فنون العراق الجميلة، اسحاق الموصلي !

* د. رضا العطار

اسحاق الموصلي : لقد استعاد اسحاق الموصلي فن ابيه ومهارته بجدارة علمية وعمق فكري وبذلك لقب ب ( بحر المغنين ). ولد عام 150 هجرية وعاش 86 سنة، حتى تقدمت شهرته على شهرة ابيه الى الحد الذي جسد في فنه وحدة جميع الطرق الموسيقية التقليدية العربية في عصرها الذهبي.

تعلم اسحاق في مدرسة ابيه واكتسب في الوقت نفسه معرفة موسيقية كاملة بفضل صفة شديدة التعمق في فن الغناء في نهاية القرن الثامن وهي ( عتيقة) وقد جهد اسحاق باضافة معرفة جديدة بالضرب على العود بفضل ما اخذه عن منصور زلزل، استاذ العصر البغدادي في العزف على الوتر – – – ولمنصور زلزل يرجع الفضل في اضافة وترين جديدين الى العود ذي الوتر المعروف عند العرب والامم الشرقية، وجعل منه آلة متقنة بتطويل مقبضه وتوسيع تجويفه وهكذا اختلف عن العود الشرقي الى جانب ان العازف ( برصوم الزامر ) وقد اسهم في تعليم اسحاق الموصلي الذي كان يعد مدرسة لذاتها، في طريقة العزف الفنية. هو الاخر الذي اعطى للالة العربية الكثير من مجهوداته الفنية الفائقة.

وهكذا تسنى لأسحاق الموصلي القيام بمهمته الفنية. وقد اكتملت له اسباب التفوق. اما عن قابلياته الغنائية فان كتاب الاغاني يقول عنه محددا بوضوح موقعه من الغناء
( موضعه من العلم ومكانه من الادب ومحله من الرواية وتقدمه في الشعر اشهر من ان يدل فيها بوصف، واما الغناء فكان اصغر علومه وادنى ما يوسم به وان كان الغالب عليه وعلى ما كان يحسنه )

ولقد قال الخليفة المأمون في حق اسحاق الموصلي قولا بليغا :
( لولا ما سبق على السنة الناس واشتهر به عندهم من الغناء لويته القضاء، فما اعرف مثله ثقة وصدقا وعفة وفقها )

من خلال ما تقدم نجد ان اسحاق الموصلي لم يكن مثل ابيه فارسا لا يباري في ميدان الغناء ولم يكن يتمتع بصوت جميل ورخيم وحتى لا يقال ان اسحاق الموصلي ياتي في المرتبة الفلانية بين اقرانه من المغنين عمد الى طريقة جديدة في الغناء، عرفت بالتخنث وحظيت برواج كبير واصبحت قاعدة كبار المغنين في بغداد. ويمكن القول ان شهرة اسحاق تقوم على ميزتين اساسيتين :

الاولى : براعته الخارقة والمتعددة في مجال التلحين تميزت بصناعة مكتملة اتاحت له توظيف ثروات الغناء الدفينة. ولقد اشار الى هذا الاتقان الخليفة الواثق وهو من مجيدي الغناء والعارف باسراره قوله :
( ما عناني اسحاق قط الا وظننت انه قد زاد لي في ملكي ولا سمعته يغني غناء ابن سريج الا ظننت ان ابن سريج قد نشر ليحضرني غيره اذا لم يكن حاضرا فيقدمه عندي وفي نفسي بطيب الصوت حتى اذا اجتمعا عندي رايت اسحاق يعلو ورايت من ظننته يتقدمه بنقص وان اسحاق لنعمه من نعم الملك التي لم يحظ احد بمثلها ولو ان العمر والنشاط والشباب مما يشتري لاشتريتها لاسحاق بشطر ملكي )

والميزة الثانية : (ملكته في الانتاج المبكر الذي به استعاد نظرية اقليدس في السُلًم الموسيقية ووفق عليها العود وقد امسى مكونا من اربعة اوتار فحدد بذلك نظام المقامات المقبل وعدل اسلوب اللحن الذي ظل يتبع طرقا تقليدية تراجعية مستحدثا النزعة الارتقائية الثائرة، تماما مثل طريقة والده الخاصة. (

* مقتبس من كتاب حضارة العراق للباحث عادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here