مخدّرات السلطة

ساهر عريبي
تنتشر ظاهرة الإدمان على المخدّرات بشكل ملفت للنظر في العديد من دول المنطقة, وسط تراخ من قبل حكومات تلك الدول في القضاء على هذه الآفة التي تفتك بفئة الشباب حتى أضحت خطراً يهدد هذه المجتمعات وينذر بانهيارها . واقع يثير العديد من التساؤلات عمن يقف وراء تنامي هذه الظاهرة أو من يتحمل المسؤولية عن تفاقمها الى حد ينذر بالخطر ويستوجب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذه الآفة الفتاكة ومعالجة واعادة تأهيل ضحاياها.

لم يكن العراق بعيدا عن هذه الموجة التي لم يعرفها من قبل إلا بشكل محدود, إذ انتشرت بشكل كبير وسط صمت من الجهات الحكومية مما ألقى بظلال من الشك حول مسؤولية الحكومات المتعاقبة في تنامي هذه الظاهرة بل والوقوف خلفها. كانت المرجعية الدينية سبّاقة الى تشخيص هذه الآفة منذ زمن, فقد سارت أنباء في العام الماضي بأن مقربين من المرجعية الدينية ارسلوا رسائل إلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بضرورة التصدّي لظاهرة إنتشار المخدرات وضرب العصابات التي تتاجر بها بيد من حديد.

جاء ذلك بعد انتشار تعاطي المخدرات في العراق بشكل مخيف وان بعض المحافظات الجنوبية ينشط فيها تجّار كبار للمخدرات مرتبطون بدول مجاورة ومخابرات دولية. لكن تلك الرسائل لم تكن محط اهتمام الحكومة المشغولة بتوزيع المناصب, الأمر الذي دعا المرجعية وعبر منبر الجمعة, الى التحذير علنا من تنامي هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع, لافتة الى ان انتشار هذه الظاهرة والترويج لها بين الاوساط الشبابية يؤدي الى استنزاف الطاقات الفكرية والعقلية والنفسية والجسدية والصحية التي ينتظرها المجتمع.

لكن الأمر الأهم هو لفت المرجعية الى ان بعض من يتاجر بهذه المواد لديه علاقات مع متنفذين في الدولة يساعدوه بالافلات من العقاب. إتهامات تشير الى حجم الفساد المتغلغل بمفاصل الدولة والى المستوى الذي تصل الدناءة فيه الى حد التورّط في تهريب المخدّرات التي تدر أرباحا هائلة على مروّجيها. كما وان السلطات تتحمل أيضا مسؤولية تفشّي هذه الظاهرة. فحالة الإحباط التي تولدت لدى العراقيين وخاصة شريحة الشباب, من تجربة الحكم لمابعد عام 2003 والتي كانت حافلة بالفساد والفشل والتكالب على المناصب والإمتيازات , تسببت بانتشار ظاهرة البطالة, فضلا عن تدني مستوى التعليم وشيوع المحسوبية والمنسوبية, مما ادى الى انتشار هذه الظاهرة, ولذا فإن الطبقة السياسية تتحمل المسؤولية على هذا الصعيد لإنشغالها بتعزيز سلطاتها في وقت تركت البلاد تعبث بها الآفات.

وليس من المستبعد غض أطراف في الحكومة البصر عن هذه الظاهرة في استنساخ لتجربة العديد من الأنظمة القمعية في المنطقة, التي تستخدم المخدرات كأداة للسيطرة على الشعوب وخاصة الفئة الشبابية. فهذه الفئة إذا ما وقعت في هذه المصيدة, فإنها ستكون مفتاحا للمفاسد الإجتماعية والجريمة وغيرها, و لن تفكر بالضغط على السلطات لتحسين أداءها أو الحد من فسادها. لقد تحولت المخدرات الى اداة من أدوات السلطة لقمع الشعوب والقضاء على حراكها وروحها الثورية, وبما يطلق يد السلطات ويديم في عمرها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here