المعارضةُ محرّمةٌ !

ساهر عريبي
[email protected]

لم يحظ القرار الذي إتخذه تيار الحكمة العراقي بالجلوس على دكّة المعارضة وعدم المشاركة في الحكومة الحالية التي يرأسها الدكتور عادل عبدالمهدي, لم يحظ بترحيب يتناسب مع حجم هذه الخطوة التي يمكن اعتبارها تطورا في مسيرة العملية السياسية العرجاء الجارية في البلاد, بل على العكس من ذلك ووجهت هذه الخطوة بتشكيك في دوافعها ونواياها من قبل البعض وعما إذا كانت صادقة ام إنتهازية وبسخرية من البعض الآخر واستهجان من آخرين و بترحيب خجول من بعض الفرقاء. ولم يشذ عن ذلك سوى إئتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق الدكتور حيدر العبادي الذي رحّب بالخطوة , و يتجه هو الآخر نحو تبنّي خيار المعارضة.

مواقف تثير الحيرة والعجب! لإن من يؤمن بالنظام الديمقراطي ويشارك في الإنتخابات يفترض به أن يكون اول المرحبين بإعلان الحكمة, لأن المعارضة احد اهم ركائز العملية الديمقراطية ولا يمكن تصور وجود نظام حكم ديمقراطي بلا معارضة فاعلة تراقب أداء الحكومة وتحاسب مسؤوليها وتقيل وزرائها وحتى رئيسها. بل إن المعارضة في بعض الدول مثل بريطانيا تشكل حكومة ظل موازية للحكومة الفعلية , حيث يعبر وزرائها عن مواقفهم من القضايا المختلفة بل إنها تضع موازنة موازية لموازنة الحكومة! وفي بعض الأحيان تنجح هذه المعارضة ولأسباب مشروعة في اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.

ولست هنا بصدد الخوض في النوايا والدوافع التي تقف وراء هذا القرار فذلك ليس بالمهم, لأن هذه الخطوة تعتبر نقلة نوعية في مسيرة العملية السياسية المتعثرة. فهذه العملية لم تشهد جلوس تيار او حزب على مقاعد المعارضة, بل شهدت تقاسم القوى السياسية لكعكة الحكم ولم تشهد تقاسمهم لخدمة الشعب.

ولكن لابد من الإشارة إلى أن تيار الحكمة الذي كان يعرف سابقا بالمجلس الاعلى يعتبر الطيف السياسي الوحيد الذي كان يبادر دوما الى سحب ممثليه من الحكومات المتعاقبة ولم يبدي أي لهاث خلف كراسي الحكم كما يفعل آخرون. فالتيار لم يكن له أي تمثيل في حكومة المالكي الثانية بعد استقالة عادل عبدالمهدي من منصب نائب رئيس الجمهورية, كما وانه بادر الى سحب وزرائه من حكومة العبادي بعد التظاهرات التي قادتها السيد مقتدى الصدر وانتهت باقتحام المنطقة الخضراء.

ولذا فلايمكن تفسير هذا القرار إعتمادا على نظرية العامل الواحد ألا وهي عدم تولي مرشحه عبدالحسين عبطان لمنصب أمين العاصمة بالرغم من كفائته التي أثبتها خلال توليه لمنصب وزير الرياضة والشباب في الحكومة السابقة, كما ولا يمكن مقارنته بالأمناء السابقين أمثال العيساوي وعبعوب! و لم يأت القرار كردة فعل على خطاب المرجعية الأخير كما حاول البعض أن يضعه في خانة النأي بالنفس عن الحكومة في حال فشلها لأنه لم يشارك في الحكومة أصلا كي يتحمل مسؤولية فشلها! فضلا عن انه طرح خيار اللجوء الى المعارضة منذ شهر رمضان الماضي.

وعند البحث عن أسباب ردود الفعلية السلبية إزاء هذا القرار فتبدو متعدّدة وأولها أننا نعيش في منطقة لا تعرف فيها الأنظمة معنى المعارضة السياسية! فالخيارات محدودة امام القوى والأحزاب السياسية في دول المنطقة وتتمحور حول خيارين إما تأييد النظام او إختيار السجون المقابر كمكان للمعارضة! ولم يشذ عن ذلك الا بعض الدول ومنها تركيا التي توجد فيها معارضة قوية للحكومة دوما مع قمع لبعض القوى المعارضة.

إذن هي ثقافة سائدة في المنطقة ألا وهي ثقافة تحريم العمل المعارض , ولكن كيف يمكن لمثل هذه الثقافة ان تسود في العراق الذي شهد إجراء خمس إنتخابات برلمانية منذ إسقاط النظام في العام 2003, حيث تعاقب على تولي مقاليد الحكم فيه ثلاثة رؤساء جمهورية, وخمسة رؤساء وزراء, وفيه عشرات الأحزاب وآلاف منظمات المجتمع وحقوق الإنسان وعشرات الصحف والفضائيات! بلد تبلغ الفاصلة بينه وبين معظم دول المنطقة على صعيد الممارسات الديمقراطية, تبلغ بضعة سنوات ضوئية! حيث إنعدام الأحزاب او منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المعارضة في تلك البلدان ! فكيف يمكن في مثل هذا البلد عدم الترحيب بجلوس بعض القوى على مقاعد المعارضة! إذن هناك فيتو إقليمي غير معلن على وجود معارضة فاعلة في العراق خشية إنتقال هذه العدوى الى دول المنطقة!

كما وان هناك فيتو داخلي أيضا من قبل القوى التي كانت لها حصة الأسد في إدارة شؤون البلاد طوال السنوات الماضية! فهذه القوى تخشى من أن يؤدي تبلور تكتل معارض الى فتح معركة تؤدي الى كشف المستور من الفساد الذي اجتاح ولايزال يجتاح العراق وبما يؤدي في نهاية المطاف الى كشف رموز الفساد وحماتهم الإقليميين والدوليين! إن مثل هذا المعركة المتوقعة قد تؤدي الى سقوط معبد آمون فوق رؤوس كهنته فيما لو ولدت معارضة تمارس فعلا مهام المعارضة المتمثل في مراقبة الأداء الحكومي ومحاسبة المسؤولين وطرح الثقة في الوزراء بل وبرئيس الحكومة وعدم التردد في فتح ملفات الفساد وحتى المتورطين فيها من المحسوبين على هذه المعارضة. واخيرا طرح برنامجها الخاص لكيفية إدارة الدولة العراقية.

إن مثل هذه المعارضة الفاعلة ستصّب في مصلحة مسيرة التحول الديمقراطي في العراق, وأما إذا وضعت مثل هذه المعارضة سقفا لعملها وأهدافها يتمثل في السعي لإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بأي ثمن كان وإن كان غير مشروع سواء عبر استخدام المال السياسي لتوسيع قاعدتها او عبر الإستعانة بالخارج وعلى حساب سيادة البلد واستقلاليتها ومصالحها, ودون النظر الى نجاح الحكومة الحالية من عدمه, فإن مثل هذه المعارضة ستكون وبالا على البلاد وعلى العملية السياسية التي ستتراجع حينها وتنحدر حتى تسقط في الهاوية!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here