الحرب والحوار

عدنان ابوزيد

الحرب شجاعة بجبروتها في القتل والتقويض وإلحاق أفدح الأضرار بالشعوب، فيما الحوار أكثر شجاعة منها، بإرساء السلام والبناء والحفاظ على البشرية من الهلاك.

وبين الحرب والحوار، خصلة، إذا لم تكن شعْرة، لا يقطعها الزعيم الذكي، وإنْ امتلك أسباب البأس، فيما الزعيم الطائش يقطفها ولو بأسنانه، إشباعا لرغباته في سفك الدماء، وتعبيرا عن الاختلال في بنيته الفكرية وأدواته السياسية.

وعبر التاريخ، حين تحلّ الحرب محل التشاور، تنتهي المعادلة الى نتائج سلبية، أبرزها الندم وعدم الاحتكام الى العقل، لكن

حين يكون السيف قد سبق العذل، ولات حين مناص.

يقول انيس منصور وهو على حق: “كما أن الحرب لا تبدأ عند بدايتها إنما قبل ذلك بكثير، فإن الحرب لا تنتهي عند نهايتها إنما بعد ذلّ بكثير أيضا”.

وحتى الظافر في الحرب، خاسر، يشعر بالخزي، حين ينظر الى أفق بلاد مهدمة، وبنية تحتية منهارة، وآلاف الايتام والمشردين، والمهجرين.

والمشكلة في خيار الحرب، انه مفتوح وسالك، وحين يصبح عقيدة، فهذا يعني تحول كل أزمة او خلاف سياسي الى اشتباك.

النزاع على الحدود، هو مشروع حرب.

والصراع حول آبار البترول في الشرق الأوسط، مشروع حرب.

والخلاف على مصادر المياه بين وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا والأردن، مشروع حرب.

العلاقات التجارية بين أمريكا والصين، مشروع قتال..

النزاع على الأرض بين العرب وإسرائيل، مشروع حرب..

الخلافات العقائدية والدينية، مشروع سفك دماء..

تقاسم مياه النيل مع دول الحوض وأثيويبا، مشروع يمكن ان يقتل الآلاف..

الخلافات حول الصواريخ والترسانة الذرية بين روسيا وامريكا، مشروع إبادة شاملة.

الاتفاق النووي وتداعياته بين أمريكا وإيران، مشروع انهيار أمم.

لكن كل هذه الاحتمالات تسقط، اذا ما حرصت الشعوب وزعاماتها على الانسان والحياة.

وكلها تتداعى حين يحرص الزعيم على أنْ لا يصغر حجم رغيف الخبر، وأنْ تكون مقاعد المدارس كافية للطلاب،

والمستشفيات توفر الخدمة الصحية للمواطن، والفرد في المجتمع يجد العمل المناسب، وينام هانئا مطمئنا.

الاغرب من ذلك انّ الذين يختارون الحرب، نسوا او تناسوا إنّ نهايتها حوار، لكن بعد خراب وخسائر باهظة في البشر والحجر، فلماذا لم يكن هو الخيار الأول الذي يسبق الرصاص.

سنوات من الحرب، دمّرت سوريا، وفي النهاية لابد من الحوار.

الحرب الأهلية اللبنانية حصدت الآلاف من البشر، وفي النهاية كان الحسم على طاولة المحادثات..

الحرب العالمية الأولى، ( 1914- 1918 ) قتلت أكثر من 70 مليون انسان، وفي النهاية، كان لابد من

الحوار عبر معاهدة فرساي.

الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945) الحرب الأوسع في التاريخ، شارك فيها أكثر من 100 مليون شخص، وأودت بحياة نحو مليون شخص، وشهدت القاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي، في اليابان، وفي النهاية، كان الحوار بين منتصر خاسر، وخاسر منهار.

الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 1988-)، كلّفت العراق وايران ملايين الضحايا، ومئات المليارات من الدولارات، حتى اضطر الجانبان الى الحوار، الذي وجد طاولة له بعد فوات الأوان.

ولا أحدثك عن الحروب الاهلية بين أبناء البلد الواحد، مثل الحرب الأهلية الأمريكية، وسنوات الحرب الطائفية في العراق.

ولن أحدثكم عن حروب الوكالة في فيتنام والكوريتين، حين تتحول الشعوب المسالمة الى حطب نار الصراع بين القوى الكبرى.

العراقيون الذين كانوا ضحايا حروب متعددة، بأسبابها المختلفة، يدركون جيدا، اكثر من غيرهم، جدوى الحوار، الذي

وإنْ طال، وتشعّب، واستنزف الجهد والوقت، فانه أفضل مليون مرة من لحظة يتغلّب فيها الطيش على الحكمة، لتنطلق رصاصات حرب، يتحكم المتصارعون في بداياتها، لكنهم يعجزون عن وضع نهاية لها، وهي نهاية تفضي مهما كانت

نتيجتها الى حوار، لكن بعد دمار وموت.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here