المأزق التركي في المعترك السوري

انغمست الكثير من البلدان البعيدة او القريبة في المستنقع السوري حد الغوص فيه و مدت الكثير من تلك الدول الفصائل المسلحة السورية المعارضة بكل انواع الدعم المالي و البشري و الأعلامي حتى اصبح لتلك الدول فصائل مسلحة تتبع لها و تأتمر بأوامر قادتها من الملوك و الأمراء و الرؤساء و كانت تلك الفصائل تعلن ذلك صراحة و دون خفية او سرية او حتى خوف او وجل من أحد فكانت ( تركيا ) تملك اكثر من فصيل و ان كان ( الحزب التركمنستاني المتطرف ) و الوية ( نور الدين زنكي ) من ابرزها و كذلك كان للسعودية فصيل متمرس بالقتال و محارب قوي هو ( جيش الأسلام ) ذو النفوذ الذي لا يستهان به و الهيمنة الواسعة بالمناطق المحيطة بالعاصمة السورية ( دمشق ) و كذلك أمتلكت ( قطر ) فصيل مدجج بالسلاح و المال و بوق قناة ( الجزيرة ) الأعلامي الواسع الأنتشار و كان ذلك الفصيل يسمى ( احرار الشام ) .

حين استعادت قوات الحكومة السورية المدعومة و بشكل مباشر و قوي من القوات الروسية و القوات الحليفة الأخرى زمام المبادرة و ارادة الهجوم المتقدم و حين استبسلت و استماتت القوات الروسية في الدفاع عن الحليف السوري و آخر المعاقل و مناطق النفوذ الروسية ( الأتحاد السوفييتي السابق ) بعد الخسارة الفادحة للحليف العراقي ( نظام صدام حسين ) و من قبله نظام الحكم في اليمن الجنوبي الذي انسلخ من المعسكر الأشتراكي بعد الوحدة اليمنية وجدت الحكومة الروسية الوريث الشرعي للأتحاد السوفييتي السابق في انه لم يتبق لها من موطئ قدم على الشواطئ الدافئة سوى ( سوريا ) الحليف التقليدي و التأريخي للأتحاد السوفييتي السابق و من ثم روسيا الأتحادية اللأحق .

بعد ان ايقن الجميع المشاركين بالحرب السورية و الداعمين لقوى المعارضة المسلحة ان لا امكانية متاحة في اسقاط النظام السوري و احلال قادة تلك الفصائل المسلحة بديلآ عنه في نظام موال وتابع لتلك الدول الداعمة كان قرار الأنسحاب من الساحة السورية تحت مقولة ( مجبر أخاك لا بطل ) و هكذا جاءت الأوامر و الأشارات لتلك الفصائل بضرورة الأنسحاب و اخلاء مواقعها لصالح قوات الحكومة السورية و قد تم ذلك بشكل يشبه و الى حد كبير الهزيمة العسكرية لكن دون معارك حربية اذ فضلت تلك الفصائل الأنسحاب الطوعي نحو الشمال السوري حيث تجمعت هناك في محافظة سورية واحدة ( أدلب ) و نفضت كل من السعودية و قطر ايديهما من تلك الحركات المعارضة و برئت ساحتيهما من الدم السوري المراق و لو الى حين يوم الحساب القادم .

اذا كان اندحار الدور السعودي و القطري في سوريا و تخلصهما من ذلك الأرث الدموي سوف يؤجل وقت الحساب و العقاب لكن لا يلغيه بأي حال من الأحوال فالشعوب تؤجل العتاب او العقاب لكنها لا تنسى ابدآ و اذا كانت السعودية و قطر تعولان كثيرآ على البعد الجغرافي في تجنب الأنتقام السوري القادم فأن هذا الأمر لا ينطبق تمامآ على الطرف التركي الذي أوغل في الدم السوري كثيرآ حتى لم يعد هناك من ممر او معبر آمن لعتاة القتلة و المجرمين من شذاذ الآفاق و قطاع الطرق غير ذلك الطريق السالك بسهولة الذي توفره المخابرات و الأجهزة الأمنية التركية لأؤلئك الذين لم يجدوا طريقآ ( للتوبة ) من كل تلك الآثام و الجرائم و الموبقات سوى قتل الأنسان السوري و تدمير الوطن السوري .

لطالما عانت الحكومات التركية المتعاقبة من المطالب المشروعة للشعب الكردي الذي كان ( حزب العمال الكردستاني ) يقود كفاحآ مسلحآ من اجل تحقيقها و قدم التضحيات الجسام من اجل تحقيق الأهداف المشروعة في حق تقرير المصير او على الأقل الأدارة الحكومية الذاتية و ضمان الحقوق الثقافية في التعلم و النطق باللغة الكردية في أطار الدولة التركية لكن كل ذلك لم يجد اذانآ تسمع من قبل الطغم العسكرية التي تعاقبت على حكم تركيا و كذلك الحكام الأتراك ( المدنيون ) و التي كان آخرها حكومة الأخوان المسلمين و التي يقودها ( اردوغان ) الذي جرد الحملات العسكرية و هاجم القرى الكردية لا بل عبرت قواته المدججة بالأسلحة الفتاكة الحدود السورية و العراقية في تقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني و مازال الجنود الأتراك يخوضون المعارك داخل اراضي هذين البلدين في خرق واضح و فاضح لكل المواثيق و المعاهدات و القوانين الدولية .

اعتمد ( حزب العمال الكردستاني ) في نضاله العنيد ضد الحكومات التركية على الدعم السوري الكبيرالذي كان يقدم لمقاتلي الحزب حيث كانت الأراضي السورية بمثابة الخطوط الخلفية و أماكن استراحة المقاتلين و المستشفيات التي تعالج الجرحى منهم و لم تستطع كل الحملات العسكرية من الحد من نشاط هذا الحزب الا عندما أمتنعت دمشق عن تقديم الدعم و المساعدة لذلك ليس من مصلحة ( تركيا ) توقف الحرب السورية و بالتالي تفرغ الجانب السوري مجددآ في أيقاظ الروح الثورية في نفوس المقاتلين الكرد من خلال الدعم و الأسناد و تقديم العون و المشورة و الذي سوف يشكل هاجسآ مقلقآ عند حكومة الأخوان المسلمين التركية التي كانت من أبرز العابثين بالأمن و الأستقرار السوري فأذا كان بيتك من زجاج فمن الحكمة ان لا ترمي الآخرين بالحجارة و لكن الحكام الأتراك لا يفقهون .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here