بنو أسد…!!!

(نسيم الكاتب)

جاء اليومُ الثالث على ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين… عادة.. كما في كل حَول .. ولا جديد يمكن أنْ يُضاف على الهدوء الذي يسبق العاصفة إلا بحلول العاصفة، ودلائل عصفها…
فجأة.. كان هنالك صخب من البعيد.. تصاعد تباعا.. من خلال سوادة بعيدة أيضا، لتجمّعٍ بشري بين راجل وخيّال.. الجمعُ الذي كان بعيدا.. اقتربَ رويدا رويدا… إنهم يحملون جنازة لدميةٍ مكفنة مدماة، يملأ صدرها جمْع قنفذي من السهام.. بينما ألبسها الجياع الحفاة المشعَثُو الرؤوس بسطالا لجندي.. والناس تسير ناحبة نائحة، خلف الجنازة المقطوعة الرأس، وهم في حال من صراخ المفارق، وعويل الفاقد.. الذي – كما التي – خضّبَ وخضّبت وجهها وعباءتها بالطين اللازب..
خيْلٌ هائجة، ورجال ذاهلون، ونساء صارخات، كانوا قد مروا من هنا قبل قليل من زمن.. لم يكن بالقليل أبداَ..!!!
في مثل تلك اللحظات ستشك ولابد في وجودك بالعام الهجري ١٤٤١ بل انت ولابد في العام ٦١ وليس عليك إلا أن تهرول مع الجمع لكي تخرج من عيون الناس بنظراتهم المشمئزة نحوك.. فإن تأخرت ثلاثة أيام حسوما عن نصرته، فلا أقل من أن تعوّض تقصيرك بالسير خلف جنازته.. هكذا يفكر غالبية من أعيش بينهم بعد ١٤ قرنا من الحادثة المأساوية..

أنه أبو الاحرار.. داروا بجسده المسجّى ـ جنازة ـ والمتمثل بالدمية بين أزقة حينا والأحياء المجاورة إلى أن استقر بهم المقام في مقام (الحنانة) ودفنوه (وفي الحقيقة هم دفنوها) في زاوية ما فيها بجوار ـ بل على وجه الدقة والتحديد ـ بذات المكان الذي تدفن فيه دمية كل عام..

النساء تصرخ بمَعيّة الأطفال ذاهلة في مآقيها الجارية.. والرجال صامتون مطرقون.. لحظتها… تدرك ما أنت فيه من حال أقصى الرعب التي بتَّ فيه الى أقصاه… حين يتمثل أمامك الوعي الجمعي الغالب على كل وعي، والمخرس لكل أعتراض أوحتى استفهام.. وعي.. كما إدراك من أساس قراءتك لحال الناس التي آلت إليه أمورهم وأحوالهم وأرزاقهم وظلام مستقبلهم عبر أجيال تتبعها أجيال..
مرّت المناسبة السنوية الأليمة على خير من البركات والحسنات والروحانيات في وَصَلتْ إلى أعلى عُلاها بالمواساة كما بالمساواة – ولو الشكلية – بين ذي العز والجاه وذي الفقر والفاقة… بانتظار العود الأبدي لواقع الحال المزري المتواصل طوال ٣٠٠ يوم ـ من كل سنة ـ على جميع العراقيين.. والستون يوما الباقيات الصالحات ستعود من جديد في العام المقبل كما في هذا العام.. لينسى ـ في طيات لياليها المسهِدة المسهَدة ـ الفقيرُ فقرَه، والجائع جوعَه، والمريض مرضَهُ، والطالبُ لاجدوى تحصيل علمه ـ على ضحالة وضآلة تحصيله، والحامل للأمل، لاجدوى حلمِهِ، بغدٍ رغيد…!!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here