بانوراما الربيع العربي والنفوذ الايراني. ماذا بعد؟

ادهم ابراهيم

لا احد يشك في ان الشعوب العربية قد ضاقت ذرعا بالانظمة الديكتاتورية الابوية. وفشل التجارب القومية العربية في النهوض بالدول العربية او في نصرة القضية الفلسطينية على اعتبارها القضية المركزية للاحزاب والتيارات العربية. يقابلها انهيار الاتحادالسوفياتي واستفراد امريكا في العالم كقوة فاعلة واحدة
ونتيجة لذلك فقد اصبح واضحا ان هناك من كان يعمل على تغيير الخارطة الجيوسياسية في المنطقة العربية من خلال تشابك وخلط الاوراق . ولعل احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكة قد حرك الرمال السياسية في المنطقة

وفي نفس الوقت او قبله بقليل كان هناك عمل دؤوب لبث مفاهيم وعقائد تيارات الاسلام السياسي، وعلى الاخص عقائد الاخوان المسلمين، لتحل محل الفكر القومي والاشتراكي. وقد تم تدجينها لصالح الولايات المتحدة مقابل استيلاءها على الانظمة العربية. مع ضمان امن اسرائيل وتدفق البترول

واشتركت قطر باموالها في تغذية حركات الاسلام السياسي وخصوصا في مصر وتونس ثم في سوريا وليبيا . فتم حرف الثورات العربية وتجييرها باسم الحركات الاسلامية ابتداء من الاخوان ثم القاعدة وفي وقت لاحق تنظيم الدولة داعش. وقد كان هدف جماعة الاخوان المسلمين على الدوام الاستيلاء على السلطة تحت شعار الحاكمية لله. وكانت تأمل الحصول على مساعدة الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف.. وهكذا تلاقت اهداف الاخوان المسلمين مع اهداف الادارة الامريكية في الشرق الاوسط. والقى اوباما خطابا سياسيا هاما في القاهرة امام جمع كبير من رجال الدين واعضاء من الاخوان المسلمين. واعتبر هذا الخطاب بمثابة دعم الرئيس اوباما للاخوان في مصر والمنطقة العربية
فتم صعود حزب النهضة الاسلامي في تونس ثم تم انجاح عملية انتخاب المرحوم محمد مرسي في مصر
ولكن التجربتين قد سقطتا لسوء ادارة مرسي والاخوان اضافة الى تخليهم عن عروبة مصر وحتى عن مصريتها . . كما رفض الشعب التونسي الاسلام السياسي بعد ضلوع حزب النهضة بالاغتيالات السياسية

ثارت ثائرة امريكا بعد اسقاط حكم الاخوان في مصر وغضبت وزيرة الخارجية كلنتون وهي تتباكى على الديموقراطية الضائعة في مصر ولكن لم يعد في وسع واشنطن مايمكن عمله للتاثير على الوضع السياسي الجديد
وفي ليبيا تم اسقاط العقيد القذافي بطائرات الناتو من اجل تطبيق الديموقراطية الاسلاموية فيها، رغم توقيعه على صكوك بيضاء لهم دون جدوى ، ومازالت ليبيا تعاني من الحركات الاسلامية المتطرفة وغير المتطرفة نتيجة وقوف امريكا واوروبا الى جانب السراج وبدعم لامتناهي من تركيا وقطر ايضا
اما في سوريا فقد علت هتافات الاخوان على كل الاصوات السورية الثائرة. ورغم ذلك لم ينجح الاخوان وداعميهم في الاستيلاء على السلطة فيها

ثم جرى تحريك الاخوان المسلمين باتجاه السيطرة على الحكم في السعودية لما تتمتع به من مركز ديني محل احترام العالم. اضافة الى الاحتياطي النفطي الكبير ، ولكنهم فشلوا في ذلك . رغم ان السعودية كان لها الفضل الاكبر في ايوائهم ورعايتهم يوم كانوا مطاردين منبوذين في مصر وغيرها من الدول العربية
ونتيجة للثقل الكبير للاموال القطرية واعلامها فقد ظلت تساند الاخوان الى يومنا الحاضر. وهذا هو السبب الرئيس في خراب العلاقة معها من قبل السعودية والامارات ومصر

وفي اليمن انتفض الشعب على حكم علي عبد الله صالح فتنازل عن السلطة لنائبه. ثم عاد الى صنعاء بانقلاب على الحكومة الجديدة بعد تحالفه مع انصار الله الحوثيين، الموالين لايران ، فتم تدخل السعودية والامارات لصالح الحكومة اليمنية، الا انهما لم ينجحا في تحقيق اي نصر . خصوصا وان هناك في الطرف الاخر حركات اسلامية ارهابية مثل القاعدة وداعش قد وجدت موطئ قدم لها

ونتيجة لعدم نجاح خطة استيلاء الاخوان المسلمين على الدول العربية، لانهاء اي فكر قومي عربي فيها، فقد تم الذهاب الى الخطة ب في دعم الحركات الاسلامية الراديكالية مثل القاعدة والنصرة وفي وقت لاحق تنظيم الدولة الاسلامية داعش لتنفيذ هذا المخطط وتفتيت الدول والشعوب العربية

كل هذه الاحداث جاءت تحت شعار تطبيق الديموقراطية في الدول العربية لايصال الاسلاميين الى السلطة بديموقراطية شكلية ، كما هو الحال في تجربة العراق الفاشلة، حيث جاءت الاحزاب الاسلامية المتخلفة الى السلطة من قبل دولة الاحتلال، وساندتها اطراف دولية واقليمية لتنفيذ ابشع عملية تخريب لدولة عريقة

يرى السفير فيليب ويلكوكس رئيس مؤسسة السلام في الشرق الأوسط أن الادارة الامريكية وعلى الاخص الرئيس أوباما “نجح في إظهار التزام أمريكي جديد بمساندة التحول الديمقراطي في الدول العربية والتعهد بمساندة الولايات المتحدة لتطلعات الشعوب العربية نحو الديمقراطية “، كما أظهر الرئيس أوباما مساندته القوية لمساعدة مصر وتونس في نجاح مساعيهما للتحول نحو الديمقراطية بحيث تصبح الدولتان نموذجاً تحتذيه شعوب المنطقة. انتهى

ان هذه الديمقراطية الشكلية التي يراد منها ان تكون نموذجا، تخفي وراءها مساعي لتدمير الدول العربية وتحقيق المصالح الامبريالية في المنطقة، مع ضمان امن اسرائيل

وقد أكد ذلك الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط (فياتشيسلاف ماتوزوف ) خلال مقابلة له مع قناة روسيا اليوم ” أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك خلق عالم عربي ضعيف ليست فيه معارضة قادرة على تغيير الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ولذلك انفقت ملايين الدولارات. وساعدها في تحقيق أهدافها، فساد بعض القيادات العربية

قبل اكثر من مائة عام انتبه الفيلسوف فردريك انجلز الى مسألة بالغة الخطورة وهي ان الثورات غالبا ماتنحرف الى اتجاهات اخرى غريبة عن توجهات الثوار . وهذا ماحدث في ثورات الربيع العربي. اذ انتكست وتحول مسارها الى حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد. فانحرفت اهدافها انحرافا كليا. قبل ان يتم صبغها بالارهاب، فحلت الكارثة على الشعوب العربية ، وخصوصا في سوريا

في شهر اب 2012 تدخل حزب الله اللبناني الموالي لايران في الحرب الاهلية السورية، بناء على توجيهات المرشد الاعلى الايراني. ثم تدخلت ايران مباشرة في الحرب السورية. عن طريق فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني. وتحول شعار تصدير الثورة الى شعارات الممانعة والمقاومة الاسلامية، حتى يمكن اضفاء نوع من الشرعية الشكلية للتدخل بدعوى المقاومة وحماية المقدسات وغيرها من المبررات

وبعد الاتفاق النووي بين ايران ودول الخمسة +1 في عام 2015 استطاعت ايران من توسيع نفوذها في المنطقة وخصوصا في سوريا والعراق ثم في اليمن عن طريق تزويد الحوثيين بالاسلحة والمعدات والتمويل اللازم. ثم جرى شرعنة الوجود والانتشار الايراني في سوريا والعراق بعد الاعلان عن دولة الخرافة من قبل الدواعش. فتم السكوت عن التوسع الايراني بحجة الحرب على الارهاب الداعشي. وبذلك امتدت الفصائل المسلحة الموالية لايران الى البحر المتوسط والجولان والقرن الافريقي

وبالرغم من وجود فصائل مسلحة موالية لايران ترفع شعار المقاومة الاسلامية في سوريا الا اننا لم نجد لها اي تعرض على اسرائيل، لامن قريب ولا من بعيد. كما ظهرت تقارير من ان اسرائيل كانت تساعد عناصر من القاعدة تحارب في سوريا تحت مسميات انسانية . اضافة الى ان داعش التي ادعت الخلافة على نهج النبوة لم تتعرض ولا مرة واحدة لاسرائيل. مما يدل على ان هناك اتفاق ضمني او خفي من كل الاطراف المتحاربة في سوريا على ضمان امن اسرائيل وعدم التعرض لها

بعد القضاء على داعش في العراق وسوريا وحشر الحركات الراديكالية من جبهة النصرة السورية وداعش وغيرها في ادلب . وبعد تنفيذ مهمة خراب المدن السورية والعراقية، من قبل دول خليجية . ومن ايران تحت شعار المقاومة وحماية المقدسات . وجد ان التوسع الايراني في سوريا وتزويد حزب الله بالصواريخ امر غير مرغوب به من قبل امريكا واسرائيل. وكأن الامر قد رتب على هذا الشكل وان مهمة تكليف او توريط الجهات الاقليمية بهذه الحروب العبثية قد انتهت. حيث تم تدمير مدن عريقة . وهجر ملايين السوريين والعراقيين. وحل الحقد والبغضاء بين ابناء الشعب الواحد
فتم الغاء الاتفاق النووي الذي كان السبب في التوسع الايراني. ثم جرى انذار ايران بالانسحاب الى داخل حدودها مع اثني عشر مطلبا وتم اعادة فرض العقوبات على ايران مالم تستجيب للمتطلبات الامريكية. وحاوت ايران بشتى الوسائل الحفاظ على وجودها في سوريا والعراق واليمن من خلال تمسكها بالاتفاق النووي بالاشتراك مع الاوروبيين ولكنها لم تجد نفعا

وفي وقت لاحق هددت ايران بالتخلي عن هذا الاتفاق تدريجيا ومواصلة التجارب النووية. اضافة الى المواجهات غير المباشرة مع امريكا في العراق وسوريا . ومع بريطانيا في مضيق هرمز . مع العلم ان امريكا رغم نقضها للاتفاق النووي، فانها لاترغب في مهاجمة ايران بحرب شاملة او الاضرار بها بشدة ، لكون ايران مازالت تمثل عنصر توازن للقوى الاقليمية في المنطقة وخصوصا الدول الخليجية، كما انها جعلت من ايران عدوا بديلا لاسرائيل

وفي نفس الوقت مازالت حرب السعودية مع الحوثيين الموالين لايران في اليمن مستمرة . وتستنزف اموال وطاقات السعودية. ورغم تدخل الامارات وقوات من السودان وغيرها ، فانها لم تحقق اي انتصار ناجز فيها . اضافة الى معاناة الشعب اليمني من هذه الحرب التي لاناقة له فيها ولاجمل ، ولم يستطع احدا من ايقاف هذه الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات، مما يدعو الى الريبة في ان هناك جهات لها مصلحة في استمرار النزيف اليمني

كما تم ابتزاز السعودية من قبل الامريكان مستغلين حاجتها للحماية. والضغط عليها من كل الاتجاهات للموافقة على قبول صفقة القرن الامريكية الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية

ويضاف الى ذلك انهاك مصر بحرب غير معلنة في سيناء بين عناصر اسلامية راديكالية بمساعدة قطر لنفس السبب وهو اخضاع مصر لقبول صفقة القرن وتسليم جزء من سيناء لاقامة وطن شكلي للفلسطينيين اقرب للحكم الذاتي لانهاء النزاع العربي الاسرائيلي الى الابد

وعليه وبعد كل هذا الاستعراض الدراماتيكي لاوضاع المنطقة العربية فان المخططات الخبيثة مازالت مستمرة. وكاد الشعبين السوداني والجزائري ان يقعا في منزلق الربيع العربي لولا وعيهما وتضامن الجيش معهما

وستكون السعودية المرشحة القادمة لتطويقها وتهديدها، بعد انتهاء النزاع الامريكي الايراني والذي سيؤدي الى المفاوضات، رغم التصعيد الاعلامي والمسرحي الحالي بينهما

ولذلك يتوجب على السعودية انهاء نزاعها في اليمن بالوسائل السلمية. والسير بخطى اوسع نحو التحديث الحضاري والاجتماعي فيها، والتوسع في المشاركات الشعبية، والتخلص من العقليات الرجعية السلفية، والانفتاح اكثر مع العالم المتمدن وضمان حقوق الانسان بعيدا عن التعصب والغلو الذي عاشته لسنوات طوال فالوقت ليس في صالحها اذا مابقيت على نفس السيرة السابقة

اما العراق وسوريا فعليهما النهوض مجددا ولو بعد حين. والعمل على التخلص من النفوذ الاجنبي ومداواة جراحهما. ولاشئ سيضمن وجودهما سوى وعي الشعبين واصرارهما على تجاوز المحنة والانطلاق الى مستقبل آمن
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here