لحظة تأمل.. في مشهد بصري..

شروان الوائلي

في البداية يجب ان نحيي المحافظ اسعد العيداني وهو يستعيد الطابع المدني عبر استعادة المشهد الحضري لمدينة البصرة .. هذه المدينة التي عرفت في عصور التاريخ الاسلامي حقلا نوعيا من حقول اللغة العربية ومدارس الفلسفة والبيان وتاصيل ارضيات الفكر الاسلامي.
ان مدينة بهذا الحجم في التاريخ يجب ان يقابلها بعد التغيير مشروع مماثل ينهض بحقولها النفطية وعمرانها الانساني والاجتماعي ويرفع عن كاهلها المثقل بالمعاناة التاريخية التجاوزات والعشوائيات وهيمنة قوى الضغط الاقتصادية ومظاهر السلاح انسجاما مع هويتها التاريخية وفرضيتها الفلسفية والفكرية وثرائها الحضاري وقيمها الاخلاقية..
ان الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المحافظ حيث وصل مستوى التهديد بالقتل واستهداف عائلته اشارة بالغة الى حجم الانجاز الميداني وفحوى الرسالة التي اشتغل العيداني على ايصالها للمعنيين بامر البصرة , كما ان هذا المستوى من التصدي للرسائل الهاتفية دليل على شجاعة الرجل وهو يقدم نموذج المسؤول حيث يتراجع الهم الشخصي والاسري والعائلي لحساب الوطني والمحلي والتنموي.
مرة ثانية نحيي الرجل ليس لشجاعته التي ابداها في مواجهة وسائل الاستهداف والقتل وحسب انما في مواجهة البعض من المتضررين سواءا كانوا افرادا وجماعات سياسية ومن لديهم منافع وتجاوزات على الارض .. حيث يجب ان نقف الى جانب المسؤول الذي يسهر على تطبيق القانون والانظمة والتعليمات دون انحياز سوى الانحياز للمواطن والضرورات التنموية ومصالح الناس كما ان مساندته والوقوف معه ودعمه من الواجبات الاخلاقية والوطنية مثلما يجب ان يكون لنا موقف شجاع ووطني ومسؤول ازاء من يهدد ويمس حياة الرجال الوطنيين , لان هذا التهديد لايمثل تهديدا لشخص انما هو مؤشر على التعطيل والارباك وقرار بابقاء البصرة مدينة عائمة على التجاوز مقيمة في المجهول !.
ان السبب الرئيس برايي وراء تردي منظومة الخدمات هي الميوعة واستسهال تطبيق القانون والمجاملة سواءا كان تنفيذيا في الحكومات المحلية او الاتحادية وقد ضربت تلك العشوائية طابع المدن واستهدفت مركزها بالتدمير والتشويه! .
هنا لا نتحدث عن التجاوزات التي لاتزيد عن 200 متر لمواطن يريد ان يحتمي بها بسكن عشوائي حرره من قبضة الدوله ليثبت به وطنيته التي يضحي من اجلها والخالية من مفردات التصميم الاساسي انما نتحدث ونؤشر على حجم الخلل الكبير الذي حول البصرة ثالث اكبر المدن ومنبع النفط الى مكان للنفايات والدكاكين ومعارض السيارات وگراجات الغسل والتشحيم بحماية بعض اصحاب النفوذ ومجموعات الضغط ولك ان تتصور مدينة بهذا الحجم من الاستهداف كيف يكون شكلها .. وكيف يمكن اخراجها من مكب النفايات الى جوهر الحياة !.
ان هذه التجاوزات المقصودة امعان في اذلال حضرية هذه المدينة واستمرار في الهيمنة على قرار الدولة والحكومة المحلية وكأن هذه المكبات والتشويهات المقصودة رسالة انكم لن تستطيعوا تغيير هذا “الواقع” فكان لابد من قرار شجاع وسريع يضع حدا لهذا الاستهتار !.
اليوم وفي غمرة هذا الصراع المحتدم بين حضرية المدن وثقافة التمدن ورسالة الحياة وقوى الهيمنة والتجهيل والتضليل والتجاوز والعشوائيات حيث ترسلها البصرة الى بقية المدن العراقية , علينا ان نحيي اي مسؤول في مراكز الدولة التنفيذية حين يقوم بامر مماثل من اجل بعث الحياة في مفاصل المدن وصولا الى استنهاض معنى الحياة والفعل والتطور والمدنية وتجاوز الخطأ والانطلاق نحو الانجاز .
ان الشجاعة في تطبيق الانظمة والقوانين والذهاب الى مركز المصالح الاجتماعية والاستجابة لمقتضيات المصالح الاستراتيجية للناس هو الكفيل برفع التجاوز عن الدولة وهيبتها وقد يكون ما يجري في البصرة مقدمة لرفع هيمنة قوى الضغط عن كاهل الدولة ومسؤوليتها الاخلاقية والدستورية ازاء مواطنيها .
ان فرض القانون مسؤولية دستورية وقرار شجاع وتكليف وطني وعلينا ان نكون بحجم هذه المسؤولية في بلد يحتاج ثلة مؤمنة به وبمستقبله .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here