رفقا بهيئة التعليم التقني أيها المسؤول

بتاريخ 24 / 5 / 2019 نشرنا مقالة على هذا الموقع بعنوان ( هل تلغى هيئة التعليم التقني بعد 50 عاما على التأسيس ) ، وعرضنا فيها كل ما يتعلق بهيئة التعليم التقني من محاولات إلغائها ، وقلنا إنها إجراءات مخالفة لأبسط الأعراف القانونية لان تعطيل عمل الهيئة مخالف للقانون ومن يرتكب هذا العمل يتوجب مساءلته بموجب التشريعات السائدة لان استمرار عمل الأجهزة الحكومية تحميها قوانينها من أية إجراءات تعسفية سواء كان على سبيل القصور أو التقصير ، فمثلما لا يجوز أن نعطل عمل وزارة التربية أو مصرف الرافدين أو دائرة التسجيل العقاري وغيرها ، فانه لا يجوز أن نعطل أو نجمد عمل هيئة التعليم التقني لان مهمتها شبه انتهت بتأسيس أربعة جامعات تقنية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ( الفرات الأوسط ، الوسطى ، الجنوبية ، الشمالية ) والموضوع الذي تثار التساؤلات عنه حول مصير هيئة التعليم التقني هو من أعطي الأحقية أو الجواز أو الاجتهاد لتذويب الهيبة والعمل على تعطيلها والتعامل معها وكأنها ملغاة بحيث إن المسؤول عنها لا يباشرها أو يتواجد فيها إلا لحالات ، فالتعديل الثامن لقانون الوزارة أبقى هيئة التعليم التقني ضمن المادة ( 8-1- ب ) فعند ذكر الهيئات ورد في التسلسل ( أولا – هيئة التعليم التقني ثانيا – الهيأة العراقية للحاسبات والمعلوماتية ) ، كما إن التعديل آنف الذكر أو غيره لم يتطرق أو يلغي الباب الثالث من قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 وعنوان الباب ( هيئة التعليم التقني ) ويتضمن هذا الباب المواد 31 و32 و33 و34 و35 التي لا تزال عاملة وسارية من الناحية القانونية لحد اليوم رغم تأسيس الجامعات التقنية الأربعة ، والبعض يعتقد إن تأسيس الجامعات استند إلى مادة وردت في التعديل الثامن بعد سريانه ونفاذه ، ولكن ذلك لم يعطل بقاء المواد الخاصة بهيئة التعليم التقني مما يعني إن قوتها مكتسبة من القانون نفسه لان تعديلها أو إلغائها يحتاج إلى قانون باعتبار إن القانون لا يلغى أو يعدل إلا بقانون ، وإذا كان هذا الأمر هو ما يعول عليه فلماذا لم يصدر قانون يتضمن الإلغاء أو التعديل من 3/ 2 / 2014 (تاريخ نفاذ التعديل الثامن ) ولغاية اليوم وبعد مرور أكثر من خمسة أعوام ؟ ، والجواب واضح وصريح وهو إن الهيئة باقية من الناحية القانونية والمادية ومما يعزز هذا الرأي :

– إن بناية الهيئة موجودة حاليا في المنصور / شارع النقابات وهو نفس مقرها بعد 2003 حيث كانت مع بناية الوزارة التي تعرضت للتخريب .

– تم تكليف الأستاذ الدكتور عبد المحسن ناجي محيسن برئاسة هيئة التعليم التقني ورئاسة الجامعة الوسطى وكالة بموجب الأمر الوزاري 2184 في 27 / 6 / 2019 وهذا الأمر بتوقيع السيد الوزير المحترم وهو إقرار منه بوجود الهيئة .

– يعمل في الهيئة مجموعة من الموظفين بعناوين ودرجات ومستويات وتخصصات متعددة ويؤدون أعمالهم على وفق السياقات المعتمدة رسميا .

– للهيئة ملاك للقوى العاملة وتخصيصات مالية مصادق عليهما ضمن الموازنة الاتحادية لسنة 2019 كما إن الهيئة كيان علمي وأداري وضمن التشكيلات الأساسية ولها وجود في الهيكل التنظيمي لوزارة التعليم العالي .

– لم يرد أي نص بقوة القانون يقضي بإلغاء الهيئة أو إعادة النظر بمهامها لحد الآن والمقترحات التي قدمت أو في النية تقديمها ليست لها قوة ( أو مفعول ) إلا بصدور قانون أو تعديل القانون الحالي رقم 40 لسنة 1988 لذلك فأي تصرف يخالف ذلك هو مخالفة مادام يتقاطع مع القانون .

إن ما دعانا لإثارة هذا الموضوع ثانية شيئان أساسيان ، أولهما هو بقاء الوضع على ما عليه وهو إن الهيئة شبه مجمدة إذ لم تصدر تشريعات بتغيير مهامها أو واجباتها أو تفعيل دورها رغم إنها من المؤسسات العلمية في العراق التي بلغ عمرها منذ التأسيس لحد اليوم نصف قرن بالتمام والكمال وقد تخرج منها عشرات أو مئات الآلاف من الطلبة بمختلف المستويات والاختصاصات ، وثانيها هو ما طرق سمعنا من وجود نيات للاستيلاء على بنايتها الحالية التي تقع في المنصور / شارع النقابات والذي شغلته بعد إحداث 2003 ، فبدلا من إعادتها إلى موقعها السابق الذي كانت تشغله ( في الطابقين الأول والثاني ) من بناية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بعد أعمارها وانتقال دوائر الوزارة إليها فان النيات تتجه لنقلها إلى بناية كلية التقنيات الهندسية الكهربائية والالكترونية في منطقة الدورة علما بان :

– بموجب مخاطبة رسمية طلبت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي / دائرة الاعمار والمشاريع بإخلاء بناية هيئة التعليم التقني وتسليمها إلى جامعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستحدثة ، وان هذا الإجراء يخالف قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم 619 لسنة 1988 الذي خصص البناية موضوعة البحث لهيئة التعليم التقني وهذا القرار غير ملغي وواجب التطبيق ولا يبطل العمل به إلا حين يلغى من السلطة التشريعية أو إصدار قرار بديل عنه ، مما يعني إن إخلاء البناية يشكل مخالفة قانونية وكان من الواجب على من أسس هذه الجامعة أن يوفر متطلبات تأسيسها المادية والقانونية قبل أن يستحوذ على حقوق الغير حتى وان كان الموضوع داخل الوزارة الواحدة .

– على فرض إن الوزارة أوجدت غطاءا قانونيا لهذا الإجراء فان ما يترتب عليه خسائر مادية كبيرة لان بناية هيئة التعليم التقني مجهزة ومقسمة ومؤثثة لأغراضها ومتطلباتها وان إخلاء البناية ونقل موجوداتها إلى بناية الكلية في الدورة سيتسبب بتكاليف وإضرار مادية بالغة لان أجهزة التكييف والأثاث والستائر والأجهزة الأخرى منصوبة منذ أكثر من 10 سنوات وتفكيكها ونقلها ونصبها ثانية سيعرض بعضها للتلف وقيمتها المادية بمليارات الدنانير في وقت تعاني الموازنة الاتحادية من محدودية الموارد والتخصيصات المالية ، علما بان مناقلة الموجودات والتخصيصات ضمن الأقسام في الموازنة يتطلب موافقات من وزارة المالية أو مجلس الوزراء وتترتب عليه عمليات مطولة في الجرد والتدقيق وغيرها من الإجراءات المعروفة للمختصين .

– إن بناية كلية التقنيات الهندسية الالكترونية والكهربائية مخصصة للإغراض العلمية التدريسية والتطبيقية وغير مصممة إداريا كمقر للهيئة والعامل المشترك بينهما إن رئيس الجامعة التي تتبع لها الكلية هو رئيس الجامعة ولكن مقر الجامعة في الزعفرانية ومقر الكلية في الدورة ، ونرى إن إشغال مركز هيئة التعليم التقني لبناية كلية تقنية سيعرقل محاولات التوسع بعمل الكلية مستقبلا وهي من الكليات المتخصصة الناجحة ولديها نوايا بالتوسع في عدد أقسامها وحجم مدخلاتها من الطلبة حيث تتواجد فيها ثلاثة أقسام فقط رغم إنها تغطي مساحة واسعة وكثافة سكانية مهمة من بغداد ، ونشير بهذا الخصوص إن بناية الهيئة في المنصور كانت مصممة أساسا لأغراض المعهد الطبي التقتي في المنصور ولكن الهيئة أنفقت مليارات الدنانير من موازنة الدولة ومواردها الذاتية لعزل الجوانب الإدارية عن التعليمية بما لا يؤثر على سير التدريس ( في المعهد ) والإجراء الذي تقترحه دائرة المشاريع في الوزارة يشكل العودة بخطوات وليس بخطوة إلى الوراء بمعنى إن إشغالها كجامعة سينشأ الحاجة لإعادة تحوير البنايات لتكون تعليمية وهذه الإجراءات قد لا تؤيدها الجهات الرقابية لما تمثله من هدر في الإمكانيات وما يتطلبه التحوير من وقت .

– إن إخلاء البناية سيترتب عليه إضرارا تصيب العاملين في الهيئة وهم من الكوادر التي لها خبرات طويلة في العمل بشؤون التعليم التقني ، ووجه الضرر الشعور بأنهم مهمشين واضطرارهم لتغيير مقر عملهم من المنصور إلى الدورة وهي مسافة لا يستهان بها ، علما إن رئاسة الهيئة ( في حينها ) أعطت الخيارات للعاملين الموجودين حاليا عند تأسيس الجامعات التقنية بالبقاء في الهيئة أو النقل إلى مقرات الجامعات وتشكيلاتها أو النقل إلى جامعات أخرى مع الدرجة والتخصيص المالي ، والموجودون في مقر الهيئة حاليا ( في المتصور ) أما إنهم اختاروا البقاء فيها للتكيف مع محلات سكنهم أو إنهم اجبروا على البقاء لمتطلبات المصلحة العامة لما يمتلكونه من خبرات ، بمعنى إن نقلهم إلى الدورة سيضعف من دافعيتهم في الأداء لأنهم تمتعوا بنكران الذات وبعضهم قدم التضحيات لديمومة عمل المرفق الذي يعملون به وفي حالة وقوع الضرر عليهم سيعطيهم الحق في التظلم لدى القضاء الإداري أو أية وسيلة وجهة ممكنة للتظلم لديها .

– لقد قامت نقابة الأكاديميين العراقيين بإشغال جزءا من بناية هيئة التعليم التقني على سبيل الإيجار استنادا إلى موافقات أصولية وبعد مدة طلب منهم إخلاء مقرهم والبحث عن البديل ، ولعدم قناعة النقابة بهذا الإجراء فقد تقدمت بدعوى لدى القضاء وكسبت الدعوى وبقيت في ذات المكان في المنصور ، فكيف يطلب من المالك الأصلي للبناية ( هيئة التعليم التقني ) إخلاء البناية العائدة لها بموجب الغطاء القانوني الذي تمت الإشارة إليه في أعلاه .

ولغرض إزالة اللبس والالتباس عن وضع هيئة التعليم التقني من حيث البقاء أو الإلغاء وإسناد وتحديد المهام والواجبات والتشكيلات المرتبطة بها والملاك الوظيفي ، نلتمس من معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن يمنح هذا الموضوع الأسبقية التي يستحقها من الرعاية سواء من خلال عرض الموضوع في هيئة الرأي أو تشكيل لجنة من التقنيين ممن لديهم خبرات وتجارب في هذا المجال لغرض وضع الرؤيا والأهداف والاستراتيجيات ، وكما يعلم معاليه إلى إن العالم يتجه حاليا للتعليم التقني لأنه يعد من مفاتيح وأدوات التقدم والنهوض في حقول العمل والتطبيقات ، والعالم غزير بالتجارب بهذا الخصوص فالولايات المتحدة وغيرها تعول على المعاهد التقنية في حل اكبر المشكلات كما إن التقدم الذي شهدنه الصين واندنوسيا وتايلتد وسنغافورة وماليزيا وغيرها التي أصبحت لديها قواعد اقتصادية وعلمية متقدمة أساسه الاعتماد على حاضنات الإعمال من التقنيين ، وهناك أمثلة عديدة يعرفها معاليه لأنه من بناة التعليم العالي في بلدنا العزيز ، وبضوء ما تقدم نرى انه من المؤسف حقا أن تتحول هيئة التعليم التقني تلك المؤسسة التي أنجبت أربعة جامعات تقنية وربما نحتاج ( حاليا أو بعد سنوات ) إلى جامعات تقنية أخرى وعشرات أو مئات الكليات والمعاهد التقنية إلى ارث تتقاسمه بعض الجهات مرة في ملاكاتها عالية الاختصاص والخبرة والولاء والتدريب ومرة في بنايتها أو استسهالا لتقاسم مواردها بحيث لا يتبقى منها في يوما ما ( لاسمح الله ) سوى الذكريات ، وعندها سنندم عندما تذوب هذه المؤسسة العريقة كقطعة الثلج في أجواء استحواذية ساخنة وقد نضطر للبدء من جديد ، وبارك الله بكل من يضع حجرا صغيرا ويصنع أملا لبناء العراق فهي مهمة أصعب بكثير من رفع أعمدة وصروح من جديد .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here