طريق الشباب (حلقة ثقافية) يجب ان ننسى الماضي

* د. رضا العطار

هناك فرق اصيل بين الرجل الناجح والرجل الخائب، فإن الاول يفكر للمستقبل ويتربص للفرص ويجعل آماله برامج وبرامجه حقائق. وهو يحلم في يقظته، ويرى رؤيا لشخصه، فما يزال بحاول تحقيقها، حتى تتحقق، وهو يتخلص من ماضيه، فلا يذكر ان هذا الصديق قد أساء اليه، وان هذا الغريب قد غشه، وانه كان يكون ثريا عظيما او متعلما لو لم يخطئ ابوه، او نحو ذلك. ومعنى هذا ان ميدان نشاطه هو المستقبل، وهو ينحي عنه الماضي، ويستمتع بحاضره. ويعمل لمستقبله في مرح وطرب وتفاؤل.

لكن الرجل المخفق بذكر ماضيه، لا، بل هو يستذكره ويدرسه، كأنه قد فرض عليه ان يقف في محكمة للشهادة من حوادثه، فهو يذكر لك قصصا عن اولئك الذين غدروا به، وعن حماته التي افسدت عليه حياته الزوجية، او عن ابنه الذي تجرأ عليه، وعن صديقه الذي اقترض منه ثم لم يرد القرض، وهو انما يستذكر كل هذه الحوادث وامثالها، لانه يتمحل بها لاخفاقه، او ويبرر بها ركوده، وهو في كل هذه الذكريات متشائم، حزين، حالك في حزنه، كأن الدنيا مسؤلة امامه، قد وقفت في القفص ليحاكمها، بل ان هذا الفرق بين الناجحبن والخائبين من الافراد ينقله الى الامم، ففي الشرق امم مشغولة بل مجمدة بماضيها الاسحيق، تجتري تراثها البالي على مر الزمن، فلا تتقدم، وفي الغرب امم مشغولة بمستقبلها واثبة اليه دائبة في الانتاج والاختراع. مفتحة العيون، نحو الرقي والتطور.

ولست بذلك انكر قيمة الماضي، فاننا يجب ان نذكره لاستخلاص العبرة والحكمة، وليس للتأسف والتنهد، اما المستقبل فهو ميداننا وحقل التجربة لنشاطنا وحياتنا.
وهذا الامس الماضي الذي لم تمض عليه اربع وعشرون ساعة قد خرج من نطاق نشاطنا وابتعد عن حياتنا، وهو لا يختلف عن السنين التي سبقت الحضارات وظهور الانسان.

فعلى كل شاب ان ينسى حسراته ومأسيه في الماضي وان يرى الرؤيا المستقبل، وان يبني شخصيته وفق هذه الرؤيا، ويعين هدفه ويشرع في السير نحوه، اي يشرع هذا اليوم بل هذه الساعة فيجعل آمانيه برامج وبرامجه حقائق.

* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here