هل تنجح أوروبا في إنقاذ الإتفاق النووي؟

ساهر عريبي

دخل الإتحاد الأوروبي وخاصة دول الترويكا (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) في سباق مع الزمن لإنقاذ الإتفاق النووي الذي وقعته مجموعة 5+1 مع ايران في العام 2015, الذي وضع خارطة طريق لكيفية إدارة البرنامج النووي الإيراني بشكل لا يسمح لإيران بإنتاج أسلحة نووية. لكن إنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاق تركه في مهب الريح وصعّد من احتمالات إنهياره, خاصة بعد فرض إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لعقوبات إقتصادية غير مسبوقة على ايران.

وتبدو دول الإتحاد الأوروبي الاكثر تضررا من هذه العقوبات الأمريكية التي تطال أي شركة تتعامل مع ايران تجاريا وخاصة على صعيد استيراد النفط الإيراني. فقد كان مقررا وفقا للإتفاق ان يُرفع الحظر الإقتصادي عن ايران, وتفتح الأخيرة أبوابها امام إستثمارات الشركات الأوروبية في مختلف القطاعات وخاصة في قطاعي النفط والغاز.

واندفعت شركات أوروبية عملاقة نحو ابرام عقود مع ايران عقب ابرام الإتفاق ومنها توتال الفرنسية التي أمضت اتفاقا لاستكشاف الغاز الطبيعي. فيما سارعت شركات أخرى مثل دايملر الألمانية وبيجو ستروين الفرنسية لعقد شراكات في إيران لبيع وتجميع السيارات, كما أبرمت سيمنز الألمانية صفقة لتسليم قاطرات, ووقعت شركة إيرباص صفقة لتحديث الأسطول الجوي الإيراني تضمنت أكثر من 100 طائرة وقد تم تسليم 3 طائرات منها فقط.

كل هذه الإستثمارات أصبحت في مهب الريح بعد سلسلة قرارات من البيت الأبيض الأمريكي طالت الشركات الأوروبية لكنها لم تمس الشركات الأمريكية لأنها لاتتعامل مع ايران أو أنها في طور بدء تعاملات جديدة كما هو عليه الحال مع شركة جنرال الكتريك وبوينغ.لكل ذلك تسعى دول الإتحاد الأوروبي لإنقاذ الإتفاق النووي والخروج من هذا المأزق الذي أوقعها فيها الرئيس دونالد ترامب.

أصبحت الأمور أكثر تعقيدا بعد اتخاذ ايران لسلسلة من الخطوات التي تشكل خرقا لبنود الإتفاق ومنها زيادة نسبة وكمية اليورانيوم المخصّب وهي تهدد باتخاذ إجراءات تصعيدية أخرى إن لم يف الأوروبيون بالتزاماتهم بحسب الإتفاق النووي, واهمها التعامل المالي والتجاري مع ايران. ويبدو الأوروبيون في مأزق حرج بعد أن التف حبل العقوبات الأمريكية حول رقابهم وبشكل لا يمكن التخلص منه, وبما يقلل من فرص انقاذ الإتفاق النووي. وقد عبّر عن ذلك بشكل واضح وزير الخارجية البريطاني ”جيرمي هانت“ الذي رأى أن الإتفاق مازل مازال حيا ولكن فرص انقاذه تبدو ضئيلة.

فالدول الأوروبية ليس بيدها حل سحري اليوم سوى آلية ”انتيكس“ وهي آلية للمقايضة لكنها لم تقنع الجانب الايراني, وتبدو جميع البواب موصدة أمامها سواء لإقناع إدارة ترامب بتخفيف العقوبات, او لمنع ايران من خرق الإتفاق وبالتالي انهياره. ويبذل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على هذا الصعيد جهودا حثيثة لإبقاء الإتفاق حيّا إلا أنها لم تثمر لحد الآن, بالرغم من أن الحراك الدبلوماسي نجح على الأقل في ابعاد شبح الحرب.

إن جميع المؤشرات تدل على أن النجاح لن يكون حليف الجهود الأوروبية لإنقاذ الإتفاق النووي, لأنها تصطدم تارة بجدار التشدد الأمريكي وأخرى بمطرقة التصعيد الإيراني, وتبدو اوروبا بينهما شبه مشلولة, فهي لا تمتلك القدرة للتاثير على إدارة ترامب, ولا قوة الموقف لإقناع ايران بالإلتزام بالإتفاق من جانب واحد في الوقت الذي لم تلتزم أوروبا نفسها ببنوده. ولذا فيبدو الأمل ضعيفا في نجاح الجهود الأوروبية, لكن الأمل يبقى قائما على الخطوات الإيرانية التصعيدية, التي تحرج الأوروبيين وتثير قلق ترامب ونتياهو أو من يسمهيهم وزير الخارجية الإيرانية ”ظريف“ بالفريق“باء“. فمثل هذا التصعيد إما يجبر إدارة ترامب على إتخاذ بعض الخطوات التي تقنع الإيرانيين بجدوى الجلوس على مائدة المفاوضات, أو أن هذا التصعيد سيقابله تصعيد أمريكي يطلق رصاصة الرحمة على الإتفاق. لكن تطورات هذا الملف خلال الأسابيع القليلة الماضية تشير الى أن الإحتمال الأول هو المرجّح!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here