الراسمالية تحاصر البسارية في عقر دارها !

عماد علي

يعتبر الكثيرون امريكا بانها مهد الديموقراطية و على انها هي دفعت العالم للسلكها آلية في خياراتهم السياسية و ادارة البلدان. و الكثير يعتقدون بان امريكا هي من تؤمن الحرية و تضمنها ليس داخلها فقط و انما في العالم اجمع ايضا. و الكثير لم يعتقدوا فقط بل يؤمنون بان امريكا مهد ارض الراسمالية نظرية و تطبيقا و تنظيرا لم تمنع الاخر على اعتناق اي فكر او نظرة او توجه يؤمن به في مسيرة حياته و يعمل وفقه، و الكثير يؤمنون بان الراسمالية فكر و فلسفة و ايديولوجيا تستند عليها الليبرالية و هي اخر ما يمكن ان تتوصل اليها الشعوب و البلدان و العقل البشري.

فهكذا سارت الامور و فرضت امريكا سياسيا و فكرا نفسها شيئا ما، و بالاخص مابعد الغلاسنوست والبروسترويكا و انفكاك الاتحاد السوفيتي، و اصبح التخبط الحاصل مابعد ذلك دافعا لتقرب اجزاء الاتحاد السوفيتي الى امريكا و نهي تعتقد بان الراسمالية فكرا و حكما هي الحل. غير ان المخفي و الذي لم يُسلط الضوء عليه هو التناقض الموجود في ادعاءات امريكا حول الحرية واليدموقراطة و ايجابياتها و المفروض ان يتلزم العالم بها، ولكناه هي من لم تلتزم بفحواها كلما رات تتضرر بها و تتناقض مع مصالحها، فهل راينا بروز حزب يساري و يمكنه ان يقوي جماهيريته وينافس الحزبين المسيطرين الجمهوري و الديموقراطي في ظل النظام المتبع و القوانين العامة المرعية الموجودة رغم وجود النسبة الاكبر من الطبقات الساحقة و المهمشين الذين لا يمكن ان ينتموا و يؤمنوا بالاحزاب الاحالية الموجودة التي لا تنفعهم و لا تمسهم بشيء، و هل تمكنت المؤسسات الامريكية ان توفر حرية لمن آمن باليسارية فكرا و فلسفة في اي مكان فيها، وحتى النخبة التي تتميز بمكانتها و تاثيراتها المباشرة على الراي العام.

فلنذكر مثالين عن وضع قيود و عواقب امام المؤمنين بالماركسية و اليسارية بشكل عام من النخبة الاكاديمية التي كانت لهم صولات علمية و بحوث في الجامعات الامريكية و لكنهم آمنوا بالماركسية علما و فكرا وفلسفة، وعليه لاقوا الموانع التي صنعتها السلطة الامريكية امامهم وانتهوا متسكعين شيئا ما في امريكا او في كندا، انهما البروفيسوران ( وليم بونج 1928- 2013) و ( ديفيد هارفي 1935 – ……). و هما يعملان في مجال الجغرافيا و اختصاصهم العلمي كان بعيدا عن الماركسية الا انهما اثبتا بان للجغرافيا حال الفلسفة في تطبيق الماركسية و آمنا بالجغرافيا و تاثيراتها و بالاخص المناطق المهمشة التي تعيش فيها الطبقة الساحقة، و انتهى الاول بان ينتهي حياته وهو يجد نفسه سائقا لتاكسي في تورنتو الذي ذهب اليه استاذا و باحثا و لم يتلق ظروفا افضل من بلاده في تعاملهم معه رغم انه قدم الكثير الى جامعة تورنتو و حوصر اكاديميا و معيشيا بعد ان طُرد من جامعتها لاراءه و مواقفه الماركسية او اليسارية بشكل عام بعد ان ياس من بلاده. اما الثاني ( هارفي) و بعد تاليفاتها المهمة الخاصة حول الجغرافيا و شروحاتها ايضا و استخدام الحغرافيا كمرجع اساسي لاستخدام النظريات و الفرضيات الكمية او الرقمية، عمل في جامعة كامبريدج و من ثم انتقل بعد محاصرته ايضا الى جامعة جون – هوبكنز في بالتيمور في الوايات المتحدة و لم يتلق هو ايضا صدرا رحبا بل عُرقل في اعماله و لازال يعاني من التهميش و التعتيم على نتاجاته و اكتشافاته العلمية وهو منعزل في داره.

و هناك الالاف من المستويات المختلفة التي تعيش في امريكا دون ان تكون لهم الفرصة على التقدم في مسيرتهم و تحقيق اهدافهم لكونهم يعملون وفق ما يتعارض مع المنهج الراسمالي و الفلسفة الراسمالية على الرغم من اداعاءات امريكا عن عدم منع الجهود المبذولة في خدمة الانسانية و انها تهتم بما يخص الانسانية قبل اي شيء، و ان من يتابعها يرى بشكل واضح التناقضات في التنظير و التطبيق، على الرغم من منح الفرص للعمل و الغوص في ما يحسن الوضع المعيشي للفرد لو لم يقترب من جوهر الراسمالية فكرا و فلسفة و تنظيرا و عمليا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here