فنون العراق الجميلة، ازدهار الفن في بلاط الخلفاء، رغم سوء الحالة الاقتصادية في ا لدولة العباسية. *

د. رضا العطار

ورغم كل مظاهر الضعف والانحطاط والتردي في الدولة العباسية، الا ان الموسيقى بقيت تزدهر في بلاط الخلفاء في بغداد، المركز العالم العربي والشرقي التي تمتعت العلوم الموسيقية بالكثير من عمقها وتاثير رسالتها، لكن ذلك لم يمنع من ان تزدهر الموسيقى في اقطار عربية اخرى وان تكون مراكز للاشعاع الفني، فقد شجع الحمدانيون في سورية الفارابي، الفيلسوف والعالم الموسيقي الكبير وازدهر في دويلتهم الموسيقيان الاصفهاني والمسعودي.
وكان الطولونيون في مصر اول من جعل ذلك القطر يزدهر بالشهرة في مجال الفن في عصر السيادة العربية، فقد زوج خماروية بنته للخليفة المعتمد وصرف في هذا الزواج مليون دينار وبلغ من تقدير الخليفة للموسيقى والمغنين درجة رفيعة حتى جعلته يزين قصره بصور مغنياته.

من المتعذر المبالغة في تقدير ما اسدته الموسيقى العراقية الى العالم القديم اذ اصبحت بغداد المدينة الحافلة بابحاث عن الغناء والتاليف الغنائي والمسائل الموسيقية العملية والنظرية – – – لا بوصفها مصادر المعلومات فحسب بل باعتبارها وثائق تدل على ما كانت عليه الثقافة الموسيقية في هذا العصر. وان نصادف بين الكتب العلمية والموسيقية مراجع اخرى تماثل هذه الكتب من حيث الكيف او القيمة الفنية.

ومن المميزات التي تتميز بها الموسيقى العراقية خاصة بعد تلاقحها مع موسيقات شعوب الشرق، زيادة التعلق بالعود العربي الى جانب المهارة الكبيرة في صنعه، ولقد تفوق العراق منذ القديم ولا زال على باقي الدول والاقطار العربية في صنع العود ووضع مؤلفات خاصة به – – – ويمكن القول ان العود العراقي اضحى مدرسة عزفية في الشرق لدقته وقوته ومتانة اوتاره – – – وربما من المفيد القول ان حركة ارتباط الموسيقى العراقية في العصر العباسي وحتى الفترة المظلمة بالافكار الشرقية يعادل فعلا اهمية الاثر الذي احدثته الخطوات الكبرى التي خطتها الترجمة العربية من الكتب الاغريقية القديمة عن الموسيقى.

ومن الواجب ان نتذكر انه اذا كان للعرب فضل ما استعاروه من الامم الشرقية من العلوم الموسيقية ( الفرس والاتراك والهنود ) وغيرهم لكنهم مدينون بدين اكثر ثقلا للعرب لا بالاسلام وحده بل بالعلوم والفلسفة والفنون الجميلة وفي مقدمتها الموسيقى،
يقول المؤرخ الغربي الشهير نولدكه: ( لم تمس فارس من اوربا سوى السطح، لكن الدين العربي والمناهج العربية نفذت الى صميم المجتمع الاوربي )

لقد تطورت الموسيقى الآلية في العراق تطورا غير قليل في فترة الانحطاط العباسي – – – ويمكن التمعن من خلال الوصف الدقيق للالات الموسيقية في (كتاب الموسيقى) للفارابي ومعرفة المستوى النظري والتقني الذي وصلت اليه صناعة الالات. فالعود العربي لا يزال على اوتاره الاربعة في الشرق وان زاد عليه زرياب خامسا في الاندلس – – – وقد حدث هذا التجديد في القرن التاسع الميلادي – – – ومن المؤكد ان الموسيقى الكبير الفارابي يعرف هذا الوتر الخامس غير انه لم يكن عنده الا ذلك الرمز النظري كما هو الحال عند الكندي في القرن السابق – – – وابتكر حكيم بن احوص عودا مقدسا سمي (الشاهرود ) وكان يصدر انغاما من ثلاث مقامات.

* مقتبس من كتاب حضارة العراق لعادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here