قانون التقاعد العام

التقاعد في مفهومه العام : – هو ضمان مالي يعطى للفرد في سن معين ، أو إنه يعطى للفرد في حال لم يكن قادرا على العمل – ، وهذا الحق مكفول من قبل الدولة لكل فرد فيها سواء أكان من المشغلين أو العاجزين ، ولا يرتبط هذا الحق بكون الفرد عاملاً أو لا ، ولا يستثنى من هذا الحق النساء ولا الشباب بإعتباره حقا عاما ، هذا من ناحية البنية التعريفية والتكوينية لأصل هذا الحق ، وأما التفاصيل فتكون بقانون مُنظم لا يجب أن يظلم فيه أحد .

وبما ان الكلام عن الحق المادي فالواجب أن يرتبط هذا الحق بحياة الأفراد لا بعد موتهم ، أي إن هذا الحق مؤوسس للأحياء وليس للأموات ، فلذلك نقول إنه يسقط بالموت ولا يصح إعطائه لورثة الميت مهما علو أو قربوا – لأنه حق يتعلق بالفرد المعين بذاته في الحياة – ، وأما خاصة الميت وعائلته فليس لهم من هذا الحق شيئا .

لماذا ؟ : لأن الأصل في القانون العام ( أن يكون لكل فرد في الدولة ومن يقيم فيها أو عليها راتب شهري ) ، هذا الراتب هو بمثابة المعاش الذي يوفره للفرد العمل أو غيره ، والدولة والحكومة بكل مؤوسساتها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن توفير ذلك ، وبالتالي فليس هناك إعالة أو إحالة من أحد لأحد في المعاش أو الحياة من الناحية المادية ، [ فلا الزوج مُعيل لزوجته ولا الزوجة معيلة لزوجها ] ، أعني إن الدولة ومؤوسساتها مسؤولة عن توفير الضمان و الحرية المادية والإقتصادية لكل فرد ، بمعنى : إن لكل فرد من أفراد الدولة دخل وراتب شهري معين ، يكفل له كرامته وحياته وهذا هو الكفيل بسقوط مفهوم الإعالة بعد الموت ، كما هو متبع في البلدان المتخلفة والتي تسن قوانين التقاعد على أساس ذلك .

ومن الطرائف في هذا الشأن ما قام به الرئيس مام جلال حين أعطى لعبدالكريم قاسم راتباً تقاعدياً ( في منقبة وهبه لا أفهمها ولا أعرف مغزاها ) ، والحق إن هذا التصرف من مام جلال هدرا متعمدا

وإفسادا في البنية الإقتصادية والمالية للبلد ، نعم تصرف الرئيس جلال من وحي قدم قوانين التقاعد وماهي عليه بالفعل ، ولأن ذلك كذلك فهنا تبدو الحاجة ماسة لإعادة النظر في كتابة قانون للتقاعد جديد ينسجم من بنية وطبيعة النظام الجديد .

مستفيدين ومتكأين مما قدمناه في مجال الحماية والضمان لكل فرد في حياته ، إذ عندما توفر للمرء في حياته المعاش الذي يحفظ كرامته وإنسانيته ، لا تعد الحاجة للعمل بذلك القانون القديم بمعنى إن ما يوفره الضمان لكل فرد من راتب يُغنيه عن الإنتفاع بحق الغير من غير وجه حق ، وبحسب القانون العام فالدولة مكلفة بتوفير ذلك الراتب الشهري لكل فرد ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أم كبيرا ، هذا الحق يجب ان تكفله قوانين الدولة وأنظمتها ، وإذا توفر هذا الحق للجميع لم تعد الحاجة لإستقطاع المال تحت بند تقاعد الميت ، فالميت لا تقاعد له ولا يصح ذلك مطلقا .

طبعا نحن نتكلم عن القانون وعن الواجب الذي يجب أن تكفله الدولة والحكومة وتعمل به ، وهذا الواجب يوفر للدولة الضمانة والحماية من الوقوع بالهدر والفساد والتبديد والإسراف في المال العام ، والعمل بموجب هذا ليس مسألة عويصة ، بل هو في صميم العمل الوطني : أعني في حال ضمان وتوفير الراتب الشهري لكل فرد تنتفي الحاجة ، لراتب للميت تحت بند التقاعد ، فالتقاعد عمليا يشمل الفئات الحية والمستحقة بحسب القانون .

وفي هذا المجال لدينا رؤية متكاملة وتفصيلية ، إن رأت الحكومة والمجلس النيابي ذلك ، فيمكننا مناقشتها وبحثها معهم وإقرارها على نحو قانوني ، والأمر في ذلك يحتاج إلى إرادة ونية صالحة وعزيمة وطنية تحقق للفرد العراقي ما يغنيه ويحفظ كرامته في حياته ، ومن دون اللجوء لإستهلاك المال العام وتبديده ، وهذا الكلام أوجهه للأخ رئيس الوزراء والأخ رئيس البرلمان ، للإحاطة والعلم فيما لو توفرت الإرادة و الجدية والصدق والنزاهة ، فنحن بعون الله جاهزين للمساهمة في صياغة هذا القانون وتعميمه ..

راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here