دعوة لإلغاء الأجنحة الخاصة في المستشفيات الحكومية

السؤال الذي يتم طرحه باستمرار هل إن ( إسقاط النظام ) هدفه الوحيد هو التخلص من رأس النظام ومن تثبت عليه جرائم الإبادة الجماعية والثراء على حساب الشعب أم إن الغرض هو تحقيق رفاهية الشعب وإلغاء كل ما يعيق فقره ومعاناته التي سببتها الحروب والحصار والتي امتدت لعقود ؟ ، والإجابة عن هذا السؤال ليست عسيرة لأن عام 2005 شهد ولادة دستور جديد وصفوه بأنه واحدا من أفضل الدساتير في مجال حقوق الإنسان وتوفير متطلبات العيش الكريم ، ( وبغض النظر عن المواضيع الأخرى فيه لأننا سنهتم بعنوان المقالة ) ، فقد بانت بعضا من علامات فرح العراقيين عند إلغاء العمل بالتمويل الذاتي في القطاع الصحي وتقديم الخدمات الوقائية والعلاجية مجانا لعموم المواطنين لا بمنة أو صدقة من احد ولكن لأن تمويل هذه الخدمات يتم من خلال الموازنة الاتحادية التي اغلب إيراداتها من تصدير وبيع النفط ، بمعنى إن الخدمات الصحية هي من ثروات العراقيين ومن حقهم التمتع باللياقة الصحية بدنيا وعقليا ونفسيا استنادا لكل المعايير والمواثيق العالمية التي تنادي بها معظم المنظمات الدولية ومنها منظمة الصحة العالمية ( ( WHO، ولم يدوم هذا العرس طويلا إذ سرعان ما ظهرت ( قوارض ) تدعوا إلى تقليص الإنفاق الحكومي في الجانب الصحي ، فعند بحثهم في الأوراق والدفاتر القديمة وجدوا نصا في قانون العيادات الطبية الشعبية رقم 89 لسنة 1986 التي تتبع نظام التمويل الذاتي يسمح بتحويل جزءا من الخدمات الصحية من المجانية إلى مدفوعة الثمن بأجور أسموها ( رمزية ) ، وبدلا من إلغاء هذا القانون لأنه من إرث ( النظام البائد ) ويختص بالعيادات الطبية الشعبية التي أصبحت لاهي عيادات لأنها تستغل المراكز الصحية الحكومية الصباحية بعد انتهاء الدوام الصباحي ولا هي طبية لأنها لا تستقطب الملاكات الطبية عالية الخبرة والتخصص ولا هي شعبية لأنها تتقاضى أجورا من المراجعين أكثر من المؤسسات الصباحية ولا تتوفر فيها العلاجات ، ولكي تبقى وتستمر فقد تحولت أهدافها إلى ( ربحية ) من خلال مجموعة من الفعاليات النفعية البعيدة عن أهدافها الحقيقية ، وفي ( غفلة من الزمن ) تم إصدار التعديلين الأول والثاني لقانونها في سنة 2008 وبشكل يسمح لوزارة الصحة ودوائرها بتخصيص ما لا يزيد عن 25% من أسرة المستشفيات الحكومية المخصصة لعموم الشعب لتحويلها إلى أجنحة خاصة يتم إشغالها من قبل المرضى لقاء أجور يتم تحديدها بتعليمات وتوزع على العاملين بحصص تتضمنها تلك التعليمات ، وبذلك أصبحت لكل مستشفى نوعين من ألاسرة واحدة للخاص وأخرى للعام ، والفرق بين الاثنين إن :

1. الأجنحة الخاصة ومن مزاياها إنها شبه معزولة مكانيا عن بقية الأسرة وفيها نوع من النظافة والخدمات الفندقية وهي سريعة المواعيد فإذا كان لدى المريض عملية جراحية فإنها تجرى بعد ساعات أو أيام في الجناح الخاص أما في العام فان الموعد قد يمتد إلى أشهر وربما أكثر من ذلك ، كما إن التحاليل والفحوصات التشخيصية والإشعاعية تنجز فورا أو بعد وقت قصير في الخاص في حين إنها قد تتطلب الانتظار لأشهر أو أسابيع في العام ، والغريب إن نوع التعامل الإنساني في الخاص تختلف عنه في العام في بعض الأقسام والمستشفيات ، وفي الخاص أيضا تكون زيارات المرضى مفتوحة في كل الأوقات وللمريض الحق في طلب مرافق واحد أو أكثر فلكل مرافق له سعره بموجب التعليمات ، ولا يقتصر الامرعلى ذلك فحسب لان أدوية المريض في الخاص متوفرة على الأغلب وقد يتم الطلب بجلب أدوية من خارج المستشفى ولكن بمعدلات تقل كثيرا عن العام ، والسبب في هذا التمييز في الخدمات إن المريض في الخاص يدفع أجورا لا يقوى على دفعها المريض في العام .

2. الأسرة العامة : وهي آسرة في ذات المستشفى الموجودة في المستشفى الذي فيه أجنحة خاصة ولكن اغلبها ( جربايات ) وليست أسرة ( فاولر ) متعددة الاستعمالات والفرق بين الاثنين يعرفه المختصون ، كما إن المعاملة والتسهيلات والمواعيد وتوفير الأدوية على عكس ما تم ذكره عن الأجنحة الخاصة ، وليس سرا نقوله إن الملاكات التمريضية والمساعدة والتقنية والخدمية تختلف بين الاثنين لان الأجنحة الخاصة تستقطب الأفضل بل إن البعض يتنافسون ليكونوا في الخاص ليس حرصا على المريض ولكن لان لديهم حصة من الأجور التي تستوفى من المرضى الراقدين أو المراجعين ، ولا نريد الإسهاب في الوصف أكثر لأننا مهما وصفنا فان أي مواطن يزور الخاص والعام بإمكانه أن يميز الفروقات بين الاثنين ، علما إن المستفيدين من خدمات الخاص أو العام هم مواطنون اعتياديون وان الفرق بينهما هي القدرة على الدفع ، فالفقير يريد انجاز علاجه بمبلغ 3000 دينار وهي قيمة تذكرة المراجعة أما المواطن في الأجنحة الخاصة فعليه أن يدفع تأمينات لتغطية أجور لكل خدمة تقدم له لان مجموعها قد تكلف الملايين سواء كان ميسور الحال أو اضطر تحت ضغط المرض للاقتراض أو بيع أو رهن اعز ما لديه .

3. ونحن ندرك بان مخترعي الأجنحة الخاصة والمستفيدين منها سوف لا يرضون عن كل كلمة كتبت بهذه المقالة لان بعضهم يدافع عن ذلك ويقول من حق الميسور أن يستفيد من ماله كما يقولون إننا لسنا دولة اشتراكية ويجب إن نقر بالفروقات المادية بين الأفراد ، ولهم نقول إن البعض من كلامكم قد يكون صحيحا ولكنه ليس عادلا لان العدالة يجب أن تتفوق على اغلب الاعتبارات ، وبموجب قوانين العدالة السماوية والوضعية سيصح جزءا من دفاعكم عندما توفرون للفقير حد الكفاف المقبول من الخدمات الصحية ، فمن العار إن لا تجرى قسطرة قلب علاجية لمواطن يعاني انسدادان في الشرايين لأنه لا يملك مليون دينار أو أكثر ويعطى له موعد بعد6 شهور ( مثلا ) وقد يتوفى خلالها ، في حين تجرى للغني عملية للقسطرة في اليوم أو الأسبوع التالي ، ونستطيع إن نعطي العشرات بل المئات من الأمثلة الإنسانية التي يهتز لها الضمير ، فهذه الأجنحة تلغي مبدأ تكافؤ الفرص الوارد في الدستور كما إنها تقسم المجتمع بين القادر على الدفع من عدمه ، وهذا التمييز لا يجوز أن يكون في المستشفيات الحكومية لأنها ملكا للجميع وليست للطبقات ، وتمويل المستشفيات هو من إيرادات البلد وتحمل منها الفقير بقدر الغني أو القادر على الدفع ، ومن جهة أخرى لماذا نأخذ من المريض سواء كان فقير أو ميسور ونعطي لمن يعمل في الأجنحة الخاصة وهم مأجورون أي إنهم يتقاضون رواتب ومخصصات عن عملهم وما يقدمونه في الخاص هو ضمن أوقات الدوام فلماذا نقطع من وقت الفقير لنعطيه لمن يدفع الأجور وهم أطباء وذوي مهن صحية وتقنية ومهنهم غاية في الإنسانية والنبل كما إنهم ليسوا سيئون (لاسمح الله ) أو يرفضون تقديم الخدمات لأي مريض ، ولكننا نفسدهم بقوانيننا التي تميز بين المواطنين ، وفي ذلك ليس إهمالا لأي إنسان لأنهم قادرون على تقديم العلاج بغض النظر عن ما يدفعوه ، ومن جانب آخر فان بلدنا يقر بمبدأ العمل في المستشفيات الأهلية فلماذا نعطي للغني أكثر من فرصة وخيار ، مرة في السفر والعلاج خارج العراق ومرة في العلاج داخل المستشفيات الأهلية ومرة في الاستفادة من الأجنحة الخاصة ، في حين إن الفقير أو غير القادر على الدفع لا يمتلك إلا جزءا من فرصة عندما يتعاملون معه في مستشفاه الحكومي وهو من حصته وحقه بتعالي وفوقية لأنه لا يدفع إلى الأجنحة الخاصة لكي يعامل معاملة ( العريس ) .

وقد يعتقد البعض إننا نبالغ في طرح حيثيات هذا الموضوع ونمنحه التهويل لان أجور الأجنحة الخاصة ليست بالقدر العالي الذي لا يستطيع كل مواطن دفع تكاليفه ، وكأنتا ننسى أن هناك أكثر من 35% من شعبنا تحت خط الفقر أي أنهم قد يتدبرون بالكاد لقمة الخبز والماء الصالح للشرب ، وسندرج لكم في أدناه أجور العمليات كما تم نقلها من مستشفى حماية الأطفال في مدينة الطب في بغداد قبل يومين من كتابة هذه السطور ( والمبالغ التي سترد هي بالإلف دينار عراقي ) :

1. العمليات الخاصة : أجور الجراح 900 والمخدر 470 والمقيم الجراح 36 ومقيم التخدير 17 وأجور الصالة 200 وسلة الجناح 393 وأدوية العملية 156 والمجموع 2,172 مليون دينار .

2. العمليات فوق الكبرى : أجور الجراح 350 والمخدر 144 والمقيم الجراح 17 ومقيم التخدير 5,5 وأجور الصالة 100 وسلة الجناح 115 وأدوية العملية 65 والمجموع 769,5 ألف دينار .

3. العمليات الكبرى : أجور الجراح 270 والمخدر 108 ومقيم الجراح 12,5 ومقيم التخدير 4 وأجور الصالة 50 وسلة الجناح 86 وأدوية العملية 45,5 والمجموع 576 ألف دينار .

4. العمليات الوسطى : أجور الجراح 225 والمخدر 90 والمقيم الجراح 11 ومقيم التخدير 1,5 وأجور الصالة 40 وسلة الجناح 50 وأدوية العملية17,5 والمجموع 435 ألف دينار .

5. العمليات الصغرى : أجور الجراح 45 والمخدر 34 والمقيم الجراح 3 ومقيم التخدير 2,5 وأجور الصالة 30 وسلة الجناح 39 وأدوية العملية 16 والمجموع 169,5 ألف دينار . ( ولاحظوا هنا إن عملية الختان للأولاد من العمليات الصغرى وتصل أجورها لأكثر من 200 ألف دينار )

6. تضاف الأجور التالية لما ورد في أعلاه : الرقود ليوم 12 ، المرافق 10 ، الأدوية 5 ، تحليل بسيط 3 ، تحليل معقد 5 ، أشعة 10 ، سونار 10 ، سونار ملون 20 ، كل زيارة للطبيب 15 ، علاج طبيعي 10 ، خدمات فندقية 15 ، مرافق ثاني 35 ، ومرافق ثالث 40 ، ضمادات 5 .

ويضاف لما ذكر هنا ما يطلب من المريض أو ذويه جلبه من خارج المستشفى والتي تصل أحيانا إلى أدوية ومستلزمات معقدة تكلف مبالغ طائلة آو أشياء بسيطة من العيب عدم توفرها في المستشفيات ، علما اغلب تلك الأجنحة ربما لا تحتوي على وسائد أو بطانيات أو شراشف جديدة مما يضطر المريض لشرائها وجلبها عند الرقود ، ناهيك عن نوعية الطعام وتوقيتات تقديمه التي قد لا تنسجم مع تقاليد وأوقات العوائل العراقية ، وخلاصة الموضوع فإننا نطلب من معالي وزير الصحة الدراسة المتأنية لموضوع إلغاء الأجنحة الخاصة لضمان عدم إفساد المستشفيات وملاكاتها وعدم تحميل العائلة العراقية متاعب ونفقات العلاج ، كما نتمنى من مجلس الوزراء العمل لإلغاء الأجنحة الخاصة بعد أن تحولت إلى عبء على المواطن وسبيلا لعدم تحقيق العدالة مادامت هناك مستشفيات أهلية أو إمكانية العلاج بالمجان ، وهي حالة تتطلب القدر المطلوب من العناية والاهتمام من اللجان المعنية بمجلس النواب بإعادة هيكلة القطاع الصحي لإنقاذه من وضعه المزري بما في ذلك جدوى بقاء الأجنحة الخاصة مادامت تدار من قبل المؤسسات الصحية الحكومية نفسها وهي وسيلة للتمييز رغم تمويلها من أموال العراقيين جميعا من دون تمييز.

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here