قراءة سياسية للمنهاج الوزاري للسيد عادل عبد المهدي

عبدالجبارنوري

توطئة/ تولى السيد عادل عبدالمهدي المنصب في 25 أكتوبر 2018 وطرح برنامجه الوزاري أمام البرلمان ليأخذ مكانهُ على ذمة الأعلام العراقي الذي أثار عليه موجة هستيرية من جدال فرقاء الكتل السياسية والشعبوية والأحزاب السياسية وعموم الجمهور العراقي ، وقد لفت نظري حينها إلى تغريدة سوداوية من أحد النواب المشاكسين على صفحات التواصل الأجتماعي مفادها (إن برنامج رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لا يتمكن تنفيذهُ تشرشل وكليمينت وروزفيلت وأديناوروبمساعدة هتلر وموسوليني وصدام )

للحقيقة والحق أن البرنامج واسع وشامل ودقيق جاء في 121 صفحة ، ويرقى إلى بروستريكا أصلاح أقتصادي أو في خارطة عمل لأخراج العراق من عنق الزجاجة ، وللحقيقة أيضاً أن المنهاج دراسىة مستفيضة أقرب من كونهِ منهاجا مُعداً مسبقاً ، وقلتُ حينها أن مرّتْ الأربع سنوات ولم يخرج (السيد) ورقة الأستقالة من جيبهِ وهو قد أنجز 60% من البرنامج يستحق أقامة تمثال لهُ وسط بغداد بجوار جدارية الحرية لجواد سليم .

لقد جاء البرنامج بخطوات أيجابية ومفيدة حيث أكد على ترشيق مجلس الوزراء في أحداث ثورة جذرية في أبعاد الفاسدين والفاشلين في حرية أختيار الوزراء أي الأبتعاد عن المحاصّة الكتلوية والحزبية ، والتأكيد على الهوية العراقية والأبتعاد عن التبعية ، وأحسن في ديباجة المنهاج أن المسؤول هو خادم للشعب ، وأن السلطة ليست ملكاً لحزب أو عشيرة أو طائفة أو قومية ، والأولوية للعلم والمعرفة والفضيلة ، وشيءٌ جيد حين ذكر في مقدمة المنهاج الوزاري : أنهاء الفوضى التشريعية وتصفية القوانين وغربلتها لتكون للدولة فلسفة تشريعية واحدة ، أعادة تنظيم القضاء بما يحقق أستقلالية القضاء ، وأبعاد العراق عن أية منظومة للعقوبات والحصار الأقتصادي ، ومكافحة الفساد وهدر المال العام والخروج من الأقتصاد الريعي ، بناء دولة واحدة وليس دويلات متداخلة ، أنهاء نظام المناصب بالوكالة والتحايل على القانون ، منع الممارسة الخاطئة في حق الأستجواب ، منع الحشد والبيشمركة في التدخل والتأثير على السلطات الثلاثة ، والتأكيد على حرية الفكر والضميروالعقيدة ، ولكن للأسف ليس في العراق المأزوم والمهزوم والمنهوب محكوم بطلاب حكومة لا طلاب دولة منخورة وموبوءة بالمحاصّة الأثنية والطائفية والمناطقية والتي أخذت شكل دويلات المدن الأندلسية ، ويظهر أن الكتل السياسية فشلت في تشكيل الكتلة الأكبر عدداً مما يؤهلها بتسمية مرشحها الجديد فأتجهت الأنظار إلى الدكتور عادل عبدالمهدي فهو المرشح التوافقي لتجاوز الأزمات التي تخيم على الوضع السياسي في العراق .

مع هذا وذاك أن المنهاج الوزاري جاء خلال ظروف سياسية معقدة ومتشابكة في الداخل والخارج الأقليمي والدولي بولادة قيصرية ولما يكمل الجنين ، بل كان الطرح عجولا في أكل العنب فأكلهُ ( حصرما ) وأطعم الشعب من ذاك الحصرم والذي حصل على درجة أمتحانية 1% من أنجاز المنهاج الوزاري خلال عشرة أشهر من أستيزارهِ لكون المنهاج ملوث بمطبات وهفوات وهنات سياسية وأجتماعية وأقتصادية وأليك بعضها :

– عدم وجود مفهوم العدالة الأجتماعية في البرنامج الحكومي وخاصة في حل مشاكل السكن والنقل والعشوائيات والبطالة والحقوق المدنية./ رائد فهمي

– خلو البرنامج لمبدأ عدم دخول العراق في المنازعات الدولية وسياسات المحاور.

– ولم يتطرق إلى حل الخلافات والمنازعات بين الوقفين السني والشيعي ، بل بتوحيدهما بوقفٍ واحد كما كان في السابق .

– ولم يذكر البرنامج إي خطوة بأتجاه تدهور الصناعة في العراق ، مع أفتقارالبرنامج لخطة أستراتيجية لتفعيلها عموماً.

– البرنامج لم يشرْ إلى الملف الأمني والخدمي والتربوي في المحافظات المحررة ، وأعادة أعمارها وتقديم الخدمات لها .

– البرنامج لم يتطرق لعمل الهيئات المستقلة للرقابة .

– عدم وجود أية أشارة في برنامج عادل عبد المهدي لضرورة محاسبة الفاسدين وأسترجاع المال العام المهرب البالغة عشرات المليارات من الدولارات .

– لم يشر البرنامج لموقف العراق من أعادة أنتشار القوات الأمريكية وبناء قواعد عسكرية لها وكذلك موقف العراق من التواجد التركي في بعشيقة .

– خلوالبرنامج لوضع خطة لأهم أشكالية أقتصادية في ( أحادية ) الجانب الأقتصادي والأعتماد على تصدير النفط الخام وخاصة أن لهُ تخصص أكاديمي في موضوع الأقتصاد .

أهم التحديات أمام المنهاج الوزاري /

-الأحزاب العراقية وما أكثرها كما وليس نوعاً والفعالة منها أكثر من 50 حزب يتركز جهودهُ على حصد أكبر عدد من الحقائب الوزارية دون الألتفات إلى البرنامج الحكومي المطروح ، وأن هذه الأحزاب السياسية أتفقت على المشاركة في الحكم بدون أستثناء تحت خيمة المحاصصة والغريب أنهم يرفضون المعارضة التي هي من أسس البناء الديمقراطي للحكم السليم كما نراهُ في بريطانيا والسويد وعموم دول الغرب .

– تواجه الحكومة من التحديات الضخمة أبرزها أعادة أعمار البلد الذي تدمر خلال الحرب على داعش والتي أستمرت تلك الحرب الشرسة مدة ثلاث سنوات ، وضرورة الأهتمام بالبنى التحتية على العموم ، ويظهر أن الكتل السياسية فشلت في تشكيل الكتلة الأكبرعدداً مما يؤهلها بتسمية مرشحها الجديد ، ومشكلة أعادة هيبة الدولة العراقية والمؤسسة العسكرية بعد أن تراجع دورها بسبب الأحتلال الأمريكي وأنتشار قواعده العسكرية في عموم العراق ، وكذا الحال في تواجد ألأحتلال التركي لبعشيقة منذ أربع سنوات والتوسع الأيراني والسعودي في النفوذ والتأثير ،

– تحدي أستمرارية حرب الأستنزاف في تتبع الخلايا النائمة وأعوانها في المناطق المحررة ، أضافة إلى الحالة الفوضوية المتزايدة في جميع مفاصل الدولة ، وعلى العموم أنصافاً لرئيسنا الجديد أنهُ أستلم أرثاً ثقيلاً من اسلافه العبادي والمالكي محتويات هذا الأرث المقرف الممجوج كماً ونوعاً موبوءاً بالأزمات السياسية والأجتماعية ومديونياتٍ ثقيلة خارجية وداخلية أضافة إلى تحسين الخدمات الأساسية التي كانت سبباً في أشعال الشارع العراقي وخصوصاً في البصرة التي توعدت الحكومة بتجديد تظاهراتها بعد أربعينية الحسين برفع سقف مطاليبها إلى طلب حق الأقليم للبصرة .

– شباك المحاصصة المقيتة فالمهدي يجد صعوبات جمّة في تمريرالوزارات السيادية خصوصا وزارتي الداخلية والدفاع ،أضافة إلى أن الحكومة (بلا) تربية أي بدون وزير تربية ، بأعتقادي سوف يسقط رئيس الوزراء في تلك الشباك اللعينة لكون لا يزال الخلاف قائم على تلك الوزارتين السياديتين لكونها تتوالى الضغوطات على عادل من بعض الأحزاب المسنودة بأجندات أجنبية ولا أخفي عليكم حين أذكرها بالأسم ( أمريكا وأيران والسعودية وتركية أردوغان ) ، أي أن على الساحة السياسية أقطاب وأمبراطوريات مستقتلة وقوية تمتلك السلاح والمال المنهوب الذي أستقر في جيوبهم ، والمشكلة هنا مركبة فيها تحدي للمرجعية التي وضعت الخط الأحمر لشخصية الرئيس الجديد في الحزم والتكنوقراط بينما كابينتهُ ليست تكنوقراط عدا ثلاثة منهم فقط ، فهو أذاً قد وقع في شباك المحاصصة في أختيار كابينته الوزارية .

– الشبهات التي تدور حول الوزراء الجدد والتي تبيّن أن بعضاً منهم عليه ملفات فساد وآخر مطلوب من المساءلة والعدالة وثمة آخر متهم بتزوير الشهادة وآخرين قد زاروا سجن( بوكا ) وشُمل بالعفو ، حقاً أنهُ موقف محرج لرئيسنا الجديد هل سيخرج ورقة الأستقالة ؟!أم يحيل أوراقهم ألى مفتي الديار!!!؟

– سيواجه عادل عبدالمهدي طلائع ( المقاومة ) العراقية ضد الأحتلال الأمريكي سواء كانت من الشيعة أو السنة فهي تهدد البقاء الأمريكي الحليف للعراق – كما تزعم أبجديات الأمبريالية – فكان للتصريح الناري الذي أطلقهُ أحد الكتل وبحضور المبعوث الأمريكي : ( سوف نسقط أية حكومة خلال شهرين أذا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في تشكيلها ) والذي ترجم على الواقع في تعرض السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد لضربات صاروخية مساء يوم 6/9/2018 وتجددت في 8 سبتمبر الماضي في تعرض القنصلية الأمريكية في البصرة وبالتالي سيكون عادل عبد المهدي أمام مسؤولية كبرى في تفهمه أنها رسالة : أن الشعب العراقي حي لا يزال يمتلك روح المقاومة ، ويرفض التواجد الأمريكي .

– على الصعيد الدولي سوف تظهر أمام عادل عبدالمهدي مشكلة العقوبات الأمريكية على أيران والتي بدأتْ من يوم 4/11/2018 وكيف سيوفق بين الموقفين الأمريكي والأيراني ؟ ، أضافة إلى نزع أسلحة المجموعات المسلحة العشائرية في وسط وجنوب العراق

وكذلك نمو الجماعات الأسلامية المتشددة في غرب وشمال غرب البلاد والتي بعضها أدين بالولاء لداعش أيام أحتلالها لهذه الأجزاء فيحتاج عادل عبدالمهدي لبرنامج كفوء لأعادة الثقة بين الحكومة المركزية وأهالي تلك المناطق .

– معالجة أزمة النازحين داخلياً والمهجرين قسراً والكشف عن المغيبين ، ومعالجة الأزمات المستعصية بين الأقليم الكردي والحكومة المركزية وتصفية الخلافات الدستورية التي تلف المناطق المتنازع عليها ، وجعل كركوك مدينة للتعايش السلمي بين مكوناتها الأصلية الكرد والتركمان والعرب .

أخيرا وليس آخراً/لا يمكن أغفال أن حكومة عادل عبدالمهدي تواجه ضغوطات وتحديات داخلية وخارجية أضافة إلى تداعيات النزاع الأمريكي الأيراني على جغرافية العراق أنها ليست سهلة ، وبنفس الوقت ليست صعبة خاصة وهو أول رئيس بعد الأحتلال يحصل على تأييد المرجعية التي أوصتهُ بضرب الفساد المالي والأداري بيد من حديد ، أضافة إلى تأييد الحراك الشعبي للشارع العراقي له في مكافحة الفساد والمفسدين ، ألا أنهُ يبقى ملزماً بتنفيذ 50% من برنامجه كحدٍ أدنى لأنهُ حدد نفسهُ مع البرلمان والشعب وعليه التقييد بها مما تبقى من عمر وزارته أو أخراج الأستقالة من جيبهِ .

كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد

12/7/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here