شرق الفرات والصراعات الإقليمية والدولية

رسالة بوست – ربيع الخطيب

في الوقت الذي تجري فيه مباحثات عسكرية أمريكية-تركية هي الثانية من نوعها في العاصمة أنقرة بخصوص تأسيس المنطقة الآمنة شمالي سوريا، حذّر وزير الدفاع الأمريكي مايك إسبر من أن أي عملية تركية في شمال سوريا ستكون غير مقبولة، حيث قال “نعتبر أن أي تحرك أحادي من جانبهم (الأتراك) سيكون غير مقبول وسنمنعه. وهو في حقيقة الأمر تهديد أكثر منه تحذيراً.

وأضاف إسبر “ما سنفعله هو منع أي توغل أحادي من شأنه أن يؤثر على المصالح المشتركة… للولايات المتحدة وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا”.

هذا التهديد الأمريكي جاء بالتزامن مع الاجتماعات التي يعقدها الجانبان على الصعيد العسكري، وبعد أيام قليلة من حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعلن من خلاله أنه حسم أمره حيث الجيش التركي سيبدأ بعملية شرق الفرات في سوريا، مشيراً إلى أن بلاده أبلغت كلاً من الولايات المتحدة وروسيا بذلك.

وتعتبر الجولة الثانية هذه بين الجانبين استكمالاً للجولة الأولى من المباحثات بشأن المنطقة الآمنة، والتي انعقدت في 23 تموز/ يوليو الماضي في أنقرة، حيث لم تتوصل إلى إنهاء الخلافات بين أنقرة وواشنطن بشأن عمق المنطقة ومصير الوحدات الكردية.

صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية كانت قد نشرت تفاصيل حول المفاوضات ومطالب الجانبين الأمريكي والتركي فيما يتعلق بمنطقة شرق الفرات شمالي سوريا، منوهة إلى أن التفويض الي يملكه الجيش الأمريكي لا يخوله الدفاع عن وحدات حماية الشعب الكردية.

العرض الأمريكي يتلخص بحسب الصحيفة بما يلي: (منطقة آمنة بعمق 41-15 كم، وتمتد المنطقة على طول الحدود السورية التركية بمسافة 140 كم لا تقطع ارتباط وحدات حماية الشعب الكردية بسنجار وقنديل شمال العراق، والقضاء على أسلحة الوحدات الكردية، وتسيير دوريات مشتركة أمريكية-تركية في المنطقة)

أما العرض التركي فهو كالتالي: (منطقة آمنة بعمق 32 كم، وتمتد المنطقة الآمنة على طول الحدود التركية السورية بمسافة 460 كم بحيث تقطع ارتباط وحدات حماية الشعب الكردية بسنجار وقنديل شمال العراق، وجمع السلاح الخفيف والثقيل من الوحدات الكردية، ويكون الاشراف على المنطقة الآمنة تركياً فقط)

إذاً، ومن خلال تسريبات الواشنطن بوست وغيرها من التلميحات والتصريحات من الجانبين التركي والأمريكي، فقد بات واضحاً حجم ونوع الخلاف بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بعمق المنطقة الآمنة وسحب السلاح من الوحدات التركية، والفصل الجغرافي بين أكراد العراق وأكراد سوريا.

وهنا نستطيع أن نتنبأ بمستقل علاقات أسود قد يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، في حال اختارت واشنطن الحليف الكردي على الحليف الاستراتيجي التركي، وهو ما يعني بطبيعة الحال تهديد أمريكي مباشر لأمن ووحدة الأراضي التركية، حيث يأتي هذا التصعيد بعد إتمام صفقة صواريخ الدفاع الجوب إس-400 بين روسيا وتركيا رغم تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا حال اتمامها الصفقة.

وعلى صعيد آخر التطورات، فقد نشرت صحيفة “يني شفق” التركية ما قالت إنه اتفاق بين الجانبين في ختام المباحثات، يقضي بإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت، من أجل تنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سوريا.

لكن ما نشر من معلومات حول هكذا اتفاق لا يعدو كونه مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، لا يعني بأي شكل من الأشكال حقيقة الوقع على الأرض، بل ربما لتخفيف حدة التوتر الآخذة بالصعود بين الجانبين وإن على صعيد الكلام، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مواقف الإدارة الأمريكية السابقة والمتقلبة حول القضية ذاتها، وإصرارها على دعم الميليشيات الكردية شمالي سوريا.

على الجانب التركي، قال الكاتب الصحفي المقرب من الحكومة التركية حمزة تكين لموقع الجزيرة نت، إن “التهديدات التركية السابقة بشن عملية عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية شرقي الفرات لم تكن مجرد تهديدات إعلامية، فلولا تلك التصريحات القوية من المسؤولين الأتراك طوال الفترة الماضية، لما وصلنا اليوم لهذه الجدية الصارمة والنهائية”.

وأضاف تكين أن صبر تركيا قد نفد، والاستعدادات التركية العسكرية على الحدود مع سوريا أصبحت مكتملة بنسبة 100%، ولا ينقص بدء العملية إلا الأمر النهائي من الرئيس أردوغان.

كما أشار تكين إلى أن “أنقرة أبلغت الجانب الأميركي بشكل رسمي أن العملية العسكرية المشتركة بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري الحر ضد التنظيمات الإرهابية شرق الفرات ستتم فعلا، وأن تركيا لن تنتظر المزيد من المماطلة من هذه الجهة أو تلك”.

من ناحية أخرى، وفي جوابه لموقع رسالة بوست حول رأيه بتصريحات وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة قال العقيد رياض الأسعد مؤسس الجيش السوري الحر “هذه التصريحات تدل على مدى الخلاف العميق بين الجانبين وسيكون لها انعكاسات سلبية على محادثات انقرة وهذا واضح من خلال تصاعد التصريحات بين الجانبين ويمكن أن تصل الى طريق مسدود.”

وأضاف الأسعد، “وهذا سينعكس على ملف ادلب والتراجع عن الهدنة التي أعلنها الاحتلال الروسي في ادلب ليعاود القصف بشكل جنوني وضغط على تركيا باتفاق روسي امريكي لوقف العملية شرق الفرات وايجاد صيغة تفاهم بين ال ب ك ك وعصابة أسد”

وحول الموقف التركي قال العقيد رياض الأسعد، ” واعتقد ان تركيا ستقوم بتنفيذ العملية رغم كل الضغوط التي تتعرض من قبل امريكا وأوروبا وروسيا لأنه كما قال أردوغان إذا لن تنفذ العملية الان فالخطر قادم على تركيا وسيكون أثره خطيراً على امنها القومي لان الحقيقة مشروع قسد يستهدف تركيا بالدرجة الاولى وهذا ما أدركته تركيا مؤخراً.

من جانبه قال الكاتب الصحفي أحمد كامل لرسالة بوست، “التصريح هو جزء من عمليات الأخذ والرد والمفاوضات والمماحكات السياسية ما بين الإدارة الأمريكية وتركيا حول العملية شرق الفرات”، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية اعتادت على إلقاء التصريحات والتراجع عنها.

وأشار كامل عن رأيه بخصوص شرق الفرات بقوله “العملية على الأرجح سوف تتم ولكن التصريحات هي لتحسين الشروط الأمريكية التي هي للأسف تحسين الشروط لعصابات ال ب ك ك في سوريا”.

وحول أهمية هذه العملية قال الكاتب أحمد كامل “هذه العملية خير بالتأكيد للشعب السوري لأنها تبعد الأفعى الصفراء، قوات ال ب ك ك الإرهابية التركية التي تحتل الأرض السوري وثلثي ثروات سوريا، وكل تراجع لهذا القوات هو خير للشعب السوري، ويجب على الشعب السوري دعم هذه العملية، وأنا من ناحيتي أدعم هذه العملية.”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here