من يغمض عن الفساد مشارك فيه

عماد علي

يبدو على من يتابع ما يحدث و مانحن فيه، ان هناك مجموعات منتظمة متفاعلة مستندين على المسالح الشخصية الحزبية الضيقة في الطليعة ممن يشاركون في الفساد المستشري، و هم من يروجون العملية و ينسقون في كافة دوائر الدولة او المناصب و المواقع السياسية ويؤدون الادوار الرئيسية في التعاملات و الصفقات الجارية وراء الستار، و هم عصابات مافيوية تابعة للمتنفذين، و يتعاملون في فسادهم بمبالغ ضخمة غير متوقعة و يتقسامون فيما بينهم كعكة الفساد، و في طليعة من يشارك في هذه العمليات هم القوى الكبرى المتسلطة من الاحزاب الحاكمة و الشخصيات السياسية و الاجتماعية المتنفذة، و لكل منهم دوره.

ان المحاربة على منصب لم تات من الفراغ بل هي المشاركة في الحكومة من اجل ضمان لتمويل الحزب و الشخصية المتنفذة في الحزب او المجموعة المعينة او دائرة عائلية كانت ام حزبية قبل اي شيء اخر، و لكل منهم حصته، فانهم ينتظرون ما يفعله ممثلهم في الحكومة و المناصب التي تدر عليهم الخير و البركة!، و عليه نرى ان سعر اي منصب يتسع فيه التحايل و يطفح منه ما يهدفه المشارك من اساسه و ليس خدمة الوطن كما يدعون فانه غالي جدا و هناك من يزايدون عليه و يتنافسون في استلامه، كما نرى في بداية انبثاق الحكومات. هذه العمليات الضخمة و الصفقات هي التي تدر المليارات لهؤلاء، و لا يمكن استئصال هذه العمليات الا بارادة و قوة كبيرة و بحكومة و قيادات مخلصة بعيدة عن ما يهب لهم الاحزاب التي يقدونها و اسست بعض من تلك الاحزاب اصلا من اجلهم و لمصلحتهم و هي تغجطية لفسادهم اولا واخيرا، ولكن المستغرب انهم يصرخون بصوت عالي عن المباديء و العقيدة و الفكر و الفلسفة التي تخرس امام ظهور زاوية من دولار امريكي دون ان يعلموا ام يغفلون عن ان اي فرد يعلم بما يجري و ما يفعلون. هؤلاء وصلت احوالهم الى ان نقول انهم عصابات منظمة اتقنوا المهنة و لا يمكن مكافحتهم الا بعملية قيصرية سياسية ادارية في وقت يمكن ان يتغير الظروف او في حالة انعطافة سياسية و ان تُدار السلطة من قبل النزهاء و الزاهدين الذين لا يخلو منهم البلد و لكنهم اعتكفوا يتفرجون جراء ما فرضته عليهم الظروف السياسية المتغيرة على الاستمرار و نتيجة ما ورثه البلد من ايدي الدكتاتورية التي نبتت بذور الفساد و ان كانت بنسبة قليلة وف دوائر معينة من قبلها.

اما الفاسدين الصغار او اقل مرتبة من ما ذكر، فانهم كمن يعملون من تحت ايدي هؤلاء عسى و لعل ان يحصلوا على هديتهم و لا يقل فساد هؤلاء عنهم بل اسعارهم اقل نسبة لما يفرهد من يعتلون المناصب الكبيرة الذين يسيّرون اشغالهم بهؤلاء الاقل السلطة و المتنفذين من الدرجة الادنى و لهم من القدرة على التلاعب مع من يعلون عنهم و من اسفلهم سلطة و امكانية و موقعا اجتماعيا و سياسيا، اداريا كان ام حزبيا. فانهم شيوخ لعتبات بيوت اهل الفساد و الرؤوس الضخمة العفنة.

و هناك من ينتظر و ينظر الى ما يُمنح له من ما يعتبره خيرا و صدقة من ايدي تلك العصابات و يكون محمودا مشكورا مهما كانت نسبته، وهم من المنتمين من اعضاء احزاب السلطة من ادنى درجاتهم الحزبية الى متوسيطهم، و هم ياخوذن دور المتسولين عسى ان يمن عليهم من يقودهم من الدوائر المتنفذة في احزابهم بنسبة خير المتسولين.

و يجب قول الحق اينما و متى ما كان، هناك سواء في دوائر الدولة او ما يؤمن عقيديا بتلك الاحزاب نتيجة تاريهم فهم ينظرون بعيون جاحظة لما يجري و يتحفظون او يمتنعون عن الاشتراك و لكنهم لم يذكروا شيئا وهم يسكتون عما يجري امام اعينهم في وضح النهار دون ان ينبسوا ببنت شفة، فهولاء الساكتين عن الحق و اكثرهم ربما من يجب ان يُذكر له نزاهتهم و زهدهم و نظافتهم في حياتهم و انهم يحملون من اخلاقيات الزمن الجميل. هؤلاء يستحقون المحاسبة رغم الاعتزاز بهم و ان كانوا مجبرين على حالهم، فانهم يغمضون و يجري الفساد من تحت ايديهم و هؤلاء حقا من الشياطين الخرساء الساكتين عن الحق، و رغم نزاهتم و عدم اشتراكهم الا انهم باغماضهم لما يجري امام اعينهم يعتبرون مشاركين في كل صغيرة و كبيرة من الفساد. و ربما الظروف التي تحيط بهم من اتخاذ هذا الموقف سواء الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الصعبة الخاصة بهم التي فرضت عليهم تلك المواقف ام انهم مجبرون و ليس لديهم حيلة من امرهم و هم يانون تحت ثقل صعوبات الحياة و يتخذون هذا الموقف. و عليه لا يمكنهم النطق بما يجري من تحت سترتهم و امام اعينهم . و لكنهم ان عرفوا بذلك ام لم يعلموا فانهم سوف يُجرمون و يُتهمون على موقفهم هذا في اي وقت كان و سوف يُحسابون كما يُحاسب من يبلع المليارات امامهم و ان لم يقترفوا اية جريمة بانفسهم و لم يتسفدوا فلسا و ان اجبرتهم حالهم على الاغماض و عدم كشف الحقيقة. والقانون لا يحمي المغفلين مهما كانت نزاهتم و عفتهم و زهدهم و حياتهم البسيطة .

اما المؤسسات المختصة بمكافحة الفساد والتي يعتليها الغشاشون المنافقون فهم اخطر من الفاسدين ام هم راس الفساد لكونهم اما يشاركون مع الفاسدين في عملياتهم بشكل مؤسساتي او هم المسؤلين و المدراء المتنفذين التابعين لتلك الاحزاب الذين يشاركون في لغف الاموال

الفاسدة القذرة و انهم هم ايضا فاسدون اكثر من رؤسائهم و ان عملهم هذا اخطر من عمل الفاسدين لكونهم يتمنعون عن محاربة الفساد بل هم من يساعدون في تفشيه اكثر من الفاسدين انفسهم، و يجب ان يكون لهم الحساب الاقسى. و حتما سياتي اليوم الذي عن افعالهم يندمون و لا يفيد الندم في حينه و نراهم مخنوعين، لان قانون الحياة هو هكذا، انه لا يصح الا الصحيح و لا يمكن ان تبق الحال هكذا الى النهاية و ستتغير الظروف و تُكشف كافة الايادي الخفية و العلنية التي وراء هذا الفساد غير اللمسبوق في هذا البلد, و ان البلد لا يمكن ان يبقى ساكنا في مكانه، الى الابد فان التطور و التقدم سنة الحياة الا انه يجتاج لوقت للوصول الى السطة الصحيحة لتغيير الامور، وربما يكون التغيير مفاجئا بسبب انعطافة سياسية و هذا محتمل في بلدان الشرق الاوسط جميعهم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here