شبهة الزهراني مناظرات ومناقشات، طعن علماء الشيعة بعلم الحديث

نعيم الهاشمي الخفاجي

طعن علماء الشيعة بعلم الحديث و علمائهم وكتبهم وطوام خلافاتهم، وسائل الشيعة اصطلاح تقسيم الحديث مستحدث وداعا المجلسي، بهبودي، وخوئي موثق.
لم يكن لدى الشيعة كتاب في أحوال الرجال حتى ألف الكاشاني في المائة الرابعة كتابا بغاية الاختصار، يقول تصوروا علم الحديث عند الشيعة في القرن التاسع للهجرة ويقول ٩٠٠ سنة الناس تتعبد بأحاديث لايعرف صحتها من ضعفها، هههههههه فعلا اضحكتني يازهراني، ويقول ويقول إن الحر العاملي يوثق الليلة والكفرة؟ ويقول أحاديث الشيعة كلها ضعيفة وأهل السنة أحاديثهم صحيحة،
يقول إن تقسيم الشيعة كان في القرن السابع؟ هههه مساكين الشيعة يازهراني كم انت حنون عليهم ههههه ويقول علم الحديث عن الشيعة هو تقليد للسنة، يقول يا شيعة نحن بالقرن الرابع عشر للهجرة وأنتم لا يوجد عندكم كتاب صحيح؟ ههههه نحن اكملنا القرن الرابع عشر ودخلنا بالقرن الخامس عشر، كلام الزهراني لم يكن أن الزهراني بحث كتب الشيعة وإنما نقل هذه الشبهة من شيخ وهابي يمني لديه علاقات مع القاعدة اسمه الشيخ زكريا بركات اليمن.

نحمد الله سبحانه ونشكره اننا نحاور ناس لايقرأون ولا يسمعون وإنما يرددون اكاذيب متطرفيهم فهم ببغاوات بغالبيتهم، لان الباحث عن الحق يصل للحقيقة أن تجرد من الطائفية والعنصرية، الحديث عند الشيعة يعرض على القرآن وهو مصان ومحترم وقد قال الامام جعفر الصادق ع اذا جاءكم الحديث عنا فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن خالف القرآن اضربوا به عرض الحائط، الحمد لله لم يقل الشيعة بصحة كل أحاديثهم لان الحديث يحتمل الصح ويحتمل الخطأ، السنة يقولون بصحة كل روايات البخاري والتي تتضمن أحاديث تسيء للذوق العام والرسول محمد ص منها أن الرسول يقضي ليله بالطواف على نسائه التسعة ليمارس معهن الجنس وبدون أن يغتسل وهذا الحديث مفترى، ولايتطابق مع أخلاق النبي محمد ص والذي شهد الله سبحانه وتعالى بالخلق العالي حيث قال وانك لعلى خلق عظيم، أن الشبهات التي أثارها الزهراني النجدي ليست جديدة وسبق لمركز الدراسات العقائدية أن رد على هذه الشبهة الرخيصة

ان المسائل التي ذكرت ليست من المسائل الجديدة إذ لم تجد جوابها في ألنت ، وانها طروحات قديمة مغرضة ، تثار ضد الشيعة الإمامية بين أونة وأخرى لغرض إيقاع الفرقة وصد التيار الذي بدأ يكتسح الأشواك أمامه ، حتى بلغ السيل الزبى ، فتصاعد عدد المستبصرين إلى الملايين بفضل الوعي الإسلامي الصحيح وهذا ما يغيظ الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا .
أيها الطالب للحق إعلم أيدك الله ورعاك ، إنا كشيعة إمامية لو فعلنا ما فعلوا لزاد النار اواراً ، لكننا استعملنا عقولنا وقلنا لهم بيننا وبينكم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو يقول: ((ما آتاكم الرسول فخذوه و مانهاكم عنه فانتهوا )) وإن ما آتانا به الرسول وأمرنا بالتمسك به قوله (صلى الله عليه وآله): (إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي) (أخرجه الترمذي عن جابر) وهذا هو المعروف بحديث الثقلين وقد صدع به (صلى الله عليه وآله) في ستة مواطن تأكيداً على أهميته ، منها يوم الطائف، ويوم عرفة، ومسجد الخيف، بمنى ويوم الغدير، وقبل موته بأيام يسيرة، وسادسها في حجرته وقد غصت بأصحابه ، وفي هذا الموقف قال (صلى الله عليه وآله) : (أيها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي أهل بيتي ، فالمضيع لكتاب الله تعالى كالمضيع لسنتي ، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي ، أما إن ذلك لن يفترقا حتى اللقاء على الحوض) (على إمام البررة ج2 /4) .
فنحن والحمد لله تمسكنا بهم، وأخذنا بأحاديثهم كما أخذنا بأحاديثه (صلى الله عليه وآله) حتى ما صح ذلك عنه (صلى الله عليه وآله) وعنهم (عليهم السلام)، ولذلك موازين العلماء لمعرفة الحق وتمييز الصحيح عن غيره كما سيأتي بيانه، ولم نشطح كغيرنا ممن غالى بإفراط وقال: ((إن صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله)) وهذه المقولة تعني أن متون روايات البخاري هي في حجيتها كحجيه الفاظ القرآن الكريم إلا أنها تأتي بعدها في الرتبة، وهذه دعوى خطيرة ـ والأولى أن نسميها فطيرة ـ فالآيات القرآنية كلها بألفاظها قطعية الصدور وحجة على المسلمين الى يوم الدين، أما روايات البخاري فانها أخبار آحاد فهي ظنية الصدور فضلا عن دلالتها وأغلبها مروي بالمعنى، وكثيراً منها ما قطّعه البخاري ، فتجد الحديث الواحد مرويا في عدة أبواب وعدة كتب يختلف زيادة ونقصانا مع اتحاد الراوي، على أنا لو وافقناهم في تسمية صحيح البخاري بالجامع للأحاديث النبوية بتمام معنى الكلمة ، لتخلف عن ذلك المعنى الدقيق في عرضه الحوادث والسير والمغازي ومواقف صحابتة، بل وحتى أحاديث النساء، مثل قصة أم زرع وأبي زرع ، فأين هذا من الحديث النبوي الشريف .
إذن فتصور عصمة متون صحيح البخاري هو تصور عامي خاطئ ، وقد رد ذلك غير واحد من أعلام أهل السنة المحدثين فضلا عن المتقدمين من محمد رشيد رضا صاحب المنار، وكذلك ناصر الدين الألباني في (مقدمة شرح العقيدة الطحاوية 15 ط 2 بيروت المكتب الإسلامي 1366 هـ ) وغيرهما .

أما عن أسانيده فرجاله ـ وان قال المقدسي: ((في الرجل يخرّج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة))(هدى الساري 2 /144 جـ مصطفى محمد بمصر 1383 هـ)، بل وهذا من الاسفاف في القول ـ فإن فيهم من لا تلتقي بذمه الشفتان ، وحسبك أن ترجع الى مقدمة فتح الباري لابن حجر (هدي الساري) لتجد بنفسك العدد الضخم ممن جرحه علماء الجرح والتعديل، فقد ذكر في (ج2 ص11 هدي الساري): المتكلم فيهم بالضعف من رجال البخاري ثمانون رجلاً ، و في (ص23) من رجال مسلم مائة وستون رجلاً, وإذا قرأت تراجمهم وقد ساقهم ابن حجر على حروف الهجاء لوجدت فيهم ، متروكا، منكر الحديث غير مرضي ، ليس بثقة ولا مأمون ، مجهول ، كان يعلم المجان والمجون، فهذه كلها فيمن اسمه أحمد ، فما بالك ببقية الأسماء في سائر الحروف ، فأقرأ واضحك، وشر البلية ما يضحك!
إن الزاعم يتحامل بغير حق على الشيعة فينقل كلمات يقتطعها من جملة كلام لو نقله بتمامه لأفاد على عكس مرامه ، ومهما يكن فإن الزاعم من رجال التهويش والتشويش وجاهل حتى بمذهبه ، فلو لم يكن كذلك لعرف أن انقسام الفقهاء في الحديث كان منذ عهد التابعين واتباعهم من أئمة المذاهب إلى مدرستين:
1ـ مدرسة الرأي ومركزها الكوفة في العراق وزعيمها ربيعة الرأي، سمي بذلك لأنه كان يعرف بالرأي والقياس وهو من التابعين ، ومن أعلام هذه المدرسة أبو حنيفة إمام الأحناف .
2ـ مدرسة الحديث والآثر ، ومركزها المدينة المنورة ، وإمام المالكية مالك بن أنس من أعلامها.
ولم يكن الخلاف بين المدرستين حول حجية الحديث النبوي الشريف ، فجميعهم يقبلون على الحديث إن ثبت عندهم وصح لديهم ، فهو حجة يجب اتباعها عند الجميع، لكن الذي ميز المدرستين هو المنهج في قبول الحديث وردّه .
فمدرسة الحديث تقبل كل ما جاء من طرق معتبرة سندا عندهم ، أي ما كان سلسلة رواته عدولاً ثقات ، وان كان خبر آحاد ، بغض النظر عن موافقته للكتاب أو مخالفته ، وسواء وافق عمل وسيرة المسلمين أم لا ، بل اكتفى مالك حتى بعمل أهل المدينة فجعله مصدراً من مصادر التشريع في الحكم، بينما مدرسة الرأي ترفض هذا المنهج ولها منهج أشد دقة وسداداً حيث تنظر الحديث متناً وسندا ومدى توافقه مع القرآن الكريم أو آثار الصحابة ، ولهم في ذلك قواعد بنوا عليها منهجهم في النقد، ففي المتن يردونه ما دام يخالف الكتاب أو آثار الصحابة حتى ولو رواه مثلاً البخاري أو مسلم أو غيرهما بسند اعتمده أهل الحديث، وما أكثر الشواهد على رد أحاديث وردت في البخاري كان أبو حنيفة قد نقدها وردّها فجاء البخاري فأخرجها في صحيحه.
وهنا نسأل الأحناف اليوم لمن يتبعون في تلك الأحاديث قبولا ورداً ، لإمامهم أبي حنيفة إذ ردها قبل خلق البخاري ؟ أو للبخاري الذي رواها في صحيحه وهم يقدسون صحيحه بإفراط ؟
وقبل أن نفيض بذكر تلك الأحاديث إذ لا حاجة بنا الى ذكرها ، لكن أردنا أن نعلم الزاعم المهرج، أن انقسام الفقهاء إلى مدرستين ، مدرسة رأي ومدرسة أثر كان من عهد التابعين ، واستمر الحال على ذلك حتى بعد تميّز المذاهب الأربعة من أهل السنة، وكذلك كان الشيعة الإمامية، فقد حصل الانقسام بين فقهائهم منذ عهد الأئمة وما بعده فاتسعت أخيراً الهوة بين المحدثين (الإخباريين) والأصوليين ، فكان لكل منهم منهج خاص في قبول الحديث ونقده ، وقد أدلى كل فريق بحجته على صحة رأيه، فكان النقض والإبرام هو الذي وسع شقة الخصام ، وكل من الفريقين لا ينكر حجية الحديث ، ولكن في أسلوب التعامل معه من حيث السند، فضلا عن سلامة المتن في عدم مخالفة الكتاب ، وروايات العرض على الكتاب عند التعارض هي ميزان القبول والرد .
وهذا ما أخذ به حتى أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة عن إمام الشيعة أبو جعفر الباقر (عليه السلام) فقد قال : فعليك من الحديث بما تعرف العامة ، وإياك والشاذ منه ، فإنه حدثنا ابن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول (الله صلى الله عليه وآله) انه دعا اليهود فسألهم ، فحدثوه حتى كذبوا على عيسى ، فصعد النبي (صلى الله عليه وآله) المنبر فخطب الناس فقال : (إن الحديث سيفشو عني ، فما أتاكم عني مما يوافق القرآن فهو عني ، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس مني) فالاختلاف في المنهج عند من باب الاجتهاد لديه مفتوح ايسر من غيره من سد باب الاجتهاد ، وبقي يتوحل ويتحمل بين آراء المدرستين فليس من العقل أن يخوض من لا دربة له في إثارة مسائل لا يحسن الخوض فيها ويهاجم من يقول : أخذت ديني عمن أمرني ربي تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بالأخذ منه وأمرني بإتباعه ، فأعملت جهدي حين وصلتني الأحاديث عن أهل بيت العصمة وقد مرت عليها قرون وأكثرها أخبار آحاد ، ورواها أناس كثيرون الا انهم لم يكونوا جميعا بالمستوى المطلوب شأنهم شأن الرواة عند غير الشيعة ، ففيهم العدل الضابط الإمامي وفيهم من هو دونه، ولما كان التوثيق يجامع غير الإمامي وغير العدل فلا مانع في الأخذ بحديثه ما لم يصادم كتابا أو سنة ثابتة ، وهذا ليس فيه ما يشهر بقائله، بل هذه سيرة العلماء في جميع المذاهب .
ولو أن الزاعم من أي مذهب كان اطلع على ما يقوله الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ( باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن ج1 / 170) لم يهاجم الشيعة بان (ليس لهم علم معتبر في جمع الأحاديث …)، فإذا لم يكن لديهم علم كما زعم فمن أين للنووي أن يقول : ((وأما خبر الواحد : فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر، سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر ، واختلف في حكمه ، فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول : إن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ، ويفيد الظن ولا يفيد العلم ، وأن وجوب العمل به عرفناه من الشرع لا من العقل ، وذهبت القدرية (يقصد المعتزلة) والرافضة (يقصد الشيعة الإمامية) وبعض أهل الظاهر إلى انه لا يجب العمل به ، ثم منهم من يقول منع العمل به دليل العقل ، ومنهم من يقول : منع دليل الشرع)).
إذن ليس غرض الزاعم إلاّ التشويش والتحريش ، وسوف نذكر لك أن الشيعة هم أقدم في تدوين الحديث وعلومه من غيرهم ، ولكن الزاعم الكاذب يفتري عليهم بما هم منه براء فالله حسبه ، ولا علينا أن لا نجيبه ، لكن كرامة لك يا بركات نقول :
قال سبحانه وتعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ )) (النحل:104-105). إن زعم الزاعم بأن الشيعة (ليس لهم علم معتبر في جمع الأحاديث…) فهذا زعم باطل، ولو أنصف الزاعم نفسه قبل غيره لم يقل هذا ، فلنسأله عن صحيح البخاري وهو عنده أصح كتاب بعد كتاب الله (؟) كم هي الأحاديث التي أخرجها فيه عن كتاب علي (صحيفة علي) وعليه أن يراجع باب كتابة العلم ، وباب إثم من تبرأ من مواليه ، وفي نفس صحيح البخاري في أبواب العلم : وكتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن حزم : أنظر ما كان من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاكتبه …
فاسأل هذا الزاعم من كان أقدم زماناً في حفظ الحديث وتدوينه علي (عليه السلام) أم عمر بن عبد العزيز ؟ فشهادة الإمام (عليه السلام) كانت في سنة 41 هـ ووفاة عمر بن عبد العزيز سنة 101هـ ، فكتاب فيه تدوين الحديث النبوي عند الشيعة قبل أن يكون للسنة كتاب مدون فيه بأكثر من ستين سنة ، وكتاب الإمام علي (عليه السلام) بقي متداولا عند الأئمة (عليهم السلام)، ثم عند أصحابهم أحاديث ذلك الكتاب ، ولو أنه راجع كتاب (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) للمرحوم الحجة السيد حسن الصدر لكان يطلع فيه على نصوص منقولة من مصادر مقبولة عند الفريقين تثبت أن السبق كان للشيعة في تدوين الحديث، فإن أول من جمع الحديث النبوي بعد الإمام علي (عليه السلام) هو أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال النجاشي في ترجمته : ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا ثم ذكر اسناده اليه باباً باباً ، الصلاة والصيام والحج والزكاة والقضايا .وإذا عرفت أن وفاة أبي رافع كانت في أول خلافة علي (عليه السلام) على الصحيح كما يقول ابن حجر في التقريب وأول خلافته كانت سنة 35 هـ فلا أقدم من أبي رافع بالتأليف بالضرورة !
وأول من صنف في الآثار هو سلمان المحمدي ، ثم أبو ذر، ثم الأصبغ بن نباتة، ثم عبيد الله بن أبي رافع وهذا كان كاتب علي (عليه السلام) وهو ثقة كما يقول ابن حجر في التقريب ، وهكذا استمر الشيعة في التأليف من عهد الصحابة ثم التابعين وتابعي التابعين ، وتجد أسماء تآليفهم في الحديث و التفسير والآثار والرجال وسائر فنون المعرفة ، راجع (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام). هذا جواب (علم الحديث عند الرافضة).

وأما جواب (الجرح والتعديل عند الشيعة)،
فلا نطيل المقام عنده وحسب الزاعم الكذوب مراجعة كتاب (ميزان الإعتدال) للذهبي و(لسان الميزان) لابن حجر العسقلاني، ليرى كم هم رجال الشيعة الذين ورد تراجمهم في الكتابين ؟ ومن أين أخذا المعلومات عنهم ؟ خصوصا الثاني : فإن (انتخاب الحسان من لسان الميزان) وهو اسم كتاب لبعضهم استخرج فيه أسماء الشيعة الذين ذكرهم ابن حجر العسقلاني ، وترجم لهم اعتماداً على مصادر شيعية في الرجال وفيها مصنفات في الجرح والتعديل ، فذكر منها : (فهرست النجاشي، وفهرست الطوسي، وفهرست ابن بابويه ـ منتجب الدين ـ ورجال ابن أبي طي، ورجال ابن عقدة وو …) فليراجع الزاعم ليرى انه قد بلغ عدد الرجال الحسان (725) رجلاً كلهم نقل ابن حجر تراجمهم من مصادر شيعية في الرجال جرحا وتعديلا ، ومع هذا فلم يستوف جميع المصادر فكيف يقول الزاعم : ((لم يكن للشيعة كتاب في أحوال الرجال حتى ألف الكاشاني في المائة الرابعة كتاباً لهم في ذلك وهو كتاب غاية في الاختصار ، وقد أورد فيه أخباراً متعارضة في الجرح والتعديل…)) ؟!
ونحسب أن سهواً حصل في تسمية (الكاشاني) لجعله من أهل المائة الرابعة ، فإن الكاشاني هو ملا محسن الفيض صاحب (الوافي) وغيره وهو متوفى سنة 1091 هـ فهو من أهل المائة الحادية عشرة لا المائة الرابعة ، إن ليس هو المراد قطعا ، ولعل المراد (الكشي) الذي هو من أعلام المائة الرابعة ، ولكن مع ذلك لو سلمنا أنه المراد في المقام ، فزعم الزاعم باطل ، لأن قبله من رجال الشيعة الذين لهم كتب في الرجال ، وتناولوا فيها بيان أحوالهم جماعة نذكر منهم لا على سبيل الاستقصاء ، بل للتذكرة لمن يخشى .
فمنهم الحسن بن فضال الكوفي المتوفى سنة 224 هـ ترجمة النجاشي وعد من كتبه (كتاب الرجال).
ومنهم الحسن بن محبوب السراد المتوفى سن 224 هـ عن خمس وسبعين سنة كما أرخه الكشي له كتاب (المشيخة) وكتاب (معرفة رواة الأخبار) كما في (معالم العلماء) لابن شهرآشوب.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي الذي كان من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) المتوفى سنة 203 هـ، وقد ذكره ابن النديم في الفهرست في أول الفن الخامس من المقالة السادسة في أخبار فقهاء الشيعة وعد من تصانيفه (كتاب الرجال) في ذكر من روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ومنهم علي بن الحكم بن الزبير النخعي الأنباري أبو الحسن الغرير، وكان تلميذ ابن أبي عمير وعن كتابه في الرجال نقل ابن حجر في (لسان الميزان) بعض تراجم الشيعة منها في (ج2 / 188طـ حيدر آباد) ترجمة حسان بن أبي عيسى الصيقلي الراوي عنه الحسن بن علي بن يقطين ، ومنها في (ج1 / 66) ترجمة ابراهيم بن سنان، ومنها في (ج1 / 78) ترجمة ابراهيم بن عبد العزيز وانهما من أصحاب الصادق (عليه السلام).
ومنهم أحمد بن محمد البرقي المتوفى سنة 274 هـ او سنة 280 هـ له كتاب الرجال ، وقد وصلت نسخته الينا وهو مطبوع .
فكل هؤلاء وغيرهم من لم نأت على ذكرهم قبل الكشي وقد تناولوا أحوال الرجال جرحا وتعديلا وتأريخاً ، ولكن الأعمى عن الحق لا يريد أن يبصر الحقيقة .

وأما قوله: ((وقد كان التأليف في أصول الحديث وعلومه معدوما عندهم حتى ظهر زين الدين العاملي (الملقب عندهم بالشهيد الثاني و متوفي سنة 965 هـ) ، فيقول شيخهم الحائري : ومن المعلومات التي لا يشك فيها أحد انه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني، (مقتبس الأثر ج3 / 73)).
فالجواب: انه زعم باطل باعتراف أئمة أهل الحديث من العامة ! وذلك ان أول من تصدر لمعرفة علوم الحديث هو الحاكم النيسابوري ، وقد نص في (كشف الظنون) في باب حرف الميم ما نصه: ((معرفة علوم الحديث أول من تصدر له الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري المتوفي سنة خمس وأربعمائة .. وهو خمسة أجزاء مشتملة على خمسين نوعاً ، وتبعه في ذلك ابن الصلاح فذكر من أنواع الحديث خمسة وستين نوعا)) انتهى (لاحظ ج2 / 126 ط الاستانة الأولى)، وقال في (ج2 / 129 ط وزارة المعارف التركية) : ((فأول من تصدر له الحاكم أبو عبد الله، وعمل عليه أبو نعيم مستخرجاً ثم جاء الخطيب فعمل الكتابين وهما الجامع لأخلاق الراوي, وآداب السامع, والكفاية في معرفة قوانين الرواية)) .
اذا عرفت هذا فقد نص السمعاني وابن تيمية والذهبي على تشيع الحاكم المذكور .
قال الذهبي في (تذكرة الحفاظ) في ترجمة الحاكم : قال ابن طاهر سألت أبا اسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال : ثقة في الحديث ، رافضي خبيث ، ثم قال ابن طاهر : كان شديد التعصب للشيعة في الباطن ، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة ، وكان منحرفا عن معاوية وآله ، متظاهرا بذلك ولا يعتذر منه ، قلت ـ والقائل الذهبي ـ أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، أما أمر الشيخين فمعظم لهما بكل حال فهو شيعي لا رافضي .
فقد بان كذب زعمه ((وقد كان التأليف في أصول الحديث وعلومه معدوما عندهم حتى ظهر زين الدين العاملي الملقب عندهم بالشهيد الثاني متوفى 965)) ، وأيضاً فان السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس المتوفي 673 هـ وهو استاذ العلامة الحلي هو واضع الاصطلاح الجديد للإمامية في صحيح الحديث وحسنه وموثقه وضعيفه كما نص عليه كل علماء الرجال في ترجمته قدس سره .
ويأتي بعده السيد علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي صاحب (شرح أصول دراية الحديث) وهو من علماء المائة الثامنة ، ويروي عن العلامة الحلي وهو استاذ ابن فهد الحلي. وهؤلاء الأعلام كلهم قبل زمان الشهيد الثاني المتوفي 965 هـ فأين صار زعمه ؟

وأما ما نقله عن الحائري، ففيه تلبيس وغموض! وعلى فرض صحته فهو وهم منه يدفعه الوجدان، وكذلك ما نقله عن الفيض الكاشاني فانه ـ الفيض لما كان من المحدثين ـ فقد قال في تصويب طريقة القدماء في تقسيم الحديث ، ونقد طريقة السيد ابن طاووس والعلامة ومن تبعهما في تقسيم الحديث الى الأقسام الثلاثة الصحيح والحسن والموثق، فقد قال في (الوافي ص11) : قد اصطلح متأخروا فقهائنا على تنويع الحديث المعتبر في صحيح وحسن وموثق ، فان كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق سموه صحيحا ، أو إماميين ممدوحين من دونه كلا أو بعضا مع توثيق الباقي سموه حسنا ، أو كان كلا أو بعضا غير إماميين مع توثيق الكل سموه موثقاً . وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا قدس الله أرواحهم : بل كان المتعارف بينهم اطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به والركون اليه كوجوده في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم ، و كتكرره في اصل أو أصلين منها فصاعد بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة ، وكوجوده في اصل معروف الانتساب الى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار ، أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن … أو على العمل بروايتهم كعمار الساباطي ونظرائه وكإدراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فأثنوا على مؤلفيها، ككتاب عبيد الله الحلبي الذي عرض على الصادق(عليه السلام) وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري(عليه السلام). وكأخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الإمامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإمامية ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري ، وقد جرى صاحبا كتابي الكافي والفقيه على متعارف المتقدمين في اطلاق الصحيح على ما يركن اليه ويعتمد عليه فحكما بصحة جميع ما أورداه في كتابيهما من الأحاديث وان لم يكن كثير منه صحيحها على مصطلح المتأخرين .
إلى أن قال : وعلى هذا جرى العلامة والشهيد في مواضع من كتبهما مع انهما الأصل في الاصطلاح الجديد ، وربما يقال الباعث لهم على العدول عن طريقة القدماء طول المدة واندراس بعض الأصول المعتمدة والتباس الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة …
الى أن قال في (ص12 :(وبعد فإن في الجرح والتعديل وشرايطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا يكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها ، فالأولى الوقوف على طريقة القدماء وعدم الاعتناء بهذا الإصطلاح المستحدث رأسا وقطعا والخروج عن هذه المضايق ، نعم اذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترجيح بينهما فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعديل المنقولين عن المشايخ فيهم . ونبني الحكم على ذلك ، كما أشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهم عليهم السلام : فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما وأصدق في الحديث ، وهو أحد وجوه التراجيح المنصوص عليها …
هذا ما قاله الفيض رحمه الله نقلناه باقتضاب لينكشف زعم الكذاّب حين أخذ فقرة من كلامه اقتطعها عما سبقها ولحق بها ما أخل بالمعنى الذي أراده الفيض فلاحظ، فهل في هذا دلالة على عدم الوثوق بالأحاديث كما زعم الزاعم .
ثم إن قوله : ((واسمعوا معي الآن المصيبة الكبرى يقول الحر العاملي معرفاً الحديث الصحيح بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها عند التحقيق ، لان الصحيح ـ عندهم ـ ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات ، ولم ينصوا على عدالة أحد من الرواة … الخ )).
ألا نسأل هذا الزاعم الكاذب كيف يتسق التعريف للحديث الصحيح مع الإبتداء بحرف (بل) الدال على الاضراب، قال في القاموس : ((وبل حرف إضراب إن تلاها جملة معنى الإضراب ، إما الإبطال كسبحانه بل عباد مكرمون ، وأما الانتقال من غرض إلى غرض آخر (فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا ) وان تلاها مفرد فهي عاطفة ، ثم إن تقدمها أمر وإيجاب كاضرب زيداً بل عمراً ، أو قام زيد بل عمرو ، فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حالة ، وجعل ضده كما بعدها ، وأجيز أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي الى ما بعدها ، فيصح ما زيد قائماً بل قاعداً وبل قاعدٌ…)).

نقول : إنما ذكرنا للقارئ أولا أحكام (بل) ليرى بنفسه كيف يكون الدجل والتضليل عند الزاعم الكاذب ، فهل ما نسب الى الحر العاملي بقوله بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها عند التحقيق … الخ، يكون هذا معرفا للحديث الصحيح ؟
أليس كان اللازم وواجب الأمانة نقل الكلام السابق على (بل) ليصح فيه الإضراب، ثم إن بقية ما ذكره من كلام الحر العاملي (لأن الصحيح ـ عندهم ـ ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات ، ولم ينصوا على عدالة احد من الرواة الا نادراً، وأنما نصوا على التوثيق ، وهو لا يستلزم العدالة قطعا ،بل بينهما عموم من وجه، كما صرح به الشهيد الثاني وغيره، ودعوى بعض المتأخرين أن (الثقة) بمعنى (العدل الضابط) ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها ، وكيف وهم مصرحون بخلافها ، وحيث يوثقون من يعتقدون فسقه ، وكفره وفساد مذهبه) فهذا لا يدل على ما استنتجه حيث قال : ((فنستنتج من كلام العاملي أن ـ :
1- أحاديث الشيعة كلها ضعيفة
2- لم ينص المصححين (كذا والصواب المصححون) للأحاديث على عدالة الراوي ، إنما نصوا على التوثيق فقط .
3- وثق العلماء الفسّاق والكفار واصحاب المذاهب الفاسدة …
ليس بهذا التضليل واللف والدوران والخداع تبحث الحقائق ، إنها لمصيبة كبرى ، ومهما يكن، فإني أعرض للقارئ باختصار ماذا أراد الحر العاملي بكلامه الذي أساء الزاعم الكاذب نقله :
أن الحر العاملي وهو فقيه محدّث ذكر في خاتمة كتابه (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) عدة فوائد، كانت الفائدة التاسعة: في ذكر الأدلة على صحة أحاديث الكتب المعتمدة تفصيلا ووجوب العمل بها ، بعد أن ذكر في الفائدة السادسة مثل ذلك اجمالا ، وساق في هذه الفائدة ـ التاسعة ـ اثنين وعشرين وجهاً ، حاول إثبات مرامه ما أمكنه في تقوية طريقة القدماء ونقد المصطلح الجديد وقد رتب تلك الوجوه بحيث أن بعضها ليس بمعزل عما سبقه، فلابد لمن أراد فهمها أن يحيط بها جميعا ، وما نقله الزاعم انما هو فقرات من الوجه الرابع عشر الذي هو مترتب فهما على الثالث عشر .
والآن نذكر منهما ما يتبين به الحق، قال : (الثالث عشر ، ان الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئة جميع الطائفة المحقة … (الرابع عشر) ـ يعني الاصطلاح الجديد – يستلزم ضعف اكثر الأحاديث التي قد علم نقلها من الأصول المجمع عليها ، لأجل – ضعف بعض رواتها ، أو جهالتهم ، أو عدم توثيقهم…
بل يستلزم ـ الاصطلاح الجديد ضعف الأحاديث كلها عند التحقيق ، لأن الصحيح عندهم ما رواه العدل الامامي ، الضابط في جميع الطبقات ، الى اخر ما نقله الزاعم عنه، ثم قال الحر : وانما المراد بالثقة ، من يوثق بخبره ، ويؤمن منه الكذب عادة ، والتتبع شاهد به وقد صرّح بذلك جماعة من المتقدمين والمتأخرين ، ومن المعلوم الذي لا ريب فيه عند منصف ان الثقة تجامع الفسق ، بل الكفر .
واصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا ـ في الراوي ـ العدالة ، ليلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا لعدم العلم بعدالة أحد منهم الا نادرا ، ففي أحداث هذا الاصطلاح غفلة من جهات متعددة كما ترى .
نقول: إن الزاعم لما كان غرضه التهويش والتشويش عمد الى نقل كلام المحدثين- (الاخباريين ) في رد ونقد المصطلح الجديد في تمييز الحديث، وليته نقله كما هو بحذافيره ليتبين للقارئ وجه الحقيقة ، ولكنه بتر الكلام فشوه الحقيقة، ولقد نقد الاصوليون تلك الحجج بوجوه واضحة وردود حاسمة ، حتى أن السيد الاستاذ المحقق الإمام الخوئي قدس سره قال في مقدمة كتابه (معجم رجال الحديث ج1 / 29 ط الأولى في النجف : ((وقد ذكر صاحب الوسائل لإثبات ما ادعاه من صحة ما أودعه في كتابه من الأخبار وصدورها من المعصومين عليهم السلام وجوها سماها أدلة ، ولا يرجع شيء منها الى محصّل ، ولا يترتب على التعرض لها والجواب عنها غير تضييع الوقت…)) .
كما شجب مسلك الإخباريين في الأخذ بجميع ما في الكتب الأربعة ـ الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار ـ بل وألحق بعضهم الأخذ ببقية ما وصل الينا من كتب القدماء كالمحاسن وبصائر الدرجات وبقية الأصول الأربعمائة ، فقد شجب ذلك المسلك غير واحد من اعلام الاصولييين ، وإن في مقدمة كتاب (وسائل الشيعة) للحجة العلم التقي السيد محسن الاعرجي الكاظمي ما يفي ويغني، (راجع ص2 ـ 8 ط حدرية) ، ولم يكن من دونه المرحوم الحجة الشيخ محمد حسن البارفروشي المازندراني المتوفى 1345 هـ في كتاب (نتيجة المقال ص 65 فما بعدها ط حجرية 1284 هـ سنة 1320 هـ) وغيرهم وغيرهم .
ولو كان الزاعم صادقاً في غرضه لنقل كلام الأصوليين أيضاً في نقدهم لحجج الإخباريين، ولتبين للقارئ الحق وان لا نقاش لدى كل فريق في صحة الخبر عند قيام الحجة على صدقة ، الا ان مسالكهم تختلف في تنويع الحديث ، فالقدماء لقرب عهدهم بالأئمة الأطهار عليهم السلام كان من السهل عليهم تحصيل القطع بصدور الأحاديث عنهم (عليه السلام) لكثرة القرائن الدالة على ذلك فلا حاجة الى التفتيش عن رجال السند كي يضطروا إلى هذا التنويع، وهذا ما لا ينكره الاخباريون ولا الاصوليون ، أما المتأخرون فلما بعد زمانهم عن زمان صدور الحديث ، وخفيت عليهم تلك القرائن الدالة على صدق الحديث، فقد رأوا ان لا مناص لهم من تنويع الحديث بلحاظ السند وصفات الراوي ، ومن أراد مزيدا من الإيضاح فليرجع الى ما تقدم ذكره من المصادر وغيرها، وفي حجية خبر الواحد في ابحاث الأصول ، ليتبين له أن الزاعم الكاذب غرضه التهويش والتشويش، يدلك على ذلك ما ذكره أخيراً من خبر الفيض بن المختار نقلا عن البحار عن الكشي، فهو خبر ضعيف أولا، وثانياً لم ينقله بنصه لئلا يعرف القارئ مدى خيانته في النقل ، واليك الحديث عن مصدره الأول (الكشي ص135 برقم / 216 تحـ حسن المصطفوي) :
216 محمد بن قولوية، قال: حدثني سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يوما ودخل عليه الفيض ابن المختار ، فذكر له آية من كتاب الله عزّوجلّ تأولها ابو عبد الله (عليه السلام)، فقال له الفيض: جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم ؟ قال : وأي الاختلاف يافيض ؟ فقال له الفيض: إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم حتى ارجع الى المفضل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح اليه نفسي ويطمئن اليه قلبي ، فقال ابو عبد الله (عليه السلام) : أجل هو كما ذكرت يا فيض : إن الناس قد أولعوا بالكذب علينا ، إن (كأن) الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره وإني أحدّث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير تأويله ، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وانما يطلبون الدنيا ، وكل يجب أن يدعى رأسا ، انه ليس من عبد يرفع نفسه الا وضعه الله وما من عبد وضع نفسه الا رفعه الله وشرّفه ، فإذا أردت بحديثنا فعليك بهذا الجالس، وأومأ إلى رجل من أصحابه ، فسألت أصحابنا عنه، فقالوا : زرارة بن أعين 1 هـ
فهذا الخبر في سنده محمد بن سنان وهو مختلف فيه توثيقاً ، ولو أغمضنا النظر عن السند فليس في المتن ما يستوجب التشهير بالشيعة كما يروم الزاعم، بل على العكس، ففيه مدح وفيه دلالة على ان هناك فئة تتورع في سماع الحديث فلا تقبله من كل أحد لاحتياطهم ومنهم الفيض بن المختار ، كما دلّ على أن ناساً يحسبون على الشيعة من الفرق الضالة يسمعون الحديث فيأولونه على غير تأويله فلا مهم أبو عبد الله (عليه السلام)، ودلّ ايضا على ان هناك من هو مأمون على الحديث مثل زرارة الذي أومأ إليه ابو عبد الله عليه السلام ودل الفيض على الأخذ منه ، فأين ما يروم الزاعم التشهير به على الشيعة ؟
ولسنا في المقام بصدد ذكر ما عند المذاهب الأخرى من مفارقات ومنابذات ، ولكن هل للزاعم الذي يهيب بالشيعي أن يتأمل ما ذكره وسماه بالحقائق !!
فهل هو تأمل في تراثه ورآه خلو من العيب ولا يتطرقه الريب, فرمى بيوت الآخرين بالاحجار وما درى ان بيته من زجاج!! ثم هل له أن يجيب من يقول له ان الصحاح الست عندكم أصحها صحيح البخاري وهو فيما تزعمون اصح كتاب بعد كتاب الله ، وفي هذا الصحيح من سفاسف الحديث المكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يسقطه عن الاعتبار، وليس صحيح مسلم من دونه في هذه الجهة ، والى القارئ نماذج قليلة مما فيه مخالفة لكتاب الله تعالى والثابت من سنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
فنهيب بالسني بما أهاب به الزاعم للشيعي ان ينظر في تراثه من جديد فالحاجة ماسّة الى إعادة النظر لتنكشف الحقائق أمامه ، ولا ندعوه الى هدم السنة ، فان ذلك هدم للدين ، ولكن عليه أن يتورّع في أخذ معالم دينه عمن يكون حجة بينه وبين ربه تعالى ، وفي ذلك عودة الى الذات الصحيحة التي تدعو الى نبذ العقل التسليمي النقلي كما نبذه عمر بن الخطاب حين نقد أبا هريرة على كثرة حديثه ، بل وحتى ضربه بالدرة .
أليس عمر خليفة المسلمين وأبو هريرة راوية الإسلام كما يسمونه ، فليس في الرجوع الى الذات الصحيحة ما يستدعي تعطيل العقل الواعي ، بل بالعكس فهو ـ الرجوع الى الذات الصحيحة ـ ينبذ العنف والتشنج ، ويشارك في معرفة الصحيح من التراث المقبول على ضوء الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فقد حدث أبو يوسف القاضي ـ صاحب أبي حنيفة ـ قال حدثنا ابن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): انه دعا اليهود فسألهم، فحدثوه حتى كذبوا على عيسى، فصعد المنبر ، فخطب الناس فقال : ان الحديث سيفشو عني ، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني ، وما أتاكم عني مخالفا القرآن فليس عني) (نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث / إسماعيل الكردي / 11 ط دار الأوائل سنة 2002 م).
(ان النصوص التي نسبت الى النبي الكريم هي نصوص أحادية رواها شخص واحد او شخصان ، ثم ولا أحد يستطيع أن يؤكد ويجزم أن تلك الأحاديث هي بألفاظها نفسها كما نطقها النبي الكريم).
ولنختم الكلام مع الزاعم الكاذب مهما كان ومن يكون من أهل المذاهب, نسأله ما رأيه فيما قاله شيخ اسلامه ابن تيمية وقد ترحم عليه ، وهو من أهل الأثر ذوي المشرب الظاهري يرى الصحة القطعية ، وإفادة العلم لكل ما اتفق عليه الشيخان ، إلا انه مع ذلك يقرر قائلا (كما جاء في (مجموع فتاواه ج13 / ص 352 ـ 353 ) :
وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ ، فإنهم يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور و يستدلّون بها ، ويسمّون هذا (علم علل الحديث) وهو من أشرف علومهم ، بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط ، وغلط فيه ، وغلطه فيه عرف أما بسبب ظاهر كما عرفوا أن النبي تزوج ميمونة وهو حلال (أي من الإحرام) وانه صلى في البيت ركعتين ، وجعلوا رواية ابن عباس تزوجها حراما (أي وهو محرم). ((هذه الرواية التي يعترف شيخ اسلامهم انها مما وقع فيها الغلط ، أخرجها الشيخان البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد / 78 باب تزوج المحرم / 12 حديث 1837 ، وفي صحيح مسلم : كتاب النكاح / حديث 46 و 47)) ، ولكونه لم يصل مما وقع فيه الغلط.
وكذلك انه اعتمر أربع عمر ، وعلموا ان قول ابن عمر: (أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج / 15 باب عدد عمر النبي وزمانهن / 35 حديث / 219 ـ 220 وفي الحديثين ايضا تخطئة عائشة لابن عمر) انه اعتمر في رجب مما وقع فيه الغلط .
وعلموا أنه تمتع وهو آمن في حجة الوداع ، وان قول عثمان لعلي (كنا يومئذ خائفين) مما وقع فيه الغلط .
وأن ما وقع في بعض طرق البخاري (لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا آخر) ((يشير الى رواية صحيح البخاري في كتاب التوحيد باب ما جاء في قول الله تعالى (ان رحمت الله قريب من المحسنين ) حديث / 7446 بسنده عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اختصمت الجنة والنار الى ربهما فقالت الجنة: يا رب، ما لها لا يدخلها الا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار: يعني اؤثرت بالمتكبرين فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي ، وقال للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، قال : فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً، وإنه ينشيء للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد ؟ ثلاثا ، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها الى بعض وتقول قط قط قط .
قال ابن حجر في الفتح (1 / 437) : قال جماعة من الأئمة ان هذا الموضع مقلوب ، جزم ابن القيم بانه غلط ، واحتج بأن الله أخبر بان جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه ، وكذا انكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله تعالى (ولا يظلم ربك أحداً) 1 هـ فليقرأ السني هذا بإمعان وليعرف عمن يأخذ دينه ، من كتاب هو عيبة سفاسف لا الجامع الصحيح كما سموّه)) مما وقع فيه الغلط , وهذا كثير).

نقول: للزاعم المهرج ارأيت كيف حمل شيخ إسلامك على رموز أعلامك ، وكشف الغطاء عن بعض موارد الغلط والشطط عند زوامل الأسفار الذين يرون في صحيح البخاري انه اصح كتاب بعد كتاب الله . ؟؟
ولم يسلم صحيح مسلم من نقده فقد قال في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح (ج1 / 361) : (بل وكذلك في صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط فيها الراوي ، وفي تفسير الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبين غلطها).
ثم ذكر الغلط في حديث خلق الله الزبد والاختلاف في عدد ركوعات صلاة الكسوف، ثم قال : (فمثل هذا الغلط اذا وقع كان في نفس الأحاديث الصحيحة ما يبين أنه غلط ، والبخاري اذا روى الحديث بطرق في بعضها غلط في بعض الألفاظ ذكر معها الطرق التي تبين ذلك الغلط ، كما قد بسطنا الكلام عليه في موضعه) وقال ايضاً في مجموع فتاواه (كما جاء في 18 / ص 17 ـ 19) (وما قد يسمى صحيحا ما يصححه علماء الحديث ، وآخرون يخالفونهم في تصحيحه فيقولون هو ضعيف ليس بصحيح/ مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه ونازعه في صحتها غيره من أهل العلم، إما مثله او دونه أو فوقه ، فهذا لا يجزم بصدقه الا بدليل ، مثل حديث ابن وعلة عن ابن عباس ان رسول الله قال : أيّما إهاب دبغ فقد طهر ، فإن هذا انفرد به مسلم عن البخاري وقد ضعفه الإمام أحمد وغيره ، وقد رواه مسلم) ثم ذكر عدة موارد أخرى ولا أريد أن أطيل الوقوف عند هذا الباب ، فإنه لا يخلو منه كتاب غير كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

وكم من دراسات حديثة صدرت حول كتابي البخاري ومسلم وغيرهما من بقية الصحاح فأبانت عن الأخطاء والأوهام في المتون والأسانيد في تلك الكتب التي يسمونها أصحابها والمتعبدون بالأخذ بما فيها بالصحاح ، وهي فيها من الشاذة والمرودة لنكارة فيها سنداً أو متناً ، وتعجبني كلمة الإمام الحافظ المحدث العلامة أبي الفيض احمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني (1380هـ) قالها في خاتمة كتابه (المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير) – بعد أن ذكر العمدة في معرفة الحديث الموضوع – ومنها وجود النكارة الظاهرة في متنه بركاكة اللفظ أو مخالفة المعنى للثابت المعروف وان كان سنده صحيحا .
قال : ((ومنها أحاديث الصحيحين فان فيها ما هو مقطوع ببطلانه فلا تغتر بذلك، ولا تتهيب الحكم عليه بالوضع لما يذكرونه من الاجماع على صحة ما فيهما ، فإنها دعوى فارغة لا تثبت عند البحث والتمحيص ، فإن الإجماع على صحة جميع أحاديث الصحيحين غير معقول ولا واقع …)) (المغير على الاحاديث الموضوعة في الجامع الصغير : 136 ـ 139 بيروت دار الرائد ـ سنة 1402 هـ، نقلا بواسطة نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ، اسماعيل الكردي ، دار الأوائل سنة 2002( .
وقد أقره على ذلك الشيخ ناصر الدين الالباني المحدث المشهور في مقدمة كتابه (آداب الزفاف (ص / 60) بعد ذكره عبارة الغماري تلك (وذه اما لا يشك فيه كل باحث متمرس في هذه العلم ، وقد كنت ذكرت نحوه في مقدمة شرح الطحاوية) الخ وقال الألباني في ارواء الغليل (ج5 / 33) وأم القول بأن من روى له البخاري فقد جاوز القنطرة ، فهو لا يلتفت اليه اهل التحقيق ، كأمثال ابن حجر العسقلاني ، ومن له أطلاع لاباس به على كتاب (التقريب) يعلم صدق ما نقول .(
وأخيراً فانا نهيب بكل سني باحث عن الحق وليس التعصب الأعمى ، أن يتأمل هذه الحقائق ، ويعرف الأسس التي بنى عليها دينه ، وأن الأحاديث التي في الصحاح وخصوصا في الصحيحين فيها أخبار ضعيفة وشاذة ومنكرة بل و موضوعة ، بمعنى انها أحاديث مكذوبة ، وضعها الكذابون والمفسدون لأغراض مهينة ومشينة ، فليتق الله ربه ولا تخدعه زبرجة الألقاب، والله هو الهادي الى الصواب .

وأما ما جاء في آخر المسائل : من رد على كتاب البرقعي … وكتاب حيدر علي قلمداران القمي.
فالجواب: لو أراد الشيعة ان ينصبوا أنفسهم للرد على كل كتاب يتناولهم بالسب والتهريج ، لأضاعوا أوقاتهم في غير ما فائدة ، فإن سما سرة الأقلام المشتراة في كل زمان ومكان ليس عندهم من جديد ما يفيد بل هو اجترار طعام الآخرين من الأولين السابقين، وما صدر عن اعلام الشيعة في جواب أولئك يكفي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله الميامين الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين .
ومما ينسب الى الامام الشافعي (كما في (لماذا اخترت مذهب أهل البيت) للشيخ محمد مرعي الأمين الانطاكي نزيل حلب ـ سورية / ص 25 / ط 3 – 1382 هـ)

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم ***** مذاهبهم في ابحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا ***** وهم اهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وامسكت حبل الله وهو ولاؤهم ***** كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
اذا افترقت في الناس سبعون فرقة ***** ونيف كما قد جاء في محكم النقل
ولم يك ناج منهم غير فرقة ***** فقل لي بها ياذا التفكر والعقل
أفي الفرق الهلاك آل محمد ***** أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي
فإن قلت في الناجين فالقول واحد ***** وإن قلت في الهلاك حدت عن العدل
إذا كان مولى القوم منهم فإنني ***** رضيت بهم لازال في ظلهم ظلي
فخلوا عليا لي وليا ونسله ***** وأنتم من الباقين في أوسع الحلّ

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here