مقامرة الرئيس ترامب

ساهر عريبي
[email protected]

تبدو الإستراتيجية التي يراهن عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحسم الصراع مع ايران , مقامرة غير مضمونة النتائج سواء على المدى البعيد أو القصير. ويظهر ذلك من خلال التمعن في معالم هذه الإستراتيجية, فهي تعتمد على تشديد العقوبات الإقتصادية على ايران والى أقصى حد على أمل إجبار طهران على العودة الى المربع الأول الذي غادرته قبل أربع سنوات لتفاوض مرّة أخرى حول برنامجها النووي. ويصاحب على هذا التشديد بالعقوبات تلويحا بالخيار العسكري الذي يبقي ايران في حالة تأهب قصوى في ذات الوقت التي تعاني فيه من وطأة الحصار الإقتصادي الذي يهدد بتصفير صادراتها النفطية ويحد من معاملاتها المالية مع دول العالم.

لكن هذه الأدوات أي الحصار والتهديد العسكري ليس من المؤكد أن تؤتي الثمار التي يطمح الرئيس الأمريكي لقطفها, ولربما تأتي بنتائج وعلى العكس مما تشتهي سفن الإدارة الأمريكية وخاصة صقورها. فهناك عددد من المؤشرات التي تضع نجاح هذه الإستراتيجية على كف عفريت. وأولها هو الوقت! فالرئيس ترامب الذي سيعلن عن ترشحه لولاية رئاسية ثانية اواخر هذا الشهر, يبدو في سباق من الزمن لجني ثمار هذا الإستراتيجية قبل فسادها, وإلا فإنه سيقع في مرمى سهام منافسيه الجمهوريين أو خصومه الديمقراطيين, الذين سيستغلون فشله في حمل ايران على الجلوس على طاولة المفاوضات لشن حملة عليه تطيح بآماله في الجلوس في المكتب البيضاوي لأربع سنوات أخر.

وعند الأخذ بنظر الإعتبار أن الحملة الإنتخابية سيشتد اوارها طوال العام المقبل , فإن ترامب يسعى ضمن سقف زمني لا يتجاوز نهاية هذا العام لإثبات نجاح سياساته في التعاطي مع ايران ليستخدم هذا النجاح كورقة رابحة في الإنتخابات, سواء عبر تسويقه للشعب الأمريكي أو من خلال كسب ود اللوبي اليهودي صاحب النفوذ ”آيباك“.

وعند النظر الى كيفية تعاطي ايران مع العقوبات الإقتصادية السابقة التي فرضت عليها مرات عدة طوال العقود الأربعة المنصرمة, فإن إحتمال استسلامها هذه المرّة يبدو مستبعدا خلال هذه المدّة الوجيزة التي لا تتجاوز السبعة شهور وحتى نهاية العام. فهي من ناحية تمتلك أدوات مختلفة للتعامل مع هذا الحصار الغير مسبوق ومن ناحية ثانية فإن تطورات الصراع الإقتصادي الصيني الأمريكي قد تفتح ثغرة في جدار الحصار الأمريكي وبمايمكن ايران من التعايش معه وحتى نهاية الإنتخابات الأمريكية ودون أن ترفع الراية البيضاء, وبما قد يؤدي الى خسارة ترامب الإنتخابات الرئاسية.

وأما فيما يتعلق برهان ترامب على انفجار الوضع في ايران بسبب العقوبات فهو مستبعد خلال هذه المدة الوجيزة حيث تمتلك طهران القدرة على إمتصاص تأثير العقوبات والى أقصى حد ممكن يبقي إحتمال انفجار الوضع ضعيفا لا يمكن المراهنة عليه مع الأخذ بعين الإعتبار الروح الوطنية التي يتمتع بها الإيرانيون والتي تجعل حتى المعارضين يلتفون حول النظام فضلا عن أنصار النظام.

وأما الشق العسكري من الإستراتيجية فهو الآخر لايبدو أنه فاعلا, فالسياسة الإيرانية تتسم بضبط النفس وتعتمد على تفويت أي فرصة على الإدارة الأمريكية لشن حرب على طهران, مما يجعل الرهان على اشتعال الحرب ضئيلا, كما وان مجرد إبقاء ايران في حالة تأهب قصوى لن يكون عاملا يدفعها لإعادة التفاوض حول برنامجها النووي وسياساتها في المنطقة. يضاف الى ذلك أن الشروط الإثنى عشر التي وضعتها الإدارة الأمريكية كموضوعات للتفاوض مع ايران وتتمحور حول تقليص قدراتها العسكرية وتحجيم نفوذها الإقليمي, تدفع ايران الى المزيد من التشدد وعدم الرضوخ للإملاءات الأمريكية.

لقد ألقى ترامب بأهم أوراقه في هذه اللعبة التي لا خيار أمامه سوى الفوز بها او مغادرة البيت الأبيض, ومع تصاعد إحتمال فشله في تحقيق أهدافه المرجوة فهناك خيار أمامه يتمثل في المسارعة الى التفاوض مع ايران دون سقف الشروط التي وضعها والخروج باتفاق وعلى طريقة ” رابح رابح“. وبغير ذلك فإن الساحة ستصبح خالية أمام مستشاره للأمن القومي جون بولتون.

حيث سينتهز هذه الفرصة ليلقي وقبل إنتهاء اللعبة بطوق النجاة لترامب لإنقاذه من هزيمة وفشل محقّق عبر إغرائه بشن حرب على ايران حتى وإن كانت عواقبها كارثية على دول المنطقة, لكنها ستكون ممولة من بعض دول المنطقة, حيث ستجني أمريكا ثمار إعادة إعمارها وإعادة ملأ خزائن اسلحتها بصفقات هائلة تستحق لقب صفقات القرن العسكرية ليتم من خلالها تسويق صفقة القرن واحتفاظ ترامب وصهره كوشنر بمفاتيح البيت الأبيض لأربع سنوات آخر!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here