الرئيس المصري الأسبق يكشف خفايا غزو العراق للكويت … مبارك: أعرت طائرتي الرئاسية للشيخ زايد من أجل حمايته من صدام

كشف الرئيس المصري حسني مبارك، أسرارا وخفايا جديدة تتعلق بغزو العراق للكويت في آب عام 1990، موضحا أن ما حصل كان صادما وغير معقول، وفيما لفت إلى إعارة طائرته الرئاسية المصرية لحاكم الإمارات حينها الشيخ زايد لإنقاذه من صدام.

وقال مبارك في حوار مع جريدة “الأنباء الكويتية” تابعته “الزوراء”: إن رئيس النظام السابق صدام حسين كان حاداً في حديثه عن دول الخليج، وبالأخص الكويت والإمارات، حيث كان يريد منهم التنازل عن ديون العراق، مبينا أن صدام حشد قواته بعد ذلك على الحدود مع الكويت فقرر زيارته، في حين التقى بالأمير سعود الفيصل مبعوثاً من الملك فهد بن عبد العزيز للتشاور معه قبل لقاء صدام.
وأضاف مبارك: عندما وصلت إلى العراق جلست مع صدام، واخبرته أن أي مشكلات يمكن أن تحل بالحوار الهادئ، لافتا الى ان صدام اخبره بأنه لا ينوي الاعتداء على الكويت، لكنه طلب ألا يخبر أحداً بذلك.
وتابع مبارك بالقول: ذهبت إلى الكويت وقابلت الشيخ جابر الأحمد الصباح في المطار وأخبرته أن صدام لا ينوي القيام بأي عمل عسكري، لكن حذرته في الوقت نفسه من مراوغة صدام، وقلت له أن يأخذ احتياطاته، لافتا الى أنه ذهبت بعد ذلك إلى السعودية، وتقابلت مع الملك فهد والأمير عبد الله، واتفق معهما على دعوة العراقيين والكويتيين للقاء في السعودية، وهو ما حدث، ولكن الوفد العراقي لم يكن لديه أي تفويض بالتفاهم لحل الخلاف، وبمجرد مغادرته المملكة، دخلت القوات العراقية الكويت.

مبارك: دخول القوات العراقية للكويت شكل صدمة غير معقولة 
وتابع مبارك بالقول: عندما أبلغوني بأن القوات العراقية دخلت الكويت، كانت صدمة؛ لم أكن أتخيل أن صدام يقدم على هذا العمل، دولة عربية تعتدي وتحتل دولة عربية أخرى ذات سيادة وتضمها لها، هذا كلام غير معقول، لافتا الى ان الشيخ زايد حاكم الإمارات، كان في مصر وقتها، وعاد إلى أبوظبي بطائرة الرئاسة المصرية، لوجود مخاوف حينها من قيام صدام بمحاولة الاعتداء على طائرة الشيخ زايد.وأوضح: كان هناك تنسيق عسكري وسياسي مع الجانب الأميركي بخصوص حرب الكويت، وذلك بسبب مشاركة القوات المصرية في العملية، حيث اخبرني الرئيس الأسبق جورج بوش الأب بموعد تقريبي للهجوم، من خلال الموعد الذي سيخاطب به الشعب الأميركي للإعلان عن بدء العمليات العسكرية.

ملك الأردن الراحل التقى مبارك بعد الغزو مباشرة ناقلا رسالة من صدام 
وأوضح مبارك: أنه أُبلغ بالغزو فجر 2 آب/ أغسطس 1990، وبعد ظهر ذات اليوم زاره ملك الأردن انذاك الحسين بن طلال، مشيرا بالقول: أعلنت له رفضي التام لما حدث وأبلغته استعدادي لعمل أي شيء لحفظ ماء وجه صدام شرط انسحابه من الكويت لكن الملك أبلغني اليوم التالي رفض صدام الانسحاب، استدعيت السفير العراقي مساء يوم الغزو وطلبت منه إبلاغ صدام خطورة الموقف وأنا على استعداد للمساعدة للخروج من هذا الموقف شريطة أن يتعهد بانسحابه من الكويت، وغادر السفير ولم أتلق رداً.

الرئيس المصري الأسبق يروي حادثة “شتمه” العراق إثرها 
وتابع: دعوت لقمة عربية عاجلة 8 آب/ أغسطس وعقدت في اليوم التالي، وشهدت محاولات لإفشالها خاصة من الوفد العراقي الذي طلب عدم حضور وفد الكويت لأنهم ضموها للعراق، شيء غير معقول، ولفت مبارك بالقول، إن ارتباك الأمين العام للجامعة في حصد الأصوات بالقمة الطارئة جعلني آخذ زمام الأمور وحصل القرار على الأغلبية، وتجاوزت محاولة القذافي لإفشالها، ومزايدة البعض وفي النهاية سَبّني الوفد العراقي.
وقال مبارك: بعد موافقة مجلس الشعب أرسلت قوات مصرية للسعودية ضمن قوات التحالف لتحرير الكويت، وأرسلت لواء صاعقة للشيخ زايد لحماية آبار البترول كما طلب مني، مؤكدا أن غزو الكويت ألقى بظلاله على تردي أوضاع المنطقة إلى يومنا هذا، فالعالم العربي انقسم كما لم ينقسم من قبل، والتدخلات والأطماع الخارجية وجدتها فرصة لتحقيق مصالحها.وبخصوص الأوضاع التي سبقت الغزو، قال مبارك: قبل قمة بغداد ومع عودة العلاقات العربية فاتحني الملك حسين في فكرة إنشاء مجلس للتعاون العربي أسوة بمجلس التعاون الخليجي يضم مصر والأردن والعراق، وهو كان تكلم فيه مع صدام، وقلت له مافيش مانع نفكر فيه بالذات ان الحديث كان عن تجمع للتعاون الاقتصادي.. “وبعد شوية قالي الملك حسين ان صدام يرى ضم اليمن لهذا التجمع، فقلت له على طول خد بالك يا جلالة الملك العراق والأردن ومصر ودلوقتي اليمن ده يمكن يفسر انه ضد السعودية، لازم أطلع السعودية حتى لا يكون هناك تفسير خاطئ.. وبعد كده كلمني الملك حسين وبعده الرئيس علي عبد الله صالح ان ممكن نفكر في تعاون عسكري يتضمن تبادل للقوات يعني أبعت قوات للعراق والأردن وهما يبعتوا لي قوات عندي.. قولت له ده مرفوض.. تعاون اقتصادي آه.. عسكري لا. أولا أنا عندي معاهدة سلام مع إسرائيل والأردن معندوش.. تعاون عسكري ليه احنا حنحارب مين.. وبعدين احنا عندنا اتفاقية الدفاع العربي المشترك عشان نصد أي عدوان على الدول العربية.. احنا مش حنحارب بعض”.
وفيما يتعلق بماذا حدث عند تكوين المجلس العربي، قال مبارك: إن أول اجتماع كان في الأردن وبعدين في العراق وبعدين اليمن حسب ما أتذكر.. وبعدين لما عملنا اجتماع في الإسكندرية لقيت في محاولات تاني علشان موضوع التعاون العسكري.. ومش بس كده.. ده لقيت في اقتراح كلمني فيه علي عبدالله صالح عن دمج أجهزة المخابرات.. قولت له مستحيل وأنا أرفض أي شيء في هذا الاتجاه.وفيما إذا كان صدام تحدث معه بخصوص هذه المواضيع، أوضح مبارك: لا.. كان بيخلي الملك حسين وعلي صالح هما اللي يفتحوا معي المواضيع دي.. المهم رفضت كل ده واستمر الإطار اقتصادي.. ولكن تولدت لدي شكوك، مبينا أن أجواء القمة كانت طبيعية بشكل عام بس صدام كان حادا في حديثه عن دول الخليج، وبالذات الكويت والإمارات.. هو كان بيردد انهم لم يساعدوه بما يكفي في الحرب وكانوا بيخفضوا سعر البترول بما يضره وكان عاوزهم يتنازلوا عن الديون اللي على العراق.. صارحته ان هذا الهجوم غير مبرر ولكنه استمر في الشكوى منهم.. طبعا لم يخطر في بال أحد ان يتطور الأمر للي حصل بعد كده.. بعد القمة قلت لصدام اني معدي على حافظ الأسد عشان اطلعه بما دار ولكنه قالي مش مهم تعدي عليه.. قولت له لا حروح له احنا عايزين نلم الشمل.. وفعلا روحت لحافظ الأسد وقال لي كويس معدتش عليا قبل القمة كنت حتحرجني علشان اروح.

مبارك: ذهبت إلى الكويت وحذرت الأمير من مراوغة صدام 
وحول كيفية تطورت الأمور بعد ذلك وصولا للغزو، قال مبارك: إن صدام استمر يصعد في لهجته لحد لما جاءت معلومات مؤكدة في أواخر شهر يوليو أن العراق حشد قوات على الحدود وانها لا تبدو من حجمها وتمركزها انها قوات دفاعية.. طبعا كنت على تواصل مستمر مع دول الخليج وتحديدا السعودية والكويت والإمارات.. وقررت على الفور زيارة العراق عشان أقعد مع صدام ونهدي الأمور.. روحت العراق يوم الثلاثاء ٢٤ يوليو.. وجاني سعود الفيصل مبعوثا من الملك فهد في السادسة صباحا في المطار عشان يتشاور معي قبل لقائي مع صدام.. أقلعت في السابعة صباحا ووصلت العراق وقعدت مع صدام وطارق عزيز وآخرين حوالي 5 ساعات.. استمر في الشكوى من الكويت.. وقلت له أي مشاكل تحل بالحوار الهادئ بعيدا عن التصريحات والتراشق الإعلامي والتهديد.. وسألته تحديدا عن نيته مع تواجد قواته على حدود الكويت.. فقال لي انه لا ينوي الاعتداء على الكويت بس أضاف لا تقول لهم كده.. استغربت من كلامه ده وعاودت سؤاله عن نيته ونحن نجلس سويا بدون أعضاء الوفدين.. أكد ليه انه لن يعتدي.. فاقترحت ضرورة عقد لقاء بين العراق والكويت.. فقلت له أنا حروح الكويت والسعودية وحبلغه بمقترحات لترتيب لقاء للحوار يوم الأحد 29 يوليو في السعودية.. بعدما أقلعت في اتجاهي للكويت أُبلغت وأنا في الطيارة بتصريح صحفي من طارق عزيز بعد مغادرتي على الفور يقول فيه انهم عقدوا لقاءات مطولة معي لمناقشة العلاقات الثنائية.. الشك زاد اكثر.. ثنائية إيه؟ هو أنا جايلكم من الفجر عشان أناقش العلاقات الثنائية.. وصلت الكويت وقابلت الشيخ جابر في المطار.. وقلت له ان صدام قالي بوضوح انه مش حيقوم بأي عمل عسكري.. بس قولت للشيخ جابر ايضا انه لازم تأخذ احتياطات لأن صدام مراوغ.. وقلت له أنا على استعداد أبعت اي مساعدات دفاعية تطلبها الكويت.. وفي نفس الوقت قلت له أنا طالع على السعودية عشان أتشاور مع الملك فهد على عقد لقاء يجمع الكويت والعراق والسعودية لتهدئة الأمور .. واقترحت للشيخ جابر أن يحضر ولي العهد الشيخ سعد هذا اللقاء.
وقال مبارك: أنا أبلغت الشيخ جابر بما تعهد به صدام لي.. لكن في نفس الوقت حذرته من مراوغته وانه ذكر لي ألا أبلغ الكويت بما تعهد به لي.. كان لدي شكوك وعشان كده قلت للشيخ جابر يأخذ احتياطاته وأنا مستعد أبعت له أي مساعدة أو احتياجات دفاعية، تقابلت مع الملك فهد والأمير عبدالله.. واتفقت معهم على أهمية الدعوة للقاء يضم العراقيين والكويتيين في السعودية يوم الأحد 29 يوليو.. وبالفعل دعاهم الأمير عبدالله لاجتماع في جدة يوم الأحد 29 يوليو.. ولكن الوفد العراقي قرر أن يحضر يوم الثلاثاء 31 يوليو.. وحضر الأمير عبدالله معهم العشاء قبل الاجتماعات.. ورأس الوفد الكويتي الشيخ سعد والعراقي عزة ابراهيم.. واجتمع الوفدان مساء الثلاثاء وظهر الأربعاء.. اتضح ان الوفد العراقي كان جاي متبرمج على كلام محدد يقوله وليس لديه اي تفويض بالتفاوض لحل الخلاف.. وسافر الوفدان والعراقيين راحوا عملوا عمرة ورجعوا العراق فجر الخميس.. وبعدها على الفور دخلت القوات العراقية الكويت..
وبشأن إمكانية انسحاب صدام من الكويت انذاك، قال مبارك: أي أمل كان يتضاءل بسرعة مع إصرار صدام على عدم التراجع .. حذرته مرات عديدة .. أبلغته بأن قراءته للمشهد الدولي خاطئة، قلت له ان العمل العسكري قادم ضدك لا محالة إذا لم تنسحب.. بس ما كانش في فايدة.. ورد عليا من خلال تصريح لوزير إعلامه قالي انت خفيف ومش فاهم الوضع.
وفيما يتعلق بموعد بدء حرب التحرير: اكد مبارك لم أكن اعلمه، ولما ألقيت الخطاب حينها لم يكن عندي معلومة محددة … بس كانت كل المؤشرات تبين قرب بدء الحرب .. مجلس الأمن كان حدد 15 يناير/ كانون الثاني موعدا أقصى للانسحاب، وكانت المباحثات الأخيرة بين طارق عزيز وجيمس بيكر في جنيف فشلت في إيجاد أي حل .. ولو كان صدام في هذا الاجتماع أعلن حتى عن مجرد استعداده للانسحاب كان سيصعب على الأميركان بداية الضربة.. فكان واضح تماما ان الصدام قادم لا محالة.
وحول العمل مع الأميركان، قال مبارك: احنا طبعا كان لنا قوات في مسرح العمليات فكان هناك تنسيق عسكري وأيضا سياسي.. الرئيس الأميركي بوش أبلغني تلفونيا فجر يوم 16 يناير انه سيوجه خطابا للشعب الأميركي يعلن فيه بدء تحرير الكويت.. ده كان حوالي ساعة قبل إلقاء بيانه وبدأ الضربة الجوية.
وحول الأوقات الحرجة أثناء الحرب، قال مبارك: أنا أعرف معنى الحرب كويس.. ولما أكون رئيس للجمهورية وأخذت قرار بإرسال قواتنا العسكرية للحرب خارج الحدود فبالطبع لازم أتأكد دوما انهم قادرين على إنجاز المهمة ولديهم من الإمكانات للدفاع عن أنفسهم وحماية القوات.. الحرب الجوية استمرت حوالي أربعين يوما.. وصدام حاول جر إسرائيل في هذه الحرب بإطلاق صواريخ سكود عليها.. أتذكر انني أُبلغت فجرا يوم إطلاق أول صواريخ سكود على اسرائيل، والكل توقع ان ترد اسرائيل وتضرب العراق.. اتصلت بالرئيس الأميركي على الفور وأبلغته انه يجب ان يمنع اسرائيل من الرد على هذه الصواريخ لأن هذا سيعقد الأمور ويسبب مشاكل للقوات العربية المشاركة في تحرير الكويت.. وبالفعل تفهم الرئيس بوش ونجح في إقناع اسرائيل بعدم الرد وزودهم بصواريخ باتريوت للتعامل مع صواريخ سكود.. دي كانت نقطة حرجة جدا أثناء الحرب.. الموقف الآخر هو ما ذكرته سابقا من تفكير الأميركان في دخول العراق وهو ما حذرت منه وما استجاب له الرئيس الأميركي.. وأخيرا مع بداية الحرب البرية كانت هناك متابعة مستمرة للاطمئنان على القوات المصرية وسلامتها ونجاحها في اتمام المهمة.. وللعلم القوات المصرية كانت أمام الحدود الكويتية ورفضت اي تمركز لها أمام حدود العراق.. مهمتنا كانت واضحة.. المشاركة في تحرير الكويت وليس دخول العراق أو الاعتداء عليه.

مبارك: غزو الكويت شطر العرب وفتح الباب للأطماع الخارجية
وفيما يتعلق بآثار هذه الحرب على الوضع الإقليمي، أكد مبارك بالقول: ليس لدي شك أن غزو الكويت وتداعياته ألقت بظلالها على تردي الأوضاع في المنطقة الى يومنا هذا.. فالعالم العربي انقسم كما لم ينقسم من قبل.. والتدخلات والأطماع الخارجية وجدتها فرصة لتحقيق مصالحها.. التوازن الذي كان حادث بين العراق وإيران اختل لصالح إيران في المنطقة.. وجاءت أعمال الإرهاب متمثلة في تنظيم القاعدة تحت زعم مقاومة التواجد الأميركي في الخليج لتصل ذروتها في أحداث 11 آيلول/ سبتمبر.. ثم ترتب عليها غزو العراق عام 2003 ومزيد من الاضطراب في المنطقة وصولا لانقضاض حماس على السلطة في غزة وحدوث شرخ فلسطيني عميق ممتد الى يومنا هذا.. بعد ذلك جاءت أحداث 2011 في المنطقة العربية كلها وأدت لحالة من التمزق والتشرذم والإرهاب لم تشهدها المنطقة في تاريخها الحديث، للأسف كثير من هذه المشاكل والاضطرابات من صنع أيدينا نحن العرب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here