القروض .. وعواقبها المدمرة

محمد عبد الرحمن

بناء على ما عرضته وزارة المالية، قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم ٢ تموز٢٠١٩، تخويل وزير المالية او من يخوله صلاحية التوقيع على اتفاقية قرض لتمويل “مشروع تطوير وتحسين الخدمات الكهربائية” بين العراق والبنك الدولي للإعمار والتنمية، وان تقترض وزارة المالية مبلغا قدره فقط مائتا مليون دولار، حسب قرار مجلس الوزراء الرقم ٢٣٢ لسنة ٢٠١٩.

ورغم المحدودية النسبية للقرض فانه يشكل اضافة جديدة الى الديون الداخلية والخارجية، التي يبدو ان تعظيمها غدا نهجا ثابتا في السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣، من دون اكتراث لما يسبب من كوارث واستنزاف للدخل الوطني. وحسب العديد من التقديرات فان حجم تلك الديون لا يقل اليوم عن ١٣٠ مليار دولار، منها ٦٧ في المائة ديون خارجية وما تبقى اَي ٣٣ في المائة ديون داخلية.

يحصل هذا في وقت تقول فيه المعطيات المتوفرة ان المصروف الفعلي للموازنات الحكومية في السنوات 2006- 2018 ، يقل عن 75 في المائة من التخصيصات المرصودة، ما يعنى ان حوالي ٢٥ في المائة منها لم يصرف! ووفقا للتعليمات التي تصدرها عادة وزارة المالية عند إقرار الموازنة السنوية، فان التخصيصات التي لا تنفق تعاد الى الخزينة العامة الدولة.

ومن جهة اخرى فان كل الموازنات التي اقرت بعد سنة ٢٠٠٥، باستثناء موازنة ٢٠٠٩، كان يشار فيها الى عجز افتراضي او تخطيطي، في حين يتبين في نهاية المطاف وجود فائض فيها. وهذا يتكرر اليوم ايضا، حيث يجري الحديث عن وجود عجز في موازنة ٢٠١٩، وعن ان مجموع القروض المؤشرة فيها يقرب من 20 ترليون دينار، في حين تتوفر موارد مالية اضافية بفضل الزيادة في أسعار النفط، حيث قدرت الموازنة السعر المعتمد لبيع نفطنا الخام بـ ٥٦ دولارا للبرميل، فيما يتراوح

السعر الحالي لبيعه بين ٦٣ و٦٧ دولارا للبرميل. وهذا يظهر إمكانية توفير ما لا عن ١٠-١٢ مليار دولار.

كذلك يمكن للدولة ان توفر المزيد من الاموال في حال ضغطت النفقات غير الضرورية، التي ازدادت في موازنة ٢٠١٩ بنسبة تقرب من ٢٨ في المائة مقارنة بموازنة ٢٠١٨، كذلك التوجه نحو تعظيم الموارد عبر التصدي الفعال للفساد، واسترداد الاموال التي سرقت، وتحسين جباية الضرائب وانتظام دفعها من طرف من يتوجب عليهم ذلك قانونا، وضبط ايرادات المنافذ الحدودية والكمارك، التي يمكن ان تصل الى اكثر من ١٢ مليار دولار سنويا وفقا لبعض التقديرات. فعبر هذه الاجراءات وحدها يمكن توفير مبالغ كبيرة، تفوق دون شك العجز المخطط في موازنة ٢٠١٩ .

وعلى كل حال، هل حقا ان الدولة لا تستطيع توفير مبلغ قدره ٢٠٠ مليون دولار، فنراها تلجأ الى الاقتراض؟

ان طريق الاقتراض، الذي يصل حجم تسديدات العراق فوائده واقساط الديون وفوائد الضمان في العام الحالي ٢٠١٩ وحده، مبلغ ١٢٧٧٠ مليون دولار، هو طريق شائك وخطر ومسدود، وقد ارتفعت اصوات حريصة من جهات عدة، تحذر من الاستمرار في هذا الطريق المدمر، والذي سارت فيه قبلنا دول اخرى وكانت الحصيلة الكارثية معروفة للجميع.

لذلك بات من الضروري، وبنحو ملح، مباشرة عملية اصلاح حقيقية وجذرية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واعتماد نهج يقود الى توجيه موارد البلد المالية والاقتصادية والبشرية نحو المجالات والقطاعات والمشاريع ذات الاولوية، والإنتاجية منها اولا، بهدف وضع العراق على طريق التنمية المستدامة الحقيقية، وبما يؤدي الى بناء اقتصاد قوى ومتنوع.

وهذا هو الطريق المجرب الذي يؤدي الى عدم الاعتماد كليا على موارد النفط الخام، ولا على القروض التي ترهن موارد أجيال من العراقيين لتسديد اقساطها وخدمة فوائدها وشروط من يقدمها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here