هل نحن على كوكب يُحتضر

الدكتورة / ناهدة محمد علي

في إحدى جلسات المنتدى الإقتصادي العالمي في ( دافوس ) خطبت فتاة صغيرة في السادسة عشر من عمرها وهي السويدية ( غريتا تونبرغ ) في العديد من رجال السياسة والإقتصاد في العالم ، فقالت : ( لا أُريدكم أن تكونوا متفائلين ، أُريدكم أن ترتعبوا ، أُريدكم أن تشعروا بالخوف الذي أشعر به يومياً ، ثم أُريدكم أن تتصرفوا ) .

لقد إستقلت هذه الفتاة الصغيرة القطار إلى ( دافوس ) لكي تقابل إقتصاديي وأثرياء العالم لكي تقول لهم أن الأرض في طريقها إلى الإحتضار . وقد أطلقت هذه الفتاة منذ أشهر حركة إضرابية كل يوم جمعة للإحتجاج على الوضع المناخي والبيئي في العالم أمام البرلمان ، وقد لاقت هذه الحركة الإسناد من طلاب جميع أنحاء العالم .

لو تفحصنا هذا الخبر لوجدنا أن هذه الفتاة الناضجة مبكراً قد فحصت تغيرات المناخ والجفاف والمجاعات في أفريقيا وذوبان الجليد في القطب وحرائق الغابات ثم حرائق الأمزون ، والإزدياد المضطرد لدرجات الحرارة ، فوجدت إنها وإن لم تعان بأنها في بلد لم يتأثر كثيراً بالتغير المناخي علاوة على الرفاهية المدروسة للفرد السويدي ، لكن الأجيال اللاحقة ستعاني في جميع أنحاء العالم من كوارث بيئية وبشرية وإقتصادية وإجتماعية .

حينما يُطلق الشباب العربي الحركات الإحتجاجية في شوارع بغداد والقاهرة ودمشق وتونس والسودان ، فهو يُطالب أول ما يُطالب بفرص العمل ، أي الخبز اليومي . لم يعد شبابنا يطالب بالمشاركة السياسية ، ولم يعُد يقلق على الحقوق الديمقراطية ، وكل ما يريد الجميع هو الإستمرار بالتواجد والكينونة ، وآخر ما يهمه ما يحصل على الأرض .

إن نظرة سريعة على ما يحدث في كوكبنا سنجد أن أحد أسباب شحة المياه وتراجع المحاصيل الزراعية وظاهرة التصحر التي تعاني منها معظم الدول العربية ، كذلك إنتشار الملوِثات البيئية وإنتشار الحشرات الغير مسبوق هو نتيجة للتغير البيئي والمناخي وهو ما صنعه الإنسان وليس الأرض بذاتها حيث يعتقد البعض بأنها قد فقدت عناصرها بسبب شيخوختها .

إن سبب إنخفاض القوة الشرائية للسكان في الشرق الأوسط والدول العربية بشكل خاص هو الإعتماد المطلق على إنتاج النفط وإنحسار مهنة الزراعة ولا يخفى ما سبب هذا وهو تلوث البيئة العربية بالإضافة إلى تهدم البنى التحتية ، وبضمنها عدم القدرة على تصريف المياه والتخلص من النفايات أو إعادة تصنيعها . إن الإعتماد المطلق على النفط قد لون السماء العربية باللون الداكن ، كما أن قلة إستخدام الطاقة البديلة قد أدى إلى تفاقم الأزمة البيئية في المنطقة العربية .

في تقرير للبنك الدولي لسنة ٢٠١٨ ذُكر بأن هناك أكثر من ١،٩ مليار شخص يعيشون في فقر وعلى أقل من ٣،٢ دولار في اليوم ، وجاء أيضا في تقرير الأمم المتحدة بالتعاون مع جامعة أكسفورد ورد فيه بأن الكثير من سكان العالم يعيشون في فقر متعدد الأبعاد في مجال الصحة والتعليم ومستوى المعيشة . يدل هذا على أن التقدم الصناعي وهو أحد أهم أسباب التلوث لم يقدم الكثير لرفع المستوى المعيشي لسكان العالم ، ولم يقترن هذا برفع المستوى الزراعي في

الكثير من دول المجاعات ، ولم يكن هذا حتماً ميسوراً مع التغير المناخي وإمتداد ظاهرة الجفاف .

قد تكون المسببات المباشرة في إنتشار ظاهرة الفقر والمجاعات في العالم هو سوء الإدارة السياسية والإقتصادية وإستنفاذ الثروات في النزاعات العسكرية ، لكننا نلاحظ أيضاً أن منطقة الشرق الأوسط قد أغلقت شبكة الأمن الغذائي وأصبح الإعتماد الإستهلاكي على الإستيراد الخارجي للمواد الغذائية ولم تعد مهنة الزراعة تمثل نقطة أساسية في الإقتصاد المحلي ، وعانت الكثير من الدول العربية ومنها العراق وسوريا ومصر والأردن ودول الخليج بشكل عام ودول المغرب العربي من شحة ونقص حاد في المياه مما أدى إلى زيادة الهجرات الجماعية إلى المدينة أو إلى الخارج ، ولا تخفى ظاهرة الأفارقة المهاجرين والكوارث الحاصلة لهم ، وقد إنظم العديد من هؤلاء المهاجرين إلى المنظمات الإرهابية التي وفرت لهم المال والعمل المسلح .

لا أقول أن كل ما يحصل على سطح الأرض من كوارث هي لأسباب بيئية أو مناخية بل هناك أسباب أخرى داعمة هي أيضاً من صنع أيدينا ، كما أننا من جعل اللون الأخضر ينحسر من آلاف الهكتارات من الغابات والمزارع أما بسبب الجفاف أو إستغلال خشب الغابات لأسباب صناعية أو للتدفئة أو إستخدام سياسة الأرض المحروقة في النزاعات المسلحة . لا أستبعد إن إسم كوكبنا بعد أجيال قد يتغير من الكوكب الأزرق إلى الكوكب الداكن حيث سيسيطر على لون هذا الكوكب ، لون دخان المصانع ولون الكثبان الرملية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here