فنون العراق الجميلة، كيف تطورت الموسيقى والغناء في بغداد زمن الدولة العباسية ؟

* د. رضا العطار

لقد تحقق في بغداد زمن العباسيين نوع من الكمال في مجال فن الموسيقى والغناء،
اذ دمج فنها العظيم التراثي العربي والشرقي باصولهما التاريخية في قالب تركيبي موفق وصياغة فنية ابداعية بفضّل الموصليين ( ابراهيم واسحاق ). ووصل الى مرتبة الفن الموسيقي المكتمل لا يعبر الاّ بالفاظ قلائل عن المواقف والاوضاع والعواطف كما انه واضح وحي، لا غلو فيه من حيث التعقيد والاسراف من حيث التفاصيل. همه الاول ان يرسم بصفة عامة معالم وملامح وما يتهيأ على هذا النحو للموسيقار البغدادي والعراقي هو اساس عام يستطيع ان يبني عليه عمله. فيقتبس منه ويطوره بملئ الحرية – – – ونظرا الى ان الموسيقى ملزمة بان تكون مرتبطة بالالفاظ. فلن تكون الاخيرة ملزمة بدورها بالا تفصح عن المضمون بكل تفاصيله.

وطبع اسحاق الموصلي بتأثيره القوي موسيقى المدرسة البغدادية الشرقية بطابعها ومحيطها النهائيين اللذين لن يتغيرا في المستقبل الا تغيرا سطحيا – – – ولعل من الصعب والعسير معا تحديد ماهية الغناء العائد للموصليين بامثلة ملموسة – – – فان هذا الغناء تاثر بعوامل الزمن والضياع والتحريف. وهي قسمة كل صناعة لا تضبطها الكتابة. ومع هذه النخبة الممتازة من فناني بغداد الخالدين ابراهيم الموصلي واسحاق الموصلي وابراهيم المهدي ابن الجامع، نشطت فئة ثانية من فناني بغداد لها تاريخها الموسيقي بدرجة ادنى من الاسماء التي تم ذكرها.

واول الموسيقيين هؤلاء هم :
حكم الوادي وابو يحيى بن ميمون وسياط، اللقب الشائع لابي وهب بن وهب ويحى المكي وابو جعفر المكي ويزيد حوراء ومخارق ابو المهنأ ومحمد بن الحارث ومسكين ابو صدقة والخليل بن احمد وابو زيد العبادي ومنصور زلزل. وقد جاء في (العقد الفريد) عنه (وكان زلزل اضرب الناس للوتر لم يكن قبله ولا بعده مثله)

هؤلاء حذقوا في التعبير الاقصى عن السمات البغدادية في الفن الموسيقي. ورغم المكانة الرفيعة التي وصل اليها فن الموسيقى والفنون الاخرى في بغداد في العصر العباسي الذهبي، فان بعض هؤلاء هجروا الخصائص الكلاسيكية العظيمة فصارت القصيدة التي توحي بالصحراء اثرا من الماضي. واتجه الفن الى التعبير عن المرح والاعياد، فكانت العاصفة الرقيقة والرتا الطليق والبلاغة الصياغية. هذا العنصر الذاتي والعاطفي الذي يصاحب جميع الاعمال البشرية وكل تعبير عن الحياة الداخلية – – – والذي يكفي المرئ او اي عمل، لايقاظه في اكثر الاحيان. هذا العصر هو ما تقدر الموسيقى ايضا على تنظيمه.

اما سمات الاغنية القوية المعبرة عن جدية البدوي وعالمه الغني الموصول بروح ابية عميقة التاثير، فهذا عند هؤلاء نجده محدودا. وعند هؤلاء تاثرت الموسيقى المعتمدة على الغناء بالاتجاهات الايقاعية الخفيفة بعيدا عن الكامل التام الرصين. وتحلقت الاسماع العراقية حول ايقاع الهزج والماخوري – – – وقد اجاب حكم الوادي ابنه الذي لامه على افساده لأذواق الناس بايقاع الهزج قائلا ( غنيت الثقيل ستين سنة فلم انل الا القوت، وغنيت الاهزج بعض سنين فأكسبت ما لم ارى مثله قط )

* مقتبس من كتاب حضارة العراق لعادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here