ماذا يحمل شينزو آبي في جعبته الى طهران؟

ساهر عريبي
[email protected]

يصل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الى العاصمة الإيرانية طهران, في أول زيارة يجريها مسؤول ياباني على هذا المستوى منذ إنتصار الثورة الإيرانية قبل أربعة عقود من الزمن. ومن المقرر ان يلتقي آبي خلال الزيارة بكل من رئيس الجمهورية حسن روحاني والمرشد السيد علي خامنئي خلال زيارته التي تستغرق يومين. وتكتسب هذه الزيارة أهمية كبيرة كونها تأتي في ظل توترات غير مسبوقة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط في أعقاب الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي مع ايران, وفرض عقوبات إقتصادية غير مسبوقة على الأخيرة, وتحريك الولايات المتحدة الأمريكية لقطعات عسكرية نحو المنطقة مع تصاعد لهجة التهديد والوعيد بين الطرفين الأمريكي والإيراني.

برز اسم اليابان كوسيط محتمل بين الطرفين في وقت كانت فيه الأنظار متجهة نحو سلطنة عمان للعب دور الوسيط خاصة بعد ان نجحت وساطتها سابقا في التوصل الى الإتفاق النووي الذي وقعته ايران مع مجموعة 5+1 في العام 2015 وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما طرفا فيه. لكن هذا النجاح العماني أزاح عمان من أية وساطة محتملة, لأن الرئيس الأمريكي ترامب اعرب عن سخطه على الإتفاق النووي واصفا اياه ب“الكارثي“ وهذا يعني أن وساطة عمان كانت كارثية بنظره!

كما واتجهت الأنظار نحو العراق أيضا للقيام بدور الوسيط بحكم علاقته الوثيقة بالطرفين, لكن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان عدد من المسؤولين سارعت الى نفي وجود وساطة عراقية , ويعود هذا ايضا الى عدم ثقة الأمريكان بالمسؤولين العراقيين لكونهم أكثر ميلا لايران من ميلهم لأمريكا ولأنهم في وضع لايحسدون عليه إذ يبدون غارقين في أزمات مختلفة وهم يواجهون تحديات داخلية على مختلف الصعد لايبدون قادرين على تجاوزها ولعل أهونها إكمال التشكيلة الحكومية. كما وأن أي وساطة بين طرفين محنّكين ومتشدّدين تستدعي ان تكون الحنكة السياسية للوسيط ترقى الى مستوى طرفي النزاع وخاصة عندما يبلغ النزاع أشده كما هو عليه حاليا , ويبدو أن خير من تنطبق عليه هذه الصفات المطلوبة هو الروبوت الياباني! الذي يحتفظ بعلاقات مميّزة مع الطرفين وإن كانت علاقته مع أمريكا اوثق ولأسباب كثيرة ومنها التواجد العسكري الأمريكي في اليابان.

كما وان طوكيو اعتمدت لعقود على إيران كأحد مصادرها الرئيسية للنفط, و لم تلعب أي دور سلبي في منطقة الشرق الأوسط طوال العقود الماضية مما يؤهلها للعب دور الوسيط المقبول. وفي الواقع ان اليابان سعت منذ العام الماضي وبعد اعلان الرئيس الأمريكي انسحاب بلاده من الإتفاق النووي, سعت لنزع فتيل الأزمة , إذ كان مقررا أن يزور آبي إيران في شهر يوليو من العام الماضي, لكنه ألغى برنامج الزيارة استجابة لدعوة الرئيس الأميركي لعزل إيران وتصفير صادراتها النفطية، بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مايو من العام الماضي. لكن اليابان أبلغت أبلغت إدارة ترمب حينها، بأنها لا يمكنها تخفيض واردات النفط الخام الإيرانية، بسبب التأثيرات السلبية المحتملة على اقتصادها, وكنتيجة لذلك تم إعفاؤها من العقوبات وحتى شهر نوفمبر الماضي حيث توقفت عن شراء النفط الإيراني.

غير ان الدور الياباني عاد للظهور مجددا في الأزمة الحالية بعد الدعوة التي وجهتها طوكيو لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارتها أوائل شهر مايو الماضي معلنا عزمه إجراء مشاورات مع “الدول الهامة والشركاء الهامين“ لإيران بعد إجراءات امريكا المثيرة للازمات بحسب قوله. ثم زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليابان أواخر مايو الماضي، وقال إنه منفتح على إجراء محادثات مع طهران، فيما بدا أنه ضوء أخضر لليابانيين كي يتحركوا كوسطاء مع الإيرانيين.لتعلن بعد ذلك صحيفة “ماينيتشي شيمبون” اليابانية الواسعة الانتشار بأن آبي سيبدأ وساطة بين إيران وأميركا، لدى وصوله إلى طهران اليوم, وهو الإعلان الذي لاقى ترحيبا من ايران, إذ أعرب نائب وزير الخارجية عباس عراقتشي، عن أمله بأن تخفض زيارة رئيس وزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران من حدة التوتر في المنطقة. وهنا لابد من الإشارة الى ان هذه الزيارة تأتي عقب زيارة قام بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لإيران الإثنين وعاد منها خالي الوفاض كما كشفت المتحدثة باسم ماس مرجعة ذلك الى أن المسؤول الحقيقي عن التصعيد في الخليج لم يكن جالسا على الطاولة أثناء المحادثات أي الولايات المتحدة الأمريكية.

وقبل الخوض فيما يحمل آبي في جعبته لابد من استعراض مواقف طرفي النزاع قبيل بدء الوساطة اليابانية. فعلى الجانب الأمريكي صدرت من الرئيس ترامب تصريحات متشدّدة تضمنت دعوة ضمنية لإيران للتوقف عن ترديد شعار الموت لأمريكا قائلا“ كيف يمكن توقيع الإتفاق النووي مع من يصرخ ويقول الموت لأمريكا“. كما وان الإدارة الأمريكية وعلى أعتاب الزيارة شدّدت من عقوباتها الإقتصادية لتشمل صناعة البتروكيماياويات. واما على الصعيد الإيراني فقد أعلن رئيس مجلس خبراء القيادة آية الله جنتي أن الإدارة الأمريكية تسعى لجر إيران الى طاولة المفاوضات من خلال ممارسة الضغوط الإقتصادية. وهو ما أكّد عليه سابقا المرشد الإيراني الذي أعلن أن المقاومة هي خيار إيران الأفضل من تجرع“سم المفاوضات“.

ولذا فقد وضع المسؤولون الإيرانيون شروطهم لنجاح أي وساطة يابانية إذ كشفوا بانهم سيطلبون من رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، التوسط مع واشنطن لتخفيف العقوبات الأميركية التي عصفت بقطاع النفط, معتبرين أي تيسير أميركي لصادرات إيران النفطية أنه بادرة “حسن نية” لتهدئة التوترات، مطالبين أميركا إما رفع العقوبات النفطية غير العادلة، أو تمديد الإعفاءات أو تعليق العقوبات بحسب ما نقلت وكالة رويترز.

ويتضح من هذه التصريحات ان ايران مستعدة للجلوس على مائدة التفاوض مقابل تخفيف بسيط للعقوبات وهو تمديد الإعفاءات فقط! واما الجلوس على طاولة التفاوض مع بقاء سيف العقوبات مسلطا على رقبتها فيبدو من المستحيلات. ولذا فقد بات واضحا من هذه التصريحات الإيرانية أن شينزو آبي لا يحمل في جعبته أي دواء او مسكّن للأزمة! بل إنه قدم بجعبة خاوية لا تحمل سوى رسالة من الإدارة الأمريكية فحواها الجلوس على طاولة المفاوضات دون أي شروط مسبقة! وهنا تأتي أهمية الدور الياباني لملأ تلك الجعبة!

فشينزو آبي سيلتقي المرشد الإيراني صاحب كلمة الفصل في ايران, حيث سيتلقى منه الضوء الأخضر لبدء وساطته. ومن المؤكد ان يسمع منه رفضا للتفاوض دون شروط ايرانية قد تكون التي ذكرها المسؤولون الإيرانيون اليوم, او انه سيضع سقفا آخر للشروط. فالمرشد الذي أعرب عن عدم رضاه عن المفاوضات السابقة التي توجت بتوقيع الإتفاق النووي والتي اعتبرت نصرا لبلاده, كيف يمكنه الموافقة على جلوس بلاده على طاولة مسلّط فيها سيف العقوبات عليها ولن تخرج منها الا وهي محجمة القدرات والنفوذ!

شينزو آبي الذي يأتي الى ايران خالي الوفاض لن يعود منها الا وجعبته ممتلئة بخارطة طريق ايرانية لحل الأزمة سيزوده المرشد الإيراني بخطوطها العريضة, فتلك الخارطة لم تسلمها ايران لوزير الخارجية الألماني الذي أراد استباق الوساطة اليابانية, وذلك تعبيرا عن إمتعاض ايران من الموقف الأوروبي المتماهي مع الإدارة الأمريكية. وسيبدأ العقل الياباني الجبّار حينها بفك طلاسم الخارطتين الأمريكية والإيرانية ليعثر على طريق مشترك يسير فيه السامورائي الياباني متبوعا بالكاوبوي الأمريكي وطالوت الإيراني في رحلة شاقّة, يحمل فيها شبح الحرب أمتعته استعدادا للرحيل عن منطقة لم يهاجر منها أبدا على امل العودة أليها مجدّدا في أقرب فرصة ممكنة!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here