ما السبيل للخروج من عنق الزجاجة؟

مرتضى عبد الحميد

لو نظرنا الى المشهد السياسي العراقي وآفاق تغييره بصورة مجردة لما عثرنا على بارقة امل ولا لاح لنا بصيص في نهاية النفق، لأن الكتل المتنفذة قد احكمت قبضتها على (اللعبة الديمقراطية)، واكتسبت خبرة كبيرة في سد منافذ التغيير برتاج افكارها الفاسدة والمتخلفة، وبمصالحها المغرقة في انانيتها ولأخلاقيتها، وآخر اغلاق هو قانون “سانت ليغو” المعدل ونسبته 1،9 التي مهدت لها منذ انتخابات 2010 وما قبلها.

لكن التجريد لوحده غير ذي نفع، اذا لم يرتبط وثيقا بحيثيات الواقع وتناقضاته، وبتطلعات المتضررين منها، وسعيهم لتجاوزها وتغيير وجهتها، وبما يتناسب مع عطائهم.

لا احد يجادل في ان المهمة صعبة، بل شديدة الصعوبة، ومما يزيدها تعقيداً ان اللاعبين الأساسيين فيها ليسوا محليين، بل هم من خارج الحدود، وقد عقدوا العزم على تصفية حساباتهم على الأرض العراقية عبر وكلائهم الذين يجاهرون علناً، بل يفاخرون بعائديتهم لهذا الطرف او ذاك!

النخب السياسية الحاكمة لا أمل فيها، ولا يمكن ان تغير طباعها وتستجيب لما يريده العراقيون بمن فيهم جمهورهم الانتخابي الذي يهرع في كل مرة لتجديد البيعة لهم، وهم ماضون بحمية وحماس يحسدون عليهما في جرّ العراق وطناً وشعباً الى الهاوية، واعلاء راية الخراب والدمار الشاملين.

هل الأمر ميئوس منه ولا أمل في إصلاحه، كما يحاول البعض القول؟ لا أبداً. فتجارب الشعوب قديماً وحديثاً امامنا، لنغترف منها ما نشاء، ونعمل بكل قوانا وطاقاتنا المعلنة والكامنة على إعادة العافية لشعبنا ومجتمعنا اللذين عرفا بها، قبل مجيء الحثالات وسقط المتاع وبائعي الضمائر، بدءاً من شباط الأسود 1963 ولحد الآن.

هنا يأتي دور القوى المدنية الديمقراطية والوطنية وسائر المخلصين لشعبهم لتوحيد جهودهم وما يملكون من رصيد شعبي ووطني في العمل الجدي المثابر والدؤوب، لتغيير ألوان اللوحة القاتمة، وإضاءتها بالوان قوس قزح، بالنزول الى الشارع والاندماج بالجماهير الغفيرة والكادحة في أماكن تواجدها، وتبني مطالبها والدفاع عنها بصدق وإخلاص وتصدر نضالاتها لانتزاع ما يمكن انتزاعه من المتشبثين بالسلطة.

بمعنى آخر ضرورة مغادرة الأبراج العاجية التي يعيشون فيها وينظرون من خلالها والتخلي في ذات الوقت عن تورم الذات، وتصور البعض انه مركز الكون ويجب ان يتصدر الجميع ويقودهم دون ان تتوفر له ابسط مستلزمات هذا الطموح غير العقلاني واللاموضوعي.

لقد حصلت القوى المدنية والديمقراطية مجتمعة على اكثر من ربع مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، لكنها لم تحصل الا على أربعة مقاعد في مجلس النواب، بسبب تشتتها والخلافات الفنتازية في ما بين أطرافها. وكان بإمكانها الحصول على 12- 13 مقعداً يمكن ان تضاعفها في الدورات القادمة، وتكوّن كتلة برلمانية لها وزنها وتأثيرها وقدرتها على إحداث الإصلاح والتغيير المطلوبين في أداء مجلس النواب والعملية السياسية برمتها، الامر الذي يضعها امام مسؤولية وطنية وتاريخية في الارتقاء بأدائها، وطريقة تفكيرها أولا، وتوحيد خطابها السياسي فضلا عن توحيد قواها، والتخلص من عزلتها وتشرذمها.

كما ان المشاركة الفاعلة في الحراك الجماهيري، ترتدي أهمية اكثر من استثنائية، لأنه الرافعة الأساسية في عمل ونشاط هذا الطيف الواسع من القوى السياسية الحريصة على حاضر ومستقبل العراق، والشرط الذي لا غنى عنه لإجبار النخب الحاكمة على تعديل المسار وتحسين الأداء، ولو بصورة تدريجية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here