الخليج على حافة العودة الى الماضي

ان تصاعد التهديدات في المنطقة ودعوات الحرب فيها سيؤدي إلى حرق الأخضر واليابس ولا تصل اي دولة من دولها الى شاطئ الامان بما في ذلك الخُطب القارِعة لطبولها والتي تخلق وضع سياسي واقتصادي صعب تدعو الى الحيطة والحذر كي لا تدفعها الى اوضاع مزرية اكثر، وتدعها متخلفة و منزوعةً من مقومات التطور الذي تحتاجه والذي كان يجب ان تتمتع به وكما هي في مسيرتها الفعلية رغم بطئها وتجعلها مكبل بالديون وتعيش في دوامة المآسي والآلام والمحن، وتجرها الى عواقب للفتن والنزاعات والحروب التي قد تنشب نتيجة تأجج الصراعات داخل مكونات تلك الدول إضافة إلى استدامة النفوذ الأجنبي فيها، ونهب أموالها، نتيجة تدمير البنى التحتية ومصادر حياة شعوبها ومستقبلها لذا “فمن كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة “، وإذا كان الرئيس ترامب يفعل كل ما في وسعه لتمرير سيناريو الحراسة هذا وتبعاته الخطيرة على دول الخليج، فإن هذه الدول لم تقم بخطوات ملموسة لنزع فتيل التوتر المتصاعد هناك حرصا على تجارتها ومصالحها الاقتصادية الحيوية التي تشكل بمثابة حياة أو موت بالنسبة لها ومع استمرار التوتر اخذت الاستثمارات بالهروب من دبي والمنامة وعواصم الأعمال الأخرى الخليجية الى الخارج كما يتحدث رجال الاقتصاد ونزول مستوى التبادلات التجارية فيهما وتعطل المشاريع الحيوية للتنمية الاقتصاد.

ان حل مشاكل الدول والتحديات التي تواجهها عبر الحوار السلمي المستقل بعيداً عن الضغوطات ، والابتعاد عن افتعال الحروب ووقف التدخل في شؤون الدول الاخرى هي الناصية الاصح في العلاقات ، كما إن نشوب أي حرب في المنطقة سيؤدي الى تهديد الامن والسلم الاقليميين وبالتالي سيجعل شعوب ودول المنطقة مضطرةً الى الانحياز لطرف من الأطراف دفاعا عن نفسها ومصالحها لانها غير قادرة على الدفاع عن نفسها وستكون اكثر من بقرة حلوب، وسيكون حجم المأساة والضحايا أكبر وأكثر تدميرا. ما ستؤدي إلي زيادة تكاليف الإستيراد لتذهب الى جيوب الدول المستكبرة ، أو دفع المنتجين إلى منح خصومات للمشترين لتعويض هذه الزيادات في التكاليف. كما هي في الحرب على اليمن، وانتشارها إلى المدن والمطارات ، وإلى محطات النفط وكذلك حوادث الناقلات النفطية التي شرعت بها بريطانية في جبل طارق من شأنها أن تزيد حدة التوتر في الإقتصاد العالمي، سواء في اسواق تداول النفط والغاز أو أسهم الشركات ورسوم الشحن والتأمين وهكذا حدثت في الاونة الاخيرة ، أو في توقعات النمو في ظل توقعات متزايدة بضعف النمو واحتمالات الكساد.

تبقى هناك حقيقة مرّة بخصوص الذين يقفون دائماً وراء الاستفزازات في المنطقة و قوىً تسعى إلى الحرب، بخلاف العقلانية السياسية والإنسانية، وهي تدرك مخاطرها، أو في أسوأ الأحوال تسعى إلى الحرب حتى كـ”حل” لصراعها مع الاخرين. ويجب التحذير من هذه الأطراف ، من المؤكد أن تكون لأي حرب في المنطقة عواقب وخيمة على كل دولها وقد تخرج البعض منها من الخارطة الجغرافية او تشكل دول جديدة .

ان الشكوك في الادعاءات الأمريكية الحالية منطقية من خلال ذيولها في خلق الازمات وتوجه الاتهامات و انها برهنت أمام العالم بكونها لا تلتزم بحلفائها ولا تدافع عنهم ولا يهمها أمن الخليج ومضيق هرمز وسواه في أحلك الظروف، وينبغي أن لا يعول عليها أحد و لأن اكثر الحروب ومنها الحرب العراق عام 2003 استندت بالكامل على ادعاءات كاذبة وخاطئة وقتها ، و يبدو من غير المنطقي أن تقدم دولها ، وعن طيب خاطر، سبباً ممكناً لحرب مستدامة جديد قد تستغرق سنين يمكن أن تخسر فيها كل الاطراف في المنطقة مالديها في ضوء التطور وتوازن القوى العسكرية لبعض دولها وتعرفها الولايات المتحدة الامريكية حق المعرفة فلهذا “تضع الحوار الدبلوماسي الربحية في المصاف الاول في الكثير من الاحيان و تدعي تخفيف من حدة التوترات “،وبالعكس من وجهة نظر الذين يطبلون للحل العسكري ويرون ان الوقت الحالي هو الوقت الأمثل للقيام بذلك لتسوية الحسابات دون التفكير بالعواقب ، والذريعة التي تسوقها الإدارة الأمريكية قد تدفع بإقناع بعض الدول بهذا التحرك و على طول المنطقة تظهر نزاعات كبيرة من الحرب بالوكالة في اليمن من قبل ما يسمى بالتحالف العربي التي تقوده السعودية . واستعراض القوة عقب إعلان ترامب عن التخلي عن الاتفاقية النووية و في خطط الولايات المتحدة الرامية لبناء تحالف من أجل التوصل إلى “حل سلمي” كما تدعي في الشرق الأوسط وبمشاركة البعض من الدول وعرض المبادرات المتكررة التي تطرحها ومنها تشكيل قوات عسكرية على حساب دولها المتفقة معها ويطلب الرئيس ترامب من دول كبرى في مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان والصين المشاركة وتحمل تكاليف حراسة المضيق من خلال دفع الأموال وإرسال السفن الحربية اللازمة لذلك والتي ردتها البعض بعدم المشاركة في مثل هذا التحالف لانها تزيد من حدة التوتر .

لا شك فان أي عمل حربي تحرض عليه أمريكا حالياً في المنطقة تعني؛ وقوع حرب كارثية طويلة الامد وشاملة و تنبع أهمية مضيق هرمز في المنطقة والمقصودة في ارسال السفن الحربية لحمايتها من أهميته للبضائع الأخرى التي تستوردها الدول من أجل صناعتها وزراعتها وخدماتها واستهلاكها اليومي من الأغذية والألبسة والأجهزة المنزلية وغيرها. يضاف إلى ذلك الأهمية الجيو سياسية لها بين الشرق الأوسط والهند وجنوب ووسط وشرق آسيا. وإذا كانت بلدان كالسعودية وسلطنة عُمان لديها بدائل بفضل تمتعها بشواطئ ومرافئ بعيدة عن هرمز على البحر الأحمر بالنسبة للسعوية وبحر العرب بالنسبة إلى عُمان، فإن بلدان أخرى كالكويت وقطر والعراق لاتتمع بأية ممرات بحرية بديلة.

ان المنطقة والعالم في حاجة ماسة إلى الهدوء،وليس إلى التوتر. وإذا استطاعت روسيا والصين وبعض الدول الاوروبية المتزنة أن تقدما من خلال مجلس الأمن إطارا للحوار العاقل بشأن العديد من الملفات بين حين واخر فربما يكون تلك فرص تاريخية للتوصل إلى تسوية للصراع الراهن في المنطقة .لان مثل هذه الحرب سيكون لها خاسرون فقط. فيجب القيام بكل شيء لمنع ذلك، أيضاً من قبل الامم المتحدة بأدواتهما المحدودة، ومع ذلك، يجب أن نخشى من الحرب و التأسيس لتحالف من اجل الحل السلمي ،بدل الائتلافات الحربية التي يفترض أن لا أحداً يريدها سوى اصحاب المصالح ،والتي لا نأمل ان تكون الحرب واقعة قريباً ،لان شره سوف يأكل كل خيرات المنطقة وتعود الى الجمال .

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here