القانون والدين والعادات والتقاليد… والإنسان

د. عامر ملوكا

الإنسان هذا المخلوق الذي يعتبر أهم مخلوق على هذا الكوكب الذي اسمه الأرض اجتهد الكثير من العلماء لوصفه وتعريفه ولا يغيب عنا بأن الإنسان يشترك بالكثير من الصفات مع الحيوان طبقا لآراء علماء الاجتماع فبالإضافة إلى الإحساس والنطق والعقل والتفكير وغيرها الكثير والتي يشترك بها مع بقية الكائنات الحية، يتميز الإنسان بالحس الجمالي وتذوقه للجمال ويحاول ان يعبر عن ذاته وان يبدع ولهذا ظهرت الفنون والآداب والموسيقى. كذلك يتميز الإنسان بمحاولة فهم ما يجري حوله وفي الطبيعة محاولا تفسير ذلك وتسخير الطبيعة لخدمة رغباته ونتيجة ذلك ظهرت الأديان والفلسفة والعلوم. ونأتي إلى أهم ميزة للإنسان والتي جعلته سيدا على هذه الأرض وهي الوجدان أي ربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل وهذا الوجدان هو الذي جعل الإنسان يبني الحضارات ويتفوق على الكثير من المجتمعات الحيوانية التي قد تعمل ولديها أنظمة وقوانين منضبطة ومتطورة أكثر ولكنها لا تتطور ولا تتراكم عندها الخبرة كمجتمع النحل والنمل ولازالت الفئران تقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه أجدادهم قبل آلاف السنين ويقعون في نفس المصيدة. ولان الإنسان بدأ حياته في الكهوف منعزلاً ومعتمداً على الصيد والتقاط النباتات ولازال هناك ما يقارب الملونين من البشر يعيشون على هذه الطريقة في الحياة ثم ظهرت المجتمعات الرعوية قبل حوالي 12000 سنة واستخدم الحيوانات للأكل والنقل ثم انتقل إلى مرحلة المجتمعات الزراعية والتي بدأت قبل حوالي 8500 سنة وفي هذه المرحلة بدأ الإنسان في زراعة المساحات الواسعة وزيادة عدد الحيوانات الداجنة لتشهد هذه المجتمعات زيادة سكانية نتيجة وفرة الغذاء، ومن ثم المجتمعات الصناعية بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر والتي ظهرت في بريطانيا لتنتشر إلى كل بقاع الأرض. وأخيراً مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية القائمة على المعلوماتية وانتقال المعرفة وبيع الخدمات.

إذا الإنسان كمخلوق اجتماعي وبعد ان تعدى عدد سكان الأرض السبع مليارات إنسان احتاج إلى القوانين لتنظيم سلوكياته وعلاقته بالأخر ولأن جميع أفراد المجتمع يسعون لكي يملكوا هذا العالم فسوف تتعارض مصالحهم ويكون القانون الفيصل بينهم ويبقى هو الوسيلة المهمة في ضبط وتنظيم السلوك الاجتماعي. أما العرف والتقاليد وهي السلوكيات والعادات التي اعتاد عليها المجتمع عبر أزمنة مختلفة وتكون في الكثير من الأحيان ملزمة وهناك الكثير من الأعراف والعادات والتقاليد في مجتمعاتنا الشرقية تتعارض مع القانون والتعاليم السماوية. أما الدين وهو وضع إلهي يدعو الإنسان إلى الخير من خلال الكتب المقدسة ومع تطور المجتمعات وتطور وسائل الاتصال والتواصل والانفتاح الكبير على معظم ثقافات الشعوب فاختلفت نظرة الكثيرين إلى الدين من حيث المفهوم ومن حيث التطبيق وأصبح الإنسان يجتهد كثيرا بعد ان استقل مادياً وفكرياً، وهناك فرق كبير بين التدين الشكلي الغير واعِ والتدين الحقيقي والواعي، حيث التدين الشكلي يهتم بالأمور الظاهرية على حساب المضمون والتدين الذي يهتم بالمضمون.

والآن كيف تلعب هذه العوامل الثلاثة في تنظيم حياة المجتمع وتصون تقدمه وتطوره، ففي المجتمعات الغربية والمتطورة وعبر التجارب المريرة التي خاضتها أدى ذلك إلى التوصل إلى ان القانون يجب ان يتصدر العوامل الثلاثة من حيث تبنيه من قبل الدولة ومحاولة صيانته وتطبيقه المثالي قدر الإمكان، ومن خلال هذه الممارسة تضمن الدولة المساواة بين جميع أفراد المجتمع مهما اختلفت أعراقهم أو قدراتهم أو أشكالهم أو دياناتهم، فنلاحظ ان هذه المجتمعات استطاعت ان تحافظ على كرامة الإنسان وحقوقه وضمان مستقبله واستطاعت ان تتطور وتبني مجتمعات مدنية مرفهة وتوفر العمل والأمن والصحة والتعليم وكل مستلزمات الإنسان الحضاري الجديد ودائماً هناك تطور وتحديث للقوانين من خلال تطبيق مبدا التجربة والخطأ محاولين الاقتراب من التطبيق المثالي وهو حالة لا يمكن الوصول إليها بشكل مطلق ولا ننسى ان معظم القوانين في هذه الدول تأثرت بتعاليم الكتاب المقدس منذ نشأتها وخاصة القانون الفرنسي الذي تعتمد عليه معظم بلدان العالم كأحد المصادر المهمة للتشريع. وأما بالنسبة للأعراف والتقاليد والدين فتركتها الدولة للأفراد فهم أحرار في فهمها وتطبيقها لإنها قابلة للاجتهاد والتأويل وهكذا نجد اختلاف الآراء حول عرف أو تقليد أو اختلاف التفسير لمفهوم ديني وقد نصل إلى مفهومين متضادين لنفس العرف أو لنفس الآية. فإذا القانون هو الفيصل في هذه المجتمعات وان حصل الاجتهاد فيكون من قبل متخصصين محايدين يتميزون بالعدل ومحاولة التطبيق المثالي قدر الإمكان لمبدا العدالة والمساواة، أما مجتمعاتنا الشرقية فلديها القانون والعادات والتقاليد والدين ولكن القانون لايزال ضعيفا ليس من منطلق التشريع بل من منطلق التطبيق وهناك تداخل وتأثير كبير من قبل العاملين الأخرين على تطبيقه فقد يتغلب مفهوم عشائري على المفهوم القانوني وهكذا بالنسبة للدين والنتيجة نلاحظ ان القانون ضعيف والعادات والتقاليد والدين تتعارض في الكثير من الحالات مع تطبيق القوانين فالنتيجة هي ضعف العوامل الثلاثة وتعمل بشكل يضعف أحدها الأخر ولهذا نرى ان شعوبنا تعيش في تخبط كبير وتخلف وجهل وأزمات اقتصادية والتي تنعكس على الحياة اليومية للإنسان وقد أدت بهذه الدول والشعوب ان تتذيل قوائم الدول من ناحية التطور والتقدم والمساهمة الحضارية في البناء الحضاري للمجتمع الكوني. فمتى تستفيق مجتمعاتنا لتترك كل ما هو سيء من العادات والتقاليد، ونجعل الدين بمفهومه الواضح والبسيط بوصلة تقودنا إلى حب الآخر وتقديسه لأنه من خلق الله ونحترم ونطبق القوانين التي وجدت لخدمة الإنسان وتكون لنا ثورة يقودها دعاة الثقافة والنهضة وتسمى بالثورة العربية كما كانت الثورة الفرنسية الحد الفاصل بين الظلمة والنور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here