ما بين المطعمِ والمَسْجِد.. طبيبٌ يتربَّصُ، وَدفّانٌ ينتظرُ..!!!!

(نسيم الكاتب)

لنْ تجدَ في شوارع وطني الخراب، غير المطعم (الشبيه في اختصاصه ووظيفته الحالية بالمَعلف) بجانبه صيدلية تعلوها عيادة طبيب لكافة الإختصاصات والأمراض الجسدية كما الروحية في آن، حيث لا يجب أن تصاب بالصدمة ولا حتى تستغرب حين تشكو صداعا مزمنا لطبيبٍ منهم، من نصيحته لكَ أنَّ أنجع علاج لصداعك قبل كل دواء، يتلخّص في أنْ تضغط بأناملِكَ على صدغيكَ وتقرأ سورة الفاتحة سبع مرات..!! وكلاهما ـ وأقصد الصيدلاني والطبيب ـ متفِقٌ على إفراغ جَيب المريض من آخر فلسٍ يملكه، أو مقترضا إياه.. بل امتصاص دمه للنخاع بضمانٍ وهميٍّ واهٍ، في استرجاع عافيته، ولن ترجع.. مادامتْ مصلحتُهُما ـ تقضي وتُقدّرُ ـ بلا عودتها الحتمية إليه، إلا بـِواهي الأمل، وكسيح الوعود المتراكمة، أو بزيارة الأولياء الصالحين الذين تتضاعف أعدادهم بتناسبٍ طرديٍ مع تصاعد نِسَب الجهل والسحر والشعوذة، بأدلةٍ قطعية لازمة مُلزمة للقريب والبعيد، بأن صاحب الضريح هذا أو ذاك، كان قد زار القائم على الضريح في مَنامه، معاتبا إياه، شاكيا إليه، إهمال الناس له، وبالتالي إهمالهم لكراماته المكنوزة المكنونة..

وبجانب الصيدلية هنالكَ محلٌ للحلاقة، هو نفسه الذي يقدّم خدمات التدخين بكافة أنواعه لزبائنه، يليه أيضا، مكتب (درب الصد ما رد.. للسفريات السياحية والتطبيب) وإلى أي دولة تخطر ولا تخطر على البال، والذي يجاوره ولابد مكتب لدفن الموتى، مع خدمات ما بعد الموت… يلي كل ذلك (كشك) صغير لبيع كتيبات لا تحيد عناوينها عن مواضيع عذاب القبر، ومنازل الآخرة، وأهوال الوقوف في عَرَصاتِ القيامة، وتـَميمات السبعة أعين مبعثرة ما بين هنا وهناك وبكافة الأحجام، وفردٌ أو حتى زوجٌ من نِعال مزخرف لدرء الحسد وصدّه وردعه، بمعِيّة سمكتين مجفّفتين حد التيبّس، وخليط آخر ـ جديد قديم ـ من طلـّسمات لا يفك أسرارها إلا العليم القدير والراسخون في العلم إلى يوم يُبعثون، إضافة إلى أحْجِبَةٍ وأحجار (كريمة) موزعة في مَهامها مابين الرزق والمحبة، وآخر ضده للكراهية، وثالثٍ مانعٍ للرصاص، وُجِدَ في جَيبِ شخصٍ مُتوفٍ غدرا جرّاء رصاصةٍ تائهة، وآخرَ لِمَنْع الحريق أو حتى إطفائه، وُجِدَ سليما بين أنقاض بيت مُحترق، وذاك الحَجَرُ الدافع للموت والفاقة وغدر الدهور، وأخيرا وليس آخرا.. حجرٌ نادرٌ جالبٌ للشفاء التام الشامل والعاجل، مِنْ كلِّ مَرضٍ معروف ومجهول، بعد أن عجز فطاحل وجهابذة الأطباء في العالم، عن شفاء هذا المريض أو تلك المريضة، من هذا السقم أو تلك الحمى، بنوعَيها العابرِ والمُقيم..

وبين هذي وتلك.. توجد ولابد حسينية هنا، أو جامع هناك، موزعة جغرافيا بحسب نسبة الوصول للصوت الجهوري، والتواصل مع الخالق، فقط وفقط من خلال زج آياتِ العذاب ـ قبل الثواب ـ والخُطب والمواعظ والمحاضرات، وأذان الخَمس مرات، في أذنِ كل جبار عنيد؛ وكذا لتعزيز ـ كما توزيع ـ روحية وانطباع وثقافة الموت، وحتمية إقترابه منك، وإن إبتعد فهو ولابد أقربُ إليكَ من حبل الوريد.. فانتظار الموت منهاجا ووعيا، موزعٌ على كافة فئات (الهمج الرعاع) من أبناء الوطن، وفي عدالة إلهية ـ بشرية قل نظيرها ..

في مقابل كل هذا التشابك (الدنيوي – الأخروي) الغريب العجيب، بل المرعب في أدنى درجاته شعورا ووسوسةً ومعيشة.. مأكلا ومشربا، وتنفسا كاملا في شهيق لا يتجرأ على التعبير عن لهفةٍ، وزفيرٍ لا معنى يحمله إلا الحسرة… لا تجد (ولن تجد لا في الواقع ولا حتى في الأماني العقيمة الخرقاء) أي وجود ـ أو حتى اشارة لوجود ـ مَدرسةٍ جديدة، أو معهدٍ للموسيقى والنحت، ومعظم الفنون ـ ولو مع نسبة ما من الخجل ـ والتي لا تشير ـ أول ما تشير ـ إلا إلى الحياة التي انعدم تواجدها بين ثنايا عناصر الحياة، التي لانزال نظن أننا نعيشها، كمثل مكتبة عامة، أو معرضٍ لرسومات، ولوحات تشكيلية، أو حديقة، يتنفس الصبح على ندى وُريقاتها كل يوم، أو دارِ سينما، أو خشبة مسرح، أو قاعة أوبرا، أو صرحٍ منحوتٍ بأيدي مبدعين، كرامٍ بررة، ترهقهم قـَتـَرَة..!!!

أيُ وطنٍ ملعونٍ هذا الذي تعيشون فيه أيها البُلَداءُ، الخانعونَ، السَّفلة – وأنا معكم ومنكم، لا أنزه نفسي عن ذلك – مادمت مثلكم دمية خرقاء.. لا تحرك ساكنا، ولا تستطيع – بل وحتى تهدّدُ أحيانا، وتُمنعُ أحيانا أخرى – مِنْ صُنع ولو رمز بسيط للحياة، وَجَمالِها الإلهي الخلاب…!!!! قد.. وربما.. ولعله.. يخلدها.. لِما بعدَ الرحيل، القريب البعيد…!!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here