هل ستنطلي خدعة “خليج تونكين” الاميركية في بحر عمان؟

تحقيقات وتقارير
* احمد الموسوي

لم تمض الا ساعة على وقوع حادث تفجير ناقلتي النفط في بحر عمان صباح الخميس حتى سارع الرئيس الاميركي دونالد ترامب وادارته وبعض حلفائه الغربيين والاقليميين الى اتهام الجمهورية الإسلامية في ايران بالضلوع في هذا الحادث، حتى دون ان يتم اجراء تحقيق في اسباب الحادث او انتظار نتائج التحقيقات والمعلومات.

ونفت الجمهورية الإسلامية هذه الاتهامات بشدة، بل وان البحرية الايرانية سارعت لاطفاء الحرائق وانقاذ طاقمي السفينتين من الغرق ونقلهم الى الاراضي الايرانية، كما ان الخبراء الاستراتيجيين اكدوا ان لا مصلحة لايران في تنفيذ اعتداء كهذا، خاصة بالتزامن مع لقاء رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مع قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي خلال زيارته العاصمة طهران.

بعد ذلك توالت التصريحات والاتهامات هنا وهناك، لكن كان اعقلها واقربها للمنطق هي ما دعت الى انتظار نتيجة التحقيقات بالحادث.

الولايات المتحدة الاميركية نشرت مقطع فيديو يظهر قاربا يقترب من سفينة ويزيل افراد كانوا عليه جسما من على السفينة قالت انه لغم مغناطيسي وان الافراد هم من حرس الثورة الاسلامية، في حين ان الفيديو كان غير واضح ولا يظهر فيه اي شيء يدل على ان الاشخاص ايرانيين اصلا.

وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قال امس الجمعة إن مقطع الفيديو هذا لا يكفي لإثبات أن إيران تقف وراء الهجوم على ناقلتي النفط في بحر عمان.

وذكر الوزير الألماني ماس، للصحفيين خلال زيارة لأوسلو، “مقطع الفيديو لا يكفي. نستطيع أن نفهم ما يعرض بالطبع لكن بالنسبة لي هذا لا يكفي لوضع تقييم نهائي”.

ورفضت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة بشكل قاطع المزاعم الأمريكية الذي “لا أساس لها” بشأن الهجمات على ناقلتي نفط في بحر عُمان، وأنه على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة التخلي عن الدعوة للحرب وأن يوقفوا سعيهم إلى إشعال فتنة وينهوا عملياتهم وتخطيطاتهم السرية التي تهدف إلى اتهام الآخرين في المنطقة.

وزارة الخارجية الروسية اعلنت امس الجمعة أن موسكو تدعو إلى عدم إلقاء اللوم على أي طرف بسبب الحادث الذي وقع في خليج عمان حتى يتم الانتهاء من التحقيق.

وجاء في بيان لها: نحن نعتبر أنه من الضروري الامتناع عن الاستنتاجات المتسرعة، وان إلقاء اللوم على أي طرف في تورطه في هذه الحوادث حتى يتم الانتهاء من تحقيق دولي شامل وحيادي أمر غير مقبول.

وقالت الخارجية الروسية: “ندين بشدة الهجمات التي وقعت بغض النظر عمن كان وراء تنظيمها”، مضيفة ” نشعر بالقلق إزاء التوتر في خليج عمان. ونرى أدلة على توتر الوضع بشكل مصطنع… نحث جميع الأطراف على ضبط النفس”.

ودعت موسكو إلى عدم استخدام حادث ناقلات النفط المأساوية، والتي هزت سوق النفط العالمي، في خليج عُمان لتأجيج الموقف ضد إيران.

الاتحاد الأوروبي دعا جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، مؤكدا أنه يتابع الأوضاع عن قرب ويجمع المزيد من المعلومات.

وقالت المتحدثة باسم مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي مايا كوتشيناتايتس، في إحاطة إعلامية امس الجمعة: “نحن نتابع الوضع عن قرب في حادث بحر عمان، ونجمع المزيد من المعلومات، ونقيم الوضع”.

وأضافت المتحدثة: “قلنا مرارا إن المنطقة لا تحتاج إلى مزيد من التصعيد وندعو إلى ضبط النفس والهدوء”.

من جانبه حذر زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيرمي كوربين من مغبة تصعيد التوتر في منطقة الخليج الفارسي متسائلا عما إذا كانت لندن تملك أدلة تدعم اتهاماتها لطهران بالمسؤولية عن تفجير ناقلتي النفط.

وقال جيريمي كوربين إنه بدون وجود أدلة يعتد بها فيما يتعلق بالهجمات على الناقلتين فإن التصريحات الصادرة عن الحكومة لن تتسبب إلا في تصعيد خطر الحرب.

وأضاف في تغريدة له أنه يتعين على بريطانيا العمل على تهدئة التوتر في الخليج لا تأجيج تصعيد عسكري بدأ بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع ايران عام 2015.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية شككت بضلوع ايران في تفجيرات خليج عُمان.

وربطت الصحيفة في تقرير لها الأمر، بخدعة قام بها ليندون جونسون عام 1964 تُعرف باسم “خليج تونكين”، لحث الكونغرس على زيادة التدخل العسكري في فيتنام.

ونشرت الصحيفة الأمريكية تقريرا بعنوان “هل الهجوم على ناقلة النفط العمانية هو أمر مشابه لحادثة خليج تونكين؟”.

وقالت إن قواعد بيانات الإنترنت تؤكد الكثير عن الحادث، لكن إدارة ترامب لم تقدم أدلة مقنعة على ذنب إيران.

وكان هناك قدر كبير من السخرية في جميع أنحاء العالم حول المزاعم الأمريكية، بأن الهجمات على ناقلتين نفطيتين في خليج عمان يوم الخميس قامت بها إيران.

وعلى “تويتر”، انتشر مصطلح “خليج تونكين” إلى جانب “خليج عمان”.

وواقعة خليج تونكن شهدت مواجهتين منفصلتين بين شمال فيتنام والولايات المتحدة، ففي 2 آب/ أغسطس 1964، كانت المدمرة الأمريكية “يو إس إس مادوكس” تقوم بمهمة استخباراتية في خليج “تونكين”، وتتبعتها ثلاثة قوارب تابعة لشمال فيتنام، وهاجمتها بطوربيدات ونيران المدافع الرشاشة، من جانبها ردت البحرية الأمريكية بنيران كثيفة، مما أدى إلى إتلاف ثلاثة قوارب وقتل أربعة جنود فيتناميين شماليين.

ثم ادعت وكالة الأمن القومي أن حادثة ثانية وقعت في 4 آب/ أغسطس 1964، ونتيجة لهذين الحادثين، مرر الكونغرس الأمريكي قرار “خليج تونكين”، الذي منح الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون، سلطة مساعدة أي دولة في جنوب شرق آسيا تتعرض حكومتها لخطر “العدوان الشيوعي”.

لكن الأمر كان خدعة؛ حيث إنه في عام 2005 صدر تقرير من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، يفيد بأنه لم يكن هناك هجوم من فيتنام الشمالية في 4 آب/ أغسطس.

وقالت “نيويورك تايمز” بفضل الإنترنت ومجموعة المعلومات المتاحة للجمهور، أصبح تأكيد أو نفي هذا الهجوم أسهل بكثير منذ الستينيات. مسافة عدة آلاف من الأميال لا تعني الكثير اليوم.

مالك السفينة اليابانية المتضررة نفى في مؤتمر صحفي الرواية الأميركية حول الهجمات التي طالت السفينتين في خليج عمان.

وقال مالك السفينة ان “الدمار حل فوق منسوب المياه وهو ما لن يحدث جراء الطوربيدات أو الألغام المائية”.

وأضاف أن “الطاقم رأى أشياء متطايرة وكأنها رصاص متجهة نحو ناقلة النفط اليابانية”.

وكعادتها اسرعت اذناب الولايات المتحدة في المنطقة الى اتهام ايران ثم التراجع عن ذلك، كالسعودية والامارات، في تنفيذ هذا الهجوم، حتى دون انتظار نتائج التحقيقات.

ايا كان من اقدم على هذه الحماقة، فهو يعتبر جاهلا في السياسة والحسابات العسكرية والاقتصادية، فلو كان هدفه دفع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى الاعتداء على ايران، فسيتسبب ذلك الامر بخروج جميع الاطراف خاسرة من نتائج هذا الاعتداء، بما فيها الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون ودول المنطقة والكيان الاسرائيلي، وستترك آثارها الاقتصادية المدمرة على كل دول العالم، نظرا الى ان منطقة الخليج الفارسي يمر منها نحو ثلث امدادات النفط العالمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here