. وجريمة محاربة الناس في قوتهم يفترض أن تحاربها الدولة. ولا يقل هؤلاء الجناة ضرراً وإرهاباً عن العصابات الإجرامية التي تحصد أرواح العراقيين وتقضّ مضاجعهم.. هل تمتلك الحكومة القدرة على محاسبتهم؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here