هكذا كانت اوضاع الحكم زمان السلطنة العثمانية ! ح7

* د. رضا العطار

مقتبس من كتاب عصر التكايا والرعايا للمؤلف د. شاكر النابلسي الذي يقول :
يعود الفضل في تهيئة هذا البحث الى امين كازاك استاذ العلوم السياسية في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة والى عزت سوبرو مدير المكتبة الالكترونية في بيروت، اللذان لعبا دورا محوريا في توفير المصادر النادرة لذها الموضوع، علما ان معظم تاريخ فترة حكم الدولة العثمانية مازال مخطوطا في خزائن الدول الاوربية والتركية وهي غير محقق وغير منشور.
اما عن تاريخ بدأ ظهور الاتراك، يقول المؤرخ بطرس البستاني : اندفعت قبائل مغولية متوحشة من اواسط آسيا غربا واستقرت في آسيا العليا، وهي الان تركستان، فسماهم الفرس توران، ومن هنا نشأ لفظ ترك، كما سماها اليونانيون تيران، ومعناه الطغاة.

لو القينا النظر على ثقافة الدولة العثمانية، فانها كانت ثقافة هزبلة !
اما اذا تطرقنا مجال الفن، وجدنا (عطري) هو شاعر تركيا البارز وموسيقارها الكبير في القرن السابع عشر. الذي بدأ حياته درويشا في الفرقة الصوفية المولوية التي اسسها جلال الدين الرومي الذي كان ينتقل من تكية الى اخرى. وقد عمل في سنوات شبابه عدة اعمال من تاجر للعبيد الى عازف على الناي كما ابتكرعطري قطع موسيقية دينية واخرى ماجنة كثيرة لم يسبقه فنان قبله. فرغم عدم وجود التدوين الموسيقي في ذلك الزمن الا انه الّف كمّا هائلا من المقطوعات الموسيقية تركها وراءه بعد وفاته. محفوظة الى الان. ومن ابرز ما تركه عطري وضعه ترنيمة الأذان للصلاة المتبعة في كثير من البلاد الاسلامية الان.

ثم ظهر الشاعر الشعبي كيلوجلي الملقب بالعاشق. الذي ترك لنا رباعيات شعرية حماسية، كما تميز شعره بشعر الهيس وهو نوع من الرباعيات المقفاة لها وزن خاص واصله من آسيا الوسطى.

وقد ادى بعض الشعراء الاتراك خدمة للفنون التركية حين بدأوا يترجمون الشعر العربي والشعر الفارسي الى اللغة التركية، ومنهم النحيفي الذي ترجم اشعار جلال الدين
الرومي المثنوية، من الفارسية الى التركية. وكان يؤدي منها غناء كثيرا من المقاطع، منها (اغنية المزمار) التي اصبحت فيما بعد جزءا من الادب الشعبي التركي.
وكان بعض شعراء الاتراك ينظمون بالعربية. فجاء محمد نديم وكتب الشعر باللغة التركية، كان يقتفي به الاوزان الشعرية الفارسية.
كان شعر النديم مزيجا من الحب والصوفية وتقديس اللذات، مرادفا لشعر عمر الخيام.
وفي الوقت الذي كان فيه شعراء الديوان التركي ينظمون شعرهم المزخرف – كان النديم ينظم شعره بمضامين انسانية ورؤى طبيعية وهذا نموذج من شعره :

لا تكترث لخصومك – فالحجر الذي يضربك – يكشف عن ومضك الذهني – دعنا نضحك، دعنا نلعب، دعنا نقطف لذاتنا من الدنيا – دعنا نشرب الماء من ينابيع عدن – دعنا نشاهد ماء الحياة وهو يقطر من فم التنين – دعنا نذهب الى سعد آباد فهناك شجرتي الصنوبرية.

ومن المؤرخين الاتراك من كان يعمل بوظيفة رسمية رفيعة، يكتب التاريخ وهو جالس في حجر السلطان – منهم مصطفى نعيم الذي كتب (روضات الحسين بخلاصات اخبار الخافقين) وكانت كتابات نعيم تتميز بنكهة الرواية ووصف الشخصيات مع بعض نظرات في التحليل النفسي. – ويعد نعيم بمثابة ابن خلدون الاتراك من حيث انه اتفق مع ابن خلدون بان الدولة تمر بفترات النشوء والشباب والكهولة والشيخوخة ثم الموت، مثلها في ذلك مثل جسم الانسان.

وفي هذه الفترة مرت العمارة التركية بالفترة الكلاسيكية، ظهر فيها اعظم المهندسين في تاريخ العمارة الانسانية، ابرزهم كان كوجا سنان، الذي يعتبر ظاهرة حضارية فريدة. وقبل ان يصبح كهلا، غدا سنان رئيس هيئة المعماريين في الامبراطورية العثمانية. عمل بعدها لمدة 52 عاما بكل نشاط وهمة في البناء والعمارة، فكان مسجد السلطان سليمان القانوني واحدا من روائع تحفه الفنية الخالدة. ويبقى سنان في ذاكرة الحضارة العثمانية كبقاء مايكل انجلو 1475 – 1564 في ذاكرة الحضارة الايطالية.

وخلال هذا كله كان الاتراك في شغل شاغل بغزو الدول الى حد لم يجدوا فسحة من الوقت للفنون الجميلة، عدا صناعة السجاد الذي تعوزه ذلك البريق الساحر للسجاد الفارسي – – – ان حجم الثقافة الفنية في الدولة العثمانية لو قورنت بالنهضة الثقافية الفنية في الدول الاوربية المتمثلة في الاعداد الهائلة من الادباء والشعراء والفنانين، كان هزيلا جدا، لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة.

فكيف تستطيع الدولة التركية ان تنهض بالثقافة و الفنون والاداب في البلدان العربية المحتلة – – فهي في وطنها جافة وشحيحة، منغلقة غير منفتحة، متعصبة غير متسامحة، منطوية على نفسها غير مقتبلة على الاخرين. ثم كانت بالتالي هي ثقافة ظلم واستعباد، والحكم المطلق، يسيّره رجال الدين وزمرة العسكر.
فقد كانت الثقافة الفنية في الامبراطورية العثمانية مقتصرة على ثقافة السلاطين وثقافة الدراويش وثقافة التكايا وثقافة الغلمان والخصيان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here